أتت إلى هذه الدنيا قبل الأوان،فكانت الفرحة فرحتين، أزاحت عنهم هما توالى لسنين عديدةفاستقبلوها كالاميرة
وهكذا صممت أن تبقى ،كانت كبرى إخوتها لكن لاأحد يتنازل عن حب الأميرة الكل يهتف قلبه بحبها ويتوددون إليها كل علىقدر رحابة صدره، كانت تبادلهم الاحساس نفسه فحبهم لها ما زادها إلا تواضعا ورقة. كانت تخاف على نفسها من أجلهم ،لاتريد أن تخيب رجاءهم بأي حال من الأحوال.
مرت سنون طفولتها أكثر من رائعة لم تعرف للحرمان طعما قط، مرت السنون والاعوام ،شاءت الاقدار أن تعصف بقلبها الصغيرريح قوية ،انحنت لتمر العاصفة بسلام لكنها أبت إلا أن تعمر وأبت هي إلا أن تسير عكس التيار،فعاشت أجمل أيام عمرها بين شد و جدب بين نحيب وأنين ،كانت غريرة حيية ،استطاعت هذه العاصفة أن تنضج قلبها قبل الاوان،فترعرع بين جنبات روحها حلم جميل بحجم الزمان لم تلجأإلى تفسيره خوفا من أن يفقد بعض طلاسمه التي تدغدغ مشاعرها كلما هربت من رتابة الحياة،كلما أغلقت عينيها لتفتحهما على عالم ساحر لتستيقظ في النهاية على حزن أبى إلا أن يعشوشب بين أحضان الشوق،انتبذت بحلمها مكانا قصيا،أخفت ضفائرها،واعتلت برج الصمت وتقلدت بلاءاتها،مزقت كل الشهادات إلا شهادة مزقت فيها الانحناء فأينع الاباء،لم تنسب الذي أصابها إلى قبيلة عذرة ولاإلى أي قبيلة أخرى،بل نسبته إلى رب السماء،وحده قادرأن يرفع عنها البلاء.بكت واحترقت ،كتمت وعفت،وانتظرت الموت ماكانت محظوظة،ضعف الطالب وعز المطلوب،أصدر القدرأمره أن تعيش بين دياميس الموت البطيء،لم يعد يغريها من متاهات الدنيا شيء،منذ أن ذبح هذا القلب على أعتاب العفة والكتمان،ومنذ أن صلب هذه الروح ثالوث الشوق والصبابة والحرمان،لم يبق منها إلا كتلة لحم ومجموعةعظام،لكم تمنت أن تهديها للديدان حبذا قبل الأوان،لم تعد تطيق الموت البطيء وفي نفس الوقت لم ترغب في إجهاض هذا الحلم الجميل الذي يضيء حناياها،فالذي بين حناياها روح والروح إذا شفت خفت وإذافاحت فاضت وألقت ما فيها وتخلت عن جسد أشبه ما يكون بالقبر إما تعود إليه بالضياء أو تكمل رحلتها فيلفه الفناء وتحتضن هي الضياء،ألا يقولون إن الارواح جنود مجندة لكَم تمنت أن تستغفل هؤلاء الجنود لتحظى بسر لطالما ارتقت إليه، وظلت تنتظر هفوة من هفوات الزمن تعترف لها بالذي بين حناياها،طال الزمن واختفت هفواته،أرادوا لها أن تتكاثر،احتجت ورفضت وتذرعت لم تغرها أشكالهم ولا مناصبهم،فحلمها كان الاجمل،كانت حلم الكثيرين لكن حلمها الوحيد كانه،وأصرت على الرفض،وعندما انقضت الحجج والذرائع ،قبلت على مضض،فألقى بها الزمن في نار أخرى...تكاثرت ولم يلهها التكاثر حتى تزور حلما يسكنها وتسكنه يحفر لها مكانا في كل ذرة من كيانها،استمرت رحلة الموت البطيء وتوالت السنون ومازال الجرح لم يندمل،ومازالت صورته محفورة في ذاكرة قلبها وقلب ذاكرتها،لم تستطع رياح الزمن أن تذروها ولا اسطاع غبار النسيان أن يعلوها.
هاهي تبلغ سن الرسالة ،هاهي تنزل من برجها لتبحث لحلمها عن هوية ،تخاف أن يواريها التراب ولما تعلم هل الذي بين حناياها كان حلما أم وهما،فإذا كان حلما فما أقصر الاحلام الجميلة وإن طالت ،وإن كان وهما فليكن من أصدق الاوهام،ها هي تجهر بالذي أسرته ربع قرن من الزمن،أنطقها الذي أسكتها أول مرة وهو على القلوب ذو سلطان عظيم.
أتت به قومها تحمله ويحملها يشكوان زمنا تحامل عليهما ورمى بهما في غياهب الصمت،حتى طاغور انتفض لبكائها ولم ينزع عنها قدسية الحلم،فصمتها فاق المدى وصرخة صمتها اخترقت الصدى،هاهي تستعد أن تلفظ أنفاسها الأخيرة وهالة الرهبة تحفها وموكب الحمام الزاجل يخبرها أنها لم تغادر ذاكرته طيلة هذه السنين،ما كانت تطمع في أكثر من ذلك ،ابتسمت وأشرق محياها وأخذت تردد ألحانا شجية:
يدق قلبي من الفرحْ ///////والعين تبكي حنينا
داوى الزمن ما جرحْ////////زاد الروح يقينا
ماتت مطمئنة على حلم توعد الزمن بكفالته واحتضنتها نُسيمات الشوق...