هذا هو فارس الكلمة الشاعر الحبيب والأديب الأريب محمد إبراهيم الحريري يقف موقفا مشرفا ، ويرسل حروفه النقيات رسائل سلام وإنت تبطنت بثورة ، فلله درك يا أبا القاسم .
سنكون معا في نزال شريف بين الحرف والحرف ، وبين الكلمة والكلمة ، ليس شرطا أن يغلب بعضنا الآخر ، ولكن الأهم أن يعرف كل منا قدر الآخر ، فقد مللنا نظرية الإقصاء التي نعيشها واقعها مريرا ..
أتذكر الآن قولا رائعا للمفكر خلدون الشمعة يقول فيه: " لو أن غاليلو قال شعرا إن الأرض تدور فلربما كانت محاكم التفتيش ستدعه وشأنه" والقول يشرح نفسه .
وإن كنت أحب الشعر وأعده فنا من أرقى الفنون إلا إن لي في بعض النثر ما يجعله عندي أعظم شأنا ، وأسمى مقصدا ، واليكم الأدلة:
أولها أن النثر أصل والنظم فرعه ، ومن شرفه الطبيعية والابتعاد عن التكلف ، فهو إلى الصفاء أقرب .
وإن من أعظم الأدلة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق إلا به آمرا وناهيا، ومستخبرا أو مخبرا، وهاديا وواعظا، وغاضبا وراضيا، وما سلب النظم إلا لهبوطه عن درجة النثر ، ولا نزّه عنه إلا لما فيه من النقص ، ولو تساويا لنطق بهما ، ولما اختلفا خص بأشرفهما الذي هو أجول في جميع الموضاع، وأجلب لكل ما يطلب من المنافع.
ولعل من أدلة ذلك ما ناله الكتاب من منازل عبر تاريخ الأمة الطويل ، لم يصل شأوها الشعراء ، فلو تصفحنا ما صار إلى اصحاب النثر من كتاب البلاغة ، والخطباء الذين ذبوا عن الدولة ، وتكلموا في صنوف أحداثها ، وفنون ما جرى الليل والنهار به ، مما فتق به الرتق ، ورتق به الفتق ، وأصلح به الفاسد ، ولم به الشعث ، وقرب به البعيد ، وبعد به القريب ، وحقق به الحق ، وأبطل به الباطل ؛ لكان يوفي على كل ما صار إلى جميع من قال الشعر، ولاك القصيدة ، ولهج بالقريض ، واستماح بالمرحمة ، ووقف موقف المظلوم، وانصرف انصراف المحروم ، فأين من يفتخر بالقريض ، ويدل بالنظم ، ويباهي بالبديهة ، من وزير الخليفة ، ومن صاحب السر ، وممن ليس بين لسانه ولسان صاحبه واسطة ، ولا بين أذنه وأذنه حجاب ؟!
وأعجبني قول المعافى بن زكريا الحريري المعروف بابن طرارة ( ت 390 هـ) في التفاضل بين الشعر والنثر :
" النثر كالحرة، والنظم كالأمة، والأمة قد تكون أحسن وجها وأدمث شمائل، وأحلى حركات ؛ إلا أنها لا توصف بكرم جوهر الحرة، ولا بشرف عرقها وعتق نفسها وفضل حيائها"
ووضعت هذا القول لما فيه من طرافة ، وإن كنت لا أذهب هذا المذهب ، فأنا أعد الشعر أيضا من الحرائر ، ولكنه النزال الذي يستوجب أن نجمع كل الأسلحة فيه
وهاكم قول عيسى الوزير في المفاضلة بينهما إذ يقول : النثر من قبل العقل ، والنظم من قبل الحس ، ولدخول النظم في طي الحس دخلت عليه الآفة ، وغلبت عليه الضرورة، واحتيج إلى الإغضاء عما لا يجوز مثله في الأصل الذي هو النثر"
ويقول ابن سنان الخفاجي : " إن الحاجة إلى صناع الكتابة ماسة... والشعر فضل يستغنى عنه، وأكثر النظم لا يعبر عن جد، ولا يترجم عن حق .. وأكثر النثر شرح أمور متيقنة .
أحبتي :
هي كلمات سقتها ، وغرضي منها استنهاض همم ( الأعدقاء) من الشعراء ، وإن كنت أحترمهم وأقدر علو شأنهم ، ويبدو لي أننا بحاجة إلى رفع شأن من نواجه حتى نقول في النهاية إننا انتصرنا على الكبار
سأعود مرة أخرى إلى خيمتي الزاهية بألوان النثر لأرتاح قليلا من عناء جولة حامية الوطيس ، وربما يكون لنا في القادمات جولات وجولات..
للشعراء حبي وتقديري ، وللناثرين من جنودنا النصر إن شاء الله تعالى