كونشرتو العيون
بقلم : إيهاب النجدي
هي نظرةٌ يا صغيرتي
بل نظرتان تصنعان قصةَ حبّ كاملة
شيقةَ التفاصيل
يتجاوبُ فيهما الهمسُ والعطف والضم والعناق
وتورق فيهما الملاحة والصبابة والقسوة والعتاب
وتمتد في أفقهما بلا حدودٍ أو قيود
حقولُ الأمل والزهو والوجد والحنين
هما نظرتان تهيئان أريكةً لبخورِ الكلام
والأسئلةِ العتيقة والملاطفات العابثة
وتمنحان واديًا للمرحِ الحلو
آه , كم يشتاقُ القلبُ لأن يمرحَ بين الأكواخ والأشجار
ولو كأصغر طيرٍ في هذا الكون
هما نظرتان تهبان وقتًا ذهبيًا لقهوةٍ فرنسيةِ المذاق
وصفحةً مزخرفةً بالأشواق
وملونةً بالفراشات
ومعطرةً بالولهِ الأبدي
أخطّ فيها حرفًا وأمحو آخر حتى تنتصبَ الكلمة
التي من أجلها يحيا كل إنسان
وحتى يعتدلَ السطرُ ويعتدل الميزان , أنادى كلّ مجانين التاريخ ,
عقلاء الحب :عنترة عبلة, وعروة عفراء , وقيس ليلى , وجميل بثينة ,
ووضاح اليمن , وديك الجن ,
أناديهم جميعا :
تعالوا, أنقذوا الحبَّ من السقوط , لا يحتملُ السطرُ وجيبه
وتئن الصفحةُ من خفقانه ,
تعالوا فالعالمُ أضحى لا يحتملُ كلمةَ حب
هما نظرتان صافيتان كالنمير
يلهو حوله طفلٌ وطفلةٌ طائرة الضفائرِ
ومشرقتان كضُحى آذار
تقيمُ فبه الطبيعة معبدًا للجمال , وتتأنّقُ بساتين باريس
هما نظرتان عابثتان عبثَ الصعلوك بالأعراف والتقاليد البائسة
ومتمردتان , تأخذان الليلَ بجريرة النهار والنهارَ بجريرة الليل ,
لكنهما تخلقان من الفوضي أعمق معني,
كما يفعل الشريرُ بودلير وهو بين يدي جان ديفال
هما نظرتان حارتان جدا , ووادعتان جدا
هما نظرتان عصفورتان, تمرّان علي حنطة الشعر ,
وكرزِ الشفاه , وجنى الخدين, وموطنِ الخوخ بين شلالين من نور
وتطلان علي أفروديت وهي خارجةٌ لتوّها من زبدِ البحر, وعرائس الماء
راقصاتٌ حولها مزغردات, ثم تدخل مبجلة قصورَها المرجانية
والجميلُ نركيسوس متأملاً محيّاه على صفحةِ النهر, فيظلّ في أسرِ الجمالِ إلي الأبد
ونظلّ لبهاءِ النرجسِ عاشقين
هما نظرتان تغيبان في مقامات التوحّدِ ,
كما "المولويّ" وهو يكادُ يهمّ بالطيران
هما نظرتان توقّعان سيمفونيةَ البهجةِ الخالصة للعبقريّ الأصم
وكونشرتو للحنانِ البديع ينبعثُ من بيانو الطفلِ المعجزة
هما نظرتان مغامرتان
لكنهما لا تعترفان بالسندباد البحريّ ولا ما كابدَ في رحلاتِه السبع
وتعترفان بالمجهول الذي لم يصله بعد
هما نظرتان تصنعان قصةَ حبّ كاملة
شيقةَ التفاصيل
شقيةَ النهايات .