دانتى و الكوميديا الإلهيةكثير من المثقفين العرب لا يعرفون عن دانتى و كوميديته الإلهية غير ما سمعوه أو قرأوه عنهما , و قليل منهم من استمد معرفته عنهما عن طريق القراءة المباشرة لهذه الكوميديا التى ترجمت إلى العربية عدة ترجمات .
و لقد كنت فى مرحلة الشباب من هؤلاء العارفين لهما عن طريق القراءة عنهما , وصلت إلى هذه المعرفة عن طريق حبى لطه حسين و عشقى لكتاباته , فهو من أعظم من شكلوا العقلية العربية خلال القرن العشرين .. و كنت مهتما أساسا بأبى العلاء المعرى باعتباره أديبا شاعرا فيلسوفا , و قد عرفنى عليه طه حسين فى كتاباته المتعددة عنه , و قد كان العميد (طه حسين) معجبا أشد العجب بشاعر المعرة , ربما لاشتراكهما معا فى عدة خصائص : كالعبقرية و كف البصر .
و لم تتعد ثقافتى حول أبى العلاء – فى ذلك الحين – ما قرأته عنه , و ما قرأت و حفظت من شعره , لكن ما أثار فكرى و عقلى هو رسمه و تصوراته و تصويره فى رسالة الغفران ..
و نتيجة لذلك بدأ اهتمامى (الناتج عن القراءة عن) بقضية المقارنة بين أبى رسالة الغفران العلائية و كوميديا دانتى الإلهية .. ذلك حسب قدراتى العقلية و معرفتى عنهما – لا لهما .
فقد كتب عن دانتى كثير من الأدباء العرب أمثال محمد مندور فى (نماذج بشرية ) – 1953 , محمود الخضيرى فى مجلة رسالة الإسلام 1953 مبينا أثر الإسراء و المعراج فى كوميديا دانتى , و بنت الشاطئ فى كتابها عن الغفران للمعرى 1954 التى نفت تأثر دانتى بالاسلام و بالمعرى , محمد العزب موسى (مجلة الرسالة الجديدة 1955 ) و طه فوزى , و حسن عثمان الذى قام بترجمة رائعة للكوكيديا عن الإيطالية (1955) ........الخ .
و حين شببت عن الطوق و غادرت مرحلة الشباب , أتيح لى العثور قراءة الرسالة العلائية , و الكوميديا الدانتية (المترجمة عن الإيطالية ).
لقد كنت معجبا للغاية – فى شبابى - بكوميديا دانتى و كنت أتحرق شوقا للاطلاع علي نصها و قراءته ... و حين واتتنى الظروف و تمكنت من الحصول على ترجمتها ... سقط دانتى من نظرى , و ما رأيت فيه إلا شاعرا رائعا , و متعصبا مروعا ......كيف ؟
لقد وضع – فى الأنشودة الثامنة و العشرين من كوميديته الرسول الأعظم و النبى الأكرم محمدا صلى الله عليه و سلم و ابن عمه عليا بن أبى طالب فى الخندق التاسع من الحلقة الثامنة من الجحيم , و تحدث عنه حديثا ينم عن مدى التعصب الذى امتلأ به قلبه , بل قلوب المسيحيين فى عصره ضد الإسلام و رسول الإسلام , حتى أن مترجم الكوميديا – الأستاذ حسن عثمان – تحرج من ترجمة أبيات من هذه الأنشودة ذاكرا أن دانتى قد أخطأ خطأ جسيما فى ذلك .
بل إن مفكرا هو الأستاذ إدوارد سعيد فى كتابه الشهير ( الاستشراق ) ينتقد أيضا ذلك التجنى على ( موميتو= " محمد " )على أنه نتيجة
للرؤية الغربية التى خلقوها بأنفسهم للإسلام , و التى قام بوضعها رجال دين قمة فى التعصب .
إن أهل الغرب – كما يقول حسن عثمان – لم يستطيعوا أن يقدروا القيمة الفعلية للإسلام و رسالته الحقة و فهم حكمته الإلهية – رغم تقديرهم للحضارة الإسلامية و التأثر بثمراتها التى كانت عنصرا فعالا فى خروج العالم الغربى من العصور الوسطى إلى عصر النهضة فالعصر الحديث."كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا"
صدق الله العظيم
مصطفى سلام