|
بيني وبينه وحده لطالما كنت ألوذ بالقلم واطرح نفسي المنهكة بين السطور مستسلمة له فيخرج كل ضغون أوجاعي وأحزاني فأعود كالإناء الفارغ المصفى من أي كدر .
يبدو فقط على مراشفه بريق دمع حائر يجول في خجل حول أطراف الأناء ثم يسقط مرغما على الأرض وفي عيني الدمع دمع تأسف واعتذار.
لطالما كان القلم ملاذي ومأواي لأني أؤمن تماما أنه يحس ويشعر ولو نطق لتكلم , ولو استحضن لحضن , ولو استبكي لبكى , ولو أمر للبى , ولو استجري لجرى , ولو عوتب لاعتذر , ولو استرحم واستعطف لرحم وعطف !
وليس أرق قلبا منه ولا أوجد حسا من وجده وحسه !!
إيه أيها القلم أما خاطبك ربك فقال لك : اكتب فقلت له : وما أكتب فقال ربك : اكتب مقادير الخلق .
كان حسي الفطري قبل أن أقرأ هذا الحديث القدسي يعي تماما أنك تملك قلبا وحسا مختلفا عن بني البشر حتما !
كان حسي الفطري يشعر بتململك أحيانا من بعض الأصابع , وبعض الأوراق , والمكاتب , والأحبار !!
كان يشعر بضيقك وبتضجرك من بعض الأمكنة !!
كان يشعر بجموحك من بعض المعاني والفكر!!
يشعر باحساسك بالقرف والإشمئزاز من بعض الألفاظ وبعض القوالب والصيغ !!
كان يشعر بنفورك من بعض الحشو وبعض الفضول !!
ويشعر بشرودك بين يدى عقل لايعي وفكر ساذج أبله !!
بل يشعر بدموع القهر وطول السجن بين يدى امرئ كل همه التشخيط بك , والتشهير بك , واللعب بأعصابك , وجرجرتك نحو الهاوية , ونحو الطيش ونحو أماكن الخزي , والردى والرذيلة !!
كنت أشعر بجنونك بين يدى مجنون , أو مراهق , أو صبي عابث!
بل كنت أتحسس نبضك وأنت تنصت للوعة عاشق , أو حرقة محروم , أو أنة موجوع , أو آهة مكلوم !!
كنت أشعر بفرحك وانتشائك عندما يطاف بك بين ربى سحر البيان , وحدائق المعاني الحلوة !!
كنت أشعر وأشعر وأشعر !!
كنت أشعر بك وكفى أيها الساكن في أعصابي , المغروس في أوردتي , الغارق في وجداني , الراضع من مهجة قلبي , الطارق أضلاعي , الطروب لنغم الطرق عليها في وفاء وانتماء وولاء .
لكن مابالي الآن رغم فرحي بك واعتناقي لك أشعر أنك كاسف البال موجوع مهموم محزون ولديك شعور بالغثيان من هذه الأوراق والأحبار بل والحياة جميعها …
لكن وربك الذي خلقك وأمرك إني أعرف سبب هذا الشعور وسأبوح لك به بيني وبينك وحدك بعيدا عن أعين الرقباء كي لا أفضح أمرك ..
لأنت أقرب إلي من نفسي وأحب إلي منها هذه الغادرة القاتلة القاهرة أحيانا !!
ياالهي أيها القلم كم بت العاشق والمعشوق , والمحزن والمحزون , والحارم والمحروم , والقاتل والمقتول , والشانق والمشنوق , والمفرح الفارح , والمنهك المريح الباذخ , والغاصب والمغصوب , والسارق والمسروق !
ياالهي كم بت الغني والمغني , و الفقير والمفقر , وبت الكاتب والمكتوب
وبت .. وبت .. وبت ……………………….
بت كل الدلالات من أسماء الفاعل والمفعول !!
إيه أيها القلم رغم أن بعض الأحرف المفرقة على لوح معدني أصبحت تنوب عنك لكن لاغنى عنك أتدري لماذا ؟؟!!
لأنك الوحيد الحي الناطق الإنسان الذي لاك الألفاظ وذاق طعوم المعاني الكثيرة وخبر أسراب التجارب العديدة وسبر دقائق الأنفس والأرواح ووضع خده على أرض المشاعر المتفاوتة
أيها القلم ياصاحب السمو والفضيلة وصاحب المعالي والسيادة وياخادم البيتين أقصد خادم الأصغرين ( القلب واللسان ) ..
إني أستاذنك الآن
يبدو أنني قد أرهقتك وأنهكت كاهلك ورغم حاجتي الشديدة الليلة إليك إلا أنك الأغلى والأعز والأحب والأشهى ..
سأتركك ترتاح مني لبعض الوقت وفي القلب غصة وفي الأعين دمعة !!
بانتظار عودتك ريثما تهدأ وتطمئن لأهدأ أنا وأطمئن على صدر وجودك الملائكي الحنون .
محبتي الدائمة التي لايزاحمك فيها أحد غير قلم آخر يحل محلك يشبهك تماما في حال فراقك عني بطوعك واختيارك وأظنه سيكون بعد موتي
فمن أعشقه لا أسمح له بمفارقتي أبدا
إلى اللقاء
بانتظارك لاتنسَ . |
|