تساؤلات
افترشت الأرض ودمعتها تتجمد فوق خدها الذي أرهقته السنون ...
المشهد حولها متداخل المعالم ، تراه من بين دموعها فلا تستوعب ضخامة الحدث ..
أمامها صبي في العاشرة من عمره ، انفصل عن رفاقه الذين يلعبون وجلس قبالتها يسند رأسه بكفيه وينظر لها ودموعه تترقرق في عينيه ، انه صديق حسن وتوءم روحه ...
الذكريات تعود بها الى الأمس القريب ..
الى الهموم التي كانت تتوالى دون انقطاع ...
ابنها االبكر أحمد الذي تخرج من الجامعة بامتياز ، عاطل عن العمل لا يملك حتى مصروفه ، لم يترك باب مؤسسة الا وطرقها ، لكن دون جدوى .
أما (حسن) فكان فاكهة البيت والنور الذي يسير في ارجاء المنزل الضيق فيزيده اتساعاً بخفة دمه وابتسامته وشقاوته ، رغم أنه أيضاً كأختيه لا تنقطع طلباتهم ...
أين ملابس المدرسة ؟
أين مصروفي ؟
أين وأين وأين ؟؟؟؟
وأبو الأولاد بالكاد يستطيع الانفاق على عائلته الصغيرة بدخله المحدود ، فقد أغلقت الطرق وقلت الأجور وانقطع الرجاء الا من الخالق عز وجل ...
ترتجف شفتيها وهي تتذكر عودته من المنزل وسؤاله مازحاً :
- هل تخونني حاستي فأشتم رائحة اللحمة ؟
فتضحك هي في حسرة وألم :
- كلف يا سيدي .. والباقي عليﱠ ..
كانت تتمنى لو استطاعت امتلاك منزل أكبر ...
لو حققت كل رغبات أبنائها وأسعدت زوجها ...
تتمنى وتتمنى ...
انتهى زمن الأمنيات ، وحلت مشاكلهم جميعاً بطريقة جذرية ..
تعتدل أم أحمد وتلقي نظرة جامدة على الأطلال المتناثرة والملوثة بدماء أطفالها ..
قلبها يخفق بعنف وهي تشاهد الأطفال يلعبون هنا وهناك ...
آه كم تشتاق الى كلمة أمي ..
أي ذنب جنيتموه يا أطفالي أي ذنب ؟؟
طائرة الأباتشي تدور في المنطقة تراقب جريمتها ، وتكبر أمام ناظريها حتى تكاد تبتلع عالمها كله ..
جلست على قارعة الطريق ... صديق حسن يهرول نحوها .. يحتضنها ..
وفي عينيه ألف سؤال وسؤال ؟؟
اجلس يا حبيبي فقد انتهى زمن التساؤلات ..
**********