من ملفات المقاومة : 2
حكاية مقاوم
كان عشاء عادياً ، اصطفت العائلة فيه على الطبلية التي زخرت بما وجدوه من طعام في الثلاجة التي لم تعمل منذ أيام بسبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر منذ بدء الحرب .
جلس الدكتور الشيخ وأبناءه بينما بدا الحزن واضحاً على النساء اللاتي تجمدت دموعهن امام بوابات الصبر الذي لا ينفذ ..
قالت أم أحمد :
- هل سنراك مرة أخرى يا ولدي ..؟
فضحك أحمد وقال :
- وهل تتوقعين غير هذا يا أماه ؟.. فان لم يكن في هذه الحياة ففي جنان الخلد فلا تقلقي .. لن نفترق أبداً
أما والده فقال :
- عليك أن تثخن بهم يا ولدي ، تحكم بأعصابك وسيطر على بندقيتك جيداً ، كلنا سنموت فمن ذا الذي سيموت واقفاً صلباً وهو يقاتل أعداء الله من أجل دينه ووطنه ؟ أنت الرابح يا ولدي ..
أحمد في تأثر :
- وهل أنا الا بذرة من أرضك الواسعة التي زرعتها خيراً وحقاً في سبيل الله .؟
لقد قاتلت معنا يا والدي ورابطت معنا ، ثم جاهدت بقلمك وعلمك الشرعي فأصبحت حجة ، لقد جمعت بين النورين ، نور العلم والايمان ونور الجهاد في سبيل الله ...
قال والده :
- والله لولا أن السن قد كبرت بي لحملت سلاحي وانقضضت مثلك على دبابتهم فنفسي تتوق للقيا رب العالمين ..
وأضاف مبتسماً :
- ولكن كيف لعجوز مثلي أن يناور ويراوغ ويزحف بين الأنفاق لينقض من تحت الأرض مارداً عملاقاً يزلزل دروعهم بصيحة الله أكبر .. الجنة تنتظرك يا ولدي فقد وعد الله بها من يقاتل في سبيله ..
وانفض العشاء وأحمد يعود الى صالة المنزل وقد ارتدى بزته العسكرية وحمل جعبته وسلاحه ..
- سننتظرك يا ولدي ..
قالتها أمه وهي تقاوم دموعها بصعوبة ، وربت والده على كتفه وقال :
- على بركة الله أيها البطل
وانطلق أحمد ، خاض معركته ،استبسل في الدفاع عن مدينته ، لا يعرف هل سيعود حياً يرزق الى أمه التي تتلهف للقائه ..
وعاد أحمد ...
عاد الى المنزل ليجده قد تحول ركاماً فاستشهد والده وأمه وأحد عشر فرداً من عائلته ..
هل يبقى هو حياً يرزق وهو الذي كان يقاتل في الصفوف الأمامية والدبابات لا تبعد عنه سوى أمتار قليلة والقصف يشتد براً وبحراً وجواً ..؟
أتموت عائلته وكل ذنبها أنها بقيت صامدة في منزلها لا تحمل سلاحاً ولا تهدد أحد ...؟
- سننتظرك يا ولدي ..
دوت كلمتها مرة أخرى في أعماقه .. فعلم أنها تنتظره هناك ...