الكابوس
أضغاث أحلام...صورٌ وأحداث... دماء أطفال تطبق على الرؤيا وتتناثر لتملأ المكان ...قوافل شهداء تعبر وتزول صرخات أمهات تتلاشى دون مغيث ...أشياء وأشياء .
الصورة مشوشة لكنها بدأت تتجلى وهاهي تبدو بوضوح ....
قاعات اجتماع ...سادة وأمراء ...البعض تلبسه القتامة والبعض آثر أن يكون وهجاً لتلك الغمامة.
حول طاولة نصف مستديرة كانت الكراسي تصطف..الكثير منها فارغ, لكن أصحابها أرسلوا راياتهم عوضاً عنهم وهي أسمى ما يملكون فألبسوها حللهم وزينوها وغفوا, أما الجالسون فوشّوا صدورهم برايات لا تزال صبغتها حمراء.
المتكئون كانوا يمثلون بلدانهم وإن غابت عني راية أحسست أنها راية الرايات لتلكم البلدان جميعاً تلم شتاتهم تحت رفيفها ..وكم تاقت روحي التائهة لمن يجسدها ويلف صدره براية الأمة الواحدة.
...المطرقة تهوي على السندان ليدوي صوت يعلن بدء الجلسة...؟
جلسة ماذا؟..انتبهت من شرودي الذي أخذه هول الصورة والرؤيا..
اليوم هو موعد تقديم أطروحتي أمام مجلس يمثل أقطاباً ورموزاً لأنحاء عدة
نعم إنها الأطروحة التي سأنال عنها درجة رفيعة قد تصل إلى مرتبة الأستذة
فيما أقدمه من بحث قيم عنوانه ( مصير الأمة..صيرورة الفرد ).
ابتسم البعض عندما بدأت منا قشة أطروحتي حتى أنني كمدت غيظاً لأنني أحسست ببعض الابتسامات المبطنة...
مصير الأمة يكمن في ماضيها وحاضرها
أسهبت في الماضي وأعجب كل من حول تلك الطاولة فكل ما جلبته من الماضي كان رائعاً منعشاً يبعث على الفخار.
اقتنع الحاضرون ,كل الحاضرين أقرباء وأجانب ولم أفتأ أتأ تئ عن الحاضر
تعثرت أحياناً, وفقدت الكلمة المعبرة أحياناً أخرى...تململ الحاضرون قاطعني بعضهم وأوشك أن يؤنبني ,رجف قلبي وأدركت أنه الفشل لا محالة
نظرت في العيون استجدي القلوب وإذ في صدر الطاولة بدا وهج من نور
وتوسمت في كلامه نجاة ومخرجاًً للضيق الذي أنا فيه, بدأ كلامه:لا تثريب عليك أيها المناقش...إن العتب على الحاضر الذي تستمد منه حججك وبراهينك ,فحاضرنا ضحل مقيت .
بدأ صاحب النور المتلأ لئ طيب النبرات قد يستقرئ البعض المغرور فيه حيوية الشباب المتسم بالنبالة ,لكنه ما يفتأ أن يكتشف وراء تلك العبارات
العميقة المركزة شخصية فريدة تمتلك نوى ومكنونات الأمة ,وأفقاًً بعيداً
لصيرورة الفرد الذي يمكث في أحضانها.
كان ذلك الوهج يمضي بكلامه فيّ فيداوي الجراح ويشفي غليل كل مستمع
ومشاهد ...بل يطفئ حرقتي التي أوشكت أن تهلكني .
عادت لأوصالي الشجاعة والثقة وتابعت مناقشة أطروحتي أمام مجلس بدا
مهيباً بشكل أكبر.
وفجأة ابيضت عيناي وغابت الصورة وتململت من سكوني ..وصحوت من النوم المفاجئ الذي داهمني لأعي أنني قد أوشكت على الوقوع في براثن الكابوس , الذي استمد رعبه في حلم بات يؤرق الجميع .