ياعزيزى كلنا إرهابيون ! ... بالصمت الرهيب!!
بقلم : مسعد حجازى ـ كندا / تورونتو
كاتب وصحفى مصرى ـ كندى
حتى الآن لايوجد تعريف شامل جامع مانع لكلمة " إرهاب " أو "إرهابى"
يتفق عليه العالم بأسره ... حتى كبار الباحثين الأكاديميين وجهابذة القانون
الدولى فى الشرق والغرب فشلوا فى الإتفاق على تعريف محدد واضح
وصريح - لا لبس فيه ولا غموض لهذه الكلمة وهذا المصطلح ، فالإرهابى
فى نظر البعض هو مناضل فى سبيل الحرية فى نظرالبعض الآخر
والمناضل الحر فى نظر دولة ما هو إرهابى فى نظر دولة أخرى ، وأحيانا
كثيرة تتغير صفة " إرهابى" لشخص أو زعيم معين إلى صفة " رجل دولة"
أو رجل سلام أو "صانع سلام" ولدينا أمثلة كثيرة فى التاريخ الحديث
والمعاصر تدلل على ذلك مثل مناحم بيجن وإسحاق شامير وإرييل شارون
وإسحاق رابين وأنورالسادات ونيلسون مانديللا وروبرت موجابى وياسر
عرفات ... حتى جورج واشنطن -أول رئيس أمريكى ـ فى وقت من الأوقات
كان يطلق عليه لفظ "إرهابى" ، بل إن بعضهم قد حصل على جائزة نوبل
للسلام مثل بيجن والسادات ورابين ومانديللا وعرفات ، ولهذا فقدت كلمة
إرهاب أو لفظ إرهابى المعنى والمضمون وإن كان لم يفقد الوجود فالإرهاب
موجود فى العالم منذ فجر التاريخ وسيظل موجودا طالما استمر الصراع
بين الخير والشر ، وتحضرنى هنا كلمة شهيرة للفنان البريطانى (الراحل)
والممثل القدير سير بيتر أوستينوف تقول : " إن الحروب هى سلاح الأغنياء
أما الإرهاب فهو سلاح المظلومين المقهورين ".
يتضح إذن مما سبق أن كلمة إرهاب قد أصبحت كلمة مطاطة ومرنة وتقبل
المد والجزر حسب مناخ العلاقات السياسية بين دولتين أو كتلتين ، ومن الخطأ
والسذاجة أن نتصور أن العالم ممثلا فى الأمم المتحدة غير قادر على التوصل إلى
تعريف محدد وشامل ودقيق لمصطلح الإرهاب وإبرام إتفاقية دولية لمكافحة
الإرهاب الدولى على مختلف صوره وأشكاله توقع عليها جميع الدول الأعضاء
فى المنظمة الدولية ، هذه ليست مشكلة على الإطلاق وإنما تكمن المشكلة فى
أن الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد ذلك ولن تسمح
بصدور مثل هذه الإتفاقية الدولية ولن تتردد فى إستخدام الفيتو فى مجلس الأمن
للحيلولة دون إبرامها وإنما هى تريد أن تفرض على العالم المفهوم ألأمريكى
والإسرائيلى الصهيونى للإرهاب ، خاصة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر
عام 2001 وتكون هى وحدها صاحبة الحق فى أن تحدد : ما هو الإرهاب؟
ومن هو الإرهابى؟ ومن هى الدولة أو الدول التى ترعى الإرهاب؟!! ...
انه جبروت القوة المليئة بالغطرسة والتكبر فما بالك إذا كانت هذه القوة هى القوة
العظمى الوحيدة فى العالم .
هذه القوة العظمى هى دولة كونية لها مصالح متشعبة كالأخطبوت فى جميع أنحاء العالم
وهى تريد من دول العالم قاطبة أن تدخل فى بيت الطاعة الأمريكى سواء كات راضية
أو صاغرة. وما يهمنا هنا هو أن نركز على علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بمنطقتنا
العربية فى الشرق الأوسط من خلال تواجدها العسكرى الممثل فى إحتلال العراق
و 14 قاعدة عسكرية منتشرة فى العراق ودول الخليج وكلها حقائق على الأرض
لاتبشر بخير بل أراها نذير شؤم ومؤشر على أن الولايات المتحدة قد بيتت النية
وعقدت العزم على أن تتواجد عسكريا فى العراق والمنطقة ولسنوات طويلة قادمة
ودون أن نتجاهل مضاعفات وتداعيات مثل هذا الوجود العسكرى الأمريكى القابل
للزيادة مستقبلا خاصة اذا ما قامت الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية أو
الدخول فى مغامرة حرب وقائية جديدة ضد إيران.
نحن هنا فى هذا المقال لا نحاول أن نبحث عن تعريف للإرهاب ولا هو محاولة
لتسجيل مواقف فنقول مثلا أن بوش إرهابى أو أن شارون هو أس البلاء وأن
إسرائيل هى التى زرعت بذور الإرهاب فى المنطقة بأسرها فهذا الكلام مكرر وقديم
ولا جدوى منه ... وإنما هو محاولة للبحث والفهم ووضع النقط على الحروف
حيث أن الفهم الصحيح للأحداث من شأنه أن يعيننا على إتخاذ مواقف سليمة ...
أن نفهم حقيقة ما يجرى فى منطقتنا وفى العراق على وجه الخصوص ، وما هى
النوايا والأهداف الحقيقية للولايات المتحدة فى المنطقة ودون أن نعول كثيرا على
التصريحات الرسمية المعلنة سواء كانت هذه التصريحات صادرة من الولايات
المتحدة أو من الزعماء العرب وعلينا أن نتذكر دائما مقولة ونستون تشرشل :
" إن الحقيقة فى حاجة إلى أن نحميها دائما بسياج من الأكاذيب ".
ولقد رأينا كم الأكاذيب والإدعاءات الباطلة التى استخدمتها الولايات المتحدة لتبرير
الغزو الأمريكى على العراق مثل الإدعاء بإمتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وقدرة
العراق على تهديد أمن الولايات المتحدة الأمريكية وحصول العراق على كميات
من اليورانيوم المخصب من النيجر والإدعاء بوجود علاقة بين العراق وتنظيم القاعدة
وبالتالى ربط العراق وتوريطة فى أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 ، والزعم
بأن الشعب العراقى الذى عانى أهوال ووطأة الحكم الديكتاتورى البغيض لصدام حسين
وحزب البعث العراقى لما يزيد عن ثلاثين عاما سوف يستقبل الغزاة الأمريكيين استقبال
الفاتحين بالورود والرياحين تطلعا للعيش فى ظل نظام جديد قائم على قيم ومبادئ الحرية
والديمقراطية تصان فيه حقوق الإنسان وينعم فيه الشعب العراقى بالأمن والأمان والإستقرار،
وتدعى الولايات المتحدة كذبا أن غزو العراق هو جزء من حربها ضد الإرهاب الدولى فإذا
بالعراق يتحول الى أكبر بؤرة للعنف والدمار والإرهاب والإرهاب المضاد فى العالم كله.
إن الأوضاع الأمنية المأساوية فى العراق تحمل فى طياتها الكثير من الألغاز والأسئلة
الملحة التى تبحث عن إجابات فمثلا :
• يتحدث البعض عن المقاومةالعراقية الباسلة ضد قوات الإحتلال الأمريكى البريطانى ...
أى مقاومة هذه التى تقتل من العراقيين أضعاف أضعاف ما تقتل من قوات الإحتلال؟!!
• هل المقاومة العراقية هى حرب ضد قوات الإحتلال أم هى حرب أهلية؟!!
• أى مقاومة شرعية تلك التى لم تعلن عن هويتها حتى الآن ولا أحد يعرف من الذى
• يقودها ويمولها ويخطط لعملياتها ؟!
• أى مقاومة تلك التى تخطف الأبرياء من الرجال والنساء ـ عرب وأجانب ـ وتقوم
بذبحهم كالخراف والتمثيل بجثثهم وتصوير هذه الجرائم البشعة فى شرائط فيديو وبيعها
فى الأسواق ونشرها فى مواقع على الإنترنت؟!!
• أى ذنب اقترفته مارجريت حسن التى عاشت فى العراق أكثر من ثلاثين
عاما تعمل فى خدمة ورعاية أطفال العراق كى تقتل بهذه الطريقة الوحشية البربرية؟!َ!
• ما هى جريمة العمال النيباليين الإثنى عشر البسطاء الذين جاءوا الى العراق سعيا للرزق
حتى تقطع رأس أحدهم ويطلق الرصاص على رؤوس الآخرين وتلقى جثثهم على قارعة
الطريق؟!! وأمثلة أخرى كثيرة لا تحصى ولا تعد من ضحايا قطع الرؤوس والألسنة
وتفجيرات السيارات المفخخة فى الأسواق العامة والكنائس والمساجد ومراكز الشرطة
العراقية... هذه لايمكن أن تكون مقاومة مشروعة وإنما هى الرعب الحقيقى والإرهاب
بعينه ، ومن يرتكب مثل هذه الأعمال الإجرامية الفاشية لا يمكن أن يكون منتميا الى
أى دين أو ملة ولا يمكن أن يكون صاحب قضية عادلة.
نعم إن الحرب الأنجلو أمريكية فى العراق هى حرب غير شرعية واندلعت دون موافقة
الأمم المتحدة والشرعية الدولية وهى احتلال باعتراف بوش نفسه ومن حق الشعب
العراقى قانونا وشرعا أن يتصدى للعدوان ولقوات الإحتلال وإذا كانت الولايات المتحدة
قد قامت بأعمال إرهابية فى العراق من قصف عشوائى بالطائرات الأباتشى وطائرات
الـ إف 16 وبالدبابات لأحياء سكنية بالقنابل والصواريخ راح ضحيته حتى الآن مايزيد
عن مائة الف قتيل عراقى طبقا لمصادر أمريكية غير رسمية فنحن ندين هذه الأعمال
الإرهابية والعالم كله يدينها ونصف الشعب الأمريكى نفسه يدينها ويستنكرها ـ غير أن
هذا لايبرر بأى حال من الأحوال جرائم وأعمال الإرهاب العشوائية ضد المدنيين العراقيين
والأجانب العاملين فى العراق والتى تحمل – فى رأيى - بصمات فلول البعثيين الفاشيين
فى نظام صدام حسين المخلوع وميليشيات " فدائيى صدام" المتعطشين دائما للسلطة والدماء ،
هؤلاء القتلة والإرهابيون هم الذين يشوهون صورة المقاومة العراقية ويصبغونها
بالإرهاب ... يرتكبون جرائم القتل والذبح وقطع الرؤوس والألسنة ضد الأبرياء والمدنيين
العزل من السلاح باسم الإسلام والإسلام منهم براء .. ، ولقد كنت أتمنى أن تخرج المظاهرات
الشعبية ليس فى العراق فحسب وإنما فى كل أنحاء العالمين العربى و الإسلامى لإدانة
وتجريم هذه الأعمال الإرهابية التى ترتكب بإسم الإسلام والمقاومة للإحتلال ...، كنت أتمنى
أن تجتمع هيئة علماء المسلمين فى الأزهر الشريف وفى كل بلد عربى وإسلامى لإتخاذ موقف
واضح وصريح لا لبس فيه ولا غموض ضد هؤلاء القتلة والإرهابيين الذين أصبحوا أكثر
خطرا ووبالا على الإسلام والمسلمين من أعداء الإسلام الحقيقيين ... كنت أتمنى أن تخرج
النخبة المستنيرة – رجالا ونساء -من المثقفين وعلماء السياسة والقانون والدين بموقف
موحد يتصدون فيه لهؤلاء القتلة السفاحين غير أن هذا لم يحدث إلا من خلال صور ومبادرات
فردية وأثرت الأغلبية- كعادتها – الصمت والسكوت ، والساكت عن الحق هو شيطان أخرس ،
وعندما تختار الأغلبية موقف الصمت والسلبية إزاء الإرهاب الذى تقوم به فئة ضالة ومنحرفة
من بين أفرادها فهى تصبح بالضرورة مشاركة ومتواطئة فى جرائم الإرهاب ومشجعة
للإرهابيين على قتل المزيد - شاءت هذه الأغلبية أو لم تشأ وعندئذ سنكون كلنا إرهابيون.
إننا ندفع الآن – شعوبا وحكومات – ثمن تراكمات عشرات السنين من الصمت والسلبية
واللامبالاة على أخطاء بدأت صغيرة ثم كبرت واستفحلت حتى أصبحت أسلوب حياتنا وعرفنا
ودستورنا غير المكتوب ...
ندفع ثمن افتقادنا للحرية الحقيقية والحياة الديموقراطية السليمة فى معظم مجتمعاتنا العربية
والإسلامية ... ندفع ثمن سكوتنا على حكام طغاة دكتاتوريين إما خوفا أو نفاقا أو ممالأة ...
ندفع ثمن فرقتنا وتفكيرنا القبلى والعشائرى ...
ندفع ثمن الإرهاب الدينى والفكرى وإستغلال الحكام للدين فى تحقيق أهداف ومآرب
سياسية ضيقة.
خلطنا السياسة والدين عن جهل فخسرنا الخطاب السياسى والخطاب الدينى معا.
ندفع ثمن تهاوننا مع التعصب والتطرف الدينى خلال الثلاثين عاما الماضية بل وتشجيع البعض
منا له وتصديره معلبا ومغلفا تحت مسمى نشرالدعوة الإسلامية حتى وجدنا أنفسنا فى
المأزق الحالى فى أفغانستان وفلسطين والعراق !!
متى يفهم العرب والمسلمون أنه ليس هناك زرقاوى ولا يحزنون وأن أبومصعب الزرقاوى
ربما مات أو قتل منذ أكثر من عام ولكن من مصلحة أمريكا أن يكون فى العراق زرقاوى
تطارده وتبحث عنه ، هم فى الغرب على قناعة بأن دول وشعوب الشرق الأوسط لديها
إستعداد فطرى لتقبل وتصديق الخرافات والأكاذيب والأوهام ، وهل يصدق أى إنسان عاقل
أن أمريكا التى أمكنها أن تلقى القبض على صدام حسين منذ نحو عام وقبل ذلك قامت
بقتل ولديه عدى وقصى ليس بإستطاعتها القبض على أبو مصعب الزرقاوى إن كان حقا
لايزال حيا ولم يقتل ؟!! ونفس السؤال ينطبق أيضا على أسامة بن لادن ...
هل سأل أحدنا نفسه لماذا لم تقتل أمريكا الرئيس العراقى المخلوع صدام حسين
كما قتلت ولديه؟! ولماذا لم تسرع بتقديمه للمحاكمة حتى الآن كما فعلت مع الرئيس
الصربى السابق سلبودان ملوسفيتش ومجرمى الحرب فى البلقان؟!
الإجابة على السؤال السابق ببساطة هى أن أمريكا قد فضلت أن تقتل صدام وهو حى
عندما قتلت ولديه وحفيده وفعلت ما فعلت بالعراق ، وأنا أراهن على أن الولايات
المتحدة لا تجرؤ على محاكمة صدام حسين محاكمة دولية وعلنية تتوفر له فيها
كل الضمانات التى يوفرها القضاء العادل للمتهم .. مثل هذه المحاكمة العلنية ليست
فى صالح الولايات المتحدة لأن الرئيس العراقى المخلوع والذى ظل يحكم العراق
لأكثر من ثلاثين سنة فى جعبته الكثير من الأسرار التى يحتفظ بها عن علاقته
بالولايات المتحدة الأمريكية وتعامله مع رؤساء وادارات أمريكية مختلفة من شأنه
ا إذا ما تم كشفها أن تسبب فضائح سياسية خطيرة للولايات المتحدة خاصة الرئيس
الأمريكى السابق ووالد الرئيس الحالى جورش بوش وتحدث شروخا وتصدعات
فى صرح علاقات أمريكا بدول أخرى عديدة فى العالم!
إن الولايات المتحدة لديها عدة سيناريوهات خاصة بالرئيس العراقى المخلوع صدام
حسين كلها قابلة للتنفيذ والإخراج غير أن إختيار السيناريو المناسب أو الأنسب سوف
يتوقف على تداعيات وتطورات الأحداث فى العراق ومدى نجاحات أو إخفاقات مخططات
تيارالمحافظين الجدد داخل إدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش الخاصة بالشرق الأوسط
والعالم العربى خلال السنوات الأربع القادمة . إن الولايات المتحدة لا تفعل إلا ما هو
فى خدمة مصالحها الإستراتيجية ومصالح إسرائيل فمتى يفعل العرب ما يخدم
مصالحهم ومصالح شعوبهم ويأخذون بأيديهم زمام المبادرة والفعل بدلا من سياسة
ردود الأفعال؟! ... إن الصراع بين العالم العربى والعالم الإسلامى وبين الولايات المتحدة
والغرب ليس وكما يتصور البعض صراعا أيديولوجيا أو دينيا أو ثقافيا . إنه أولا وأخيرا
صراع مصالح ... صراع إرادات.
__________________________________________________ _
كاتب وصحفى مصرى - كندى
Mossad_Hegazy@hotmail.com