سقوط الدكتاتوريات
أهي نبوءة درويش في سقوط الأقنعة ؟ سقط القناع ولا أحد ... !
أنظمة خشبية ٌ تتهاوى في وقدة الضمير ! وشعلة الحرية تتعالى في صرخة الشعب الغضوب ! ويشرق على الناس يوم من أيام الله ! يومٌ طال انتظاره ! وشعب طال ليله ! وواد ٍ قل خيره وطم َّ سيله , واستعلى زبده ! وأفقٌ غاب نيروزه , وأفل قمره , وتشظى مداه !
بعد أن استكان الناس تحت وطأة القهر ! وتراخى الشباب تحت نير القمع ! وتوارى الأحرار في غياهب السجون ! فشب الرضيع على مداهنة الباغي , وهرم الكبير على مداجاة الطاغي ! جاءت من وراء الألم , وفلسفة الوجع , سنة من سنن التاريخ : (( ونريدُ أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ً ونجعلهم الوارثين )) .
وكأني في زلزلة الشوارع , وجلبة الأقدام , وجلجلة الحناجر , والأعلام تلوح في الآفاق , والخيام تفترش الأرض , والشعارات تمدها من السماء قوة , ومن المحيطات شهوة ! ألمس في هدير النيل الطاهر , هدير شوقي الثائر :
وللحرية الحمراء باب ٌ , بكل يدٍ مضرجةٍ تدق ُّ
وفي شموخ مأرب العظيم , وقلعة المظفر الشماء في تعزَّ العز ! زئيرَ أبي الأحرار الزبيري وهو يقول :
خرجنا من السجن شم الأنوف , كما تخرج الأسد من غابها
نمر ُّ على شفرات السيوف , ونأتي المنية ُ من بابها
كان الحاكم ذاهبا بنفسه كل مذهب , آخذا من الزهو والعجب كل مأخذ ! ضاربا بهموم الناس صفحا , متسخفا بعواطف شعبه , فالتلفاز شقة مفروشة له , والجرائد الرسمية مسرحا لتجولاته , وجيش البلاد تحت عينه , ومجلس القضاء الأعلى ملعبا لزبانيته ! نازلا على رغباته , واقفا عند حدوده ! والشعب يذوي كماتذوي أصول السنبلة ! سنةٌ تأكل منه اللحم ! وسنة تذيب منه الشحم ! وسنة تدقّ منه العظم ! فإذا طاحت عمارة هناك في المكسيك ! بكـَّر الناس هنا على ارتفاع في السعر , وتفلت ٍ في الأمن ِ , وتغير ٍ في الخطاب ! حتى أفلت الزمام , وتصاعدت الأبخرة إلى الدماغ , وتنزلت الجحيم في الأفئدة , وتحرك الرأي العام , وحوصر قصر الرئيس !
كانت إسرائيل تنعم في ظل هذه الأنظمة ِ الخشبية ِ , كما تنعم الماشية في المروج الخضراء ! ماؤها نمير , وعشبها وفير , وراعيها أمين !
ليس من مكر ٍ تخاف ! فقد أمنت على نفسها في ظل الحاكم العربي حتى من نفسها ! فلما سطعت شمس الحرية , وطارت الطيور ! وقامت الثورات وعلت الهتافات , وتداعت الحصون , أخذتها رعدة المحموم , وهلوسة الملدوغ ! تبحث عن ذاتها وهي بين جنبيها ساكنة ! وعن ترساناتها العسكرية وهي دونها خاشعة !
كان بين المطالب المشروعة وتحقيقها ! وبين المنجزات الشعبية وتمكينها , عقدة تسمى الرهاب السياسي ! فانطلقت من تونس الخضراء تعويذة الشابي :
إذا الشعب يوما أراد الحياة , فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي, و لا بد للقيد أن ينكسر !
فتنفست بناتُ الجبل ! فسقط هبل , واندحرت فلوله , وانقشعت أباطيله , وتوارت خيوله !
وصارت أنصاره أغياره , وأصحابه أغرابه , وأحبابه أعداؤه ! وصارت أمانيه برقا خلبا ! وصار ليله موحشا كليل النابغة !
ومن كان يدري أن الساعد قد تبطش بالكف أحيانا ؟!!
إذن ! لقد انكسر حاجز الخوف , وانطلقت شرارة الحرية , وعلم الناس أن الباغي لايبغي حين يبغي, وفي عزمة الناس فطنة ! ولايجورُ حين يجور , وفي همة الناس يقظة ! ولا يقطعُ بالأمر دون رعيته , وبين رعيته من يقول : من أين لك هذا ؟!
أبا مجرم ٍ ما غير الله نعمة ً , على عبده حتى يغيرها العبدُ
أفي دولة المهدي حاولت غدرة ً , إلا إن أهل الغدر آباؤك الكرد
أبا مجرم ٍ خوفتني القتل فانتحى , عليك بما خوفتني الأسد الورد ُ
فانتظروا أيها الطغاة من السماء صاعقة , ومن الشعب نازلة , لاتجدي معها رقية , ولاتقوم لها تعويذة !
وسيعلمُ الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون !!
المملكة العربية السعودية – الدمام
taruik@hotmail.com
zabnh@yahoo.com