.
.
مقدمة :
الكاتبة التونسية توليب محمد ,
أستاذة اللغة الفرنسية ,والتي أتمنى أن تكون بيننا هنا ذات يوم,
لها العديد من الكتابات في المواقع الأدبية , وعبر الشبكة العنكبوتية ,
تستفزني كتاباتها كما غيري كثيرين ممن تناولوا كتاباتها بالدراسة والتمحيص ,
أما أنا فقط أكتفي بقراءات بسيطة أقرأ من خلالها سطورها بعيني
محاولا الاقتراب من جواهر معناها .
----------
جـُنـــوح
كــهذا الفجـْـر
أجـْـنـَحُ
أفـِــرُّ مــن أقـْبِـيـة الضّـجـر
وأتحـفّـزُ لشـرايـين اشتهائـي
كـهـذا الفجْــر
يـتَـجلّي ذهـولي
فأرْحَلُ عـن ظـلّـي
ألاحـقُ تدفّـق ضحكتـكَ
تـَشفُّ مواسـم الكلمات
أنــتَ
مـرايا المسرّات.. تجمعنـي
تقرع جـرس الماء
تبسُـط تعويــذة الشّـغف
تــَهـَبُ أسرار الرّعشات
مدجّجا بالفتنـة تأتـي
وأنا
كـهـذا الفجْـر
أجْـنَـحُ عــنّي
وأرْتدي جناحين إليكَ
توليب محمّد .
---------------------
كــهذا الفجـْـر
أجـْـنـَحُ
أفـِــرُّ مــن أقـْبِـيـة الضّـجـر
وأتحـفّـزُ لشـرايـين اشتهائـي
( استهلال رائع بكلمة الفجر لأنه بداية النهارفكان ابتداؤها للقصيدة عبر هذه الكلمة
ولا شكّ أنها قد كتبت النصّ في فجرِ نديّ
وليس في ليل لأنها تقول كهذا .
ويمكن أن تكون لهذه الكلمة دلالات أخر
ربّما عاشت النصّ ليلا ولكن إحساسها وخيالها
لحظة الكتابة كان مضيئا فاستشعرت نور ودفء الفجر .
ولأن الليل ظلام وضجر كان الخروج منه بالفجر
وكان خروج الكاتبة من حالة الضجر كما يخرج هذا الفجر من ذاك الليل
وكانت الصورة كبيرة وعظيمة عظم هذا الفجر
وذلك دليل تلك الحالة الشعورة أو الوجدانية التي انتابت الشاعرة
كأنها تنطلق بقوة الفجر في دحر ظلام ضجرها
ولننظر إلى كلمة أقبية وكم فيها من تصوير للضيق
وهذا دليل إختيار موفق للمفردة وتوظيف واعٍ .
والأقبية التي كالسجون لا يكون الخلاص منها عنوة إلا بالفرار
وهذا استخدام ناجح آخر لاكتمال الصورة
وهنا أسأل لماذا اتحفّز بعد الانطلاق
فهل يكون قبله أم بعده ؟؟؟ أجيبي يا توليب
فالمعنى حتما يكون في قلبك أشمل .
ولا أخفي أن جملة اتحفز لشريان اشتهائي
لم أستطع أن أسير معها بموازاة الفقرة
ولكني أمهل نفسي قليلا فربما يكون في القادم جوابا شافيا )
كـهـذا الفجْــر
يجْـتَـلي ذهـولي
فأرْحَلُ عـن ظـلّـي
ألاحـقُ تدفّـق ضحكتـكَ
تـَشفُّ مواسـم الكلمات
أنــتَ
(تعود الكاتبة لتاكيد عظيم ما تشعر به
ولا تجد اكبر من الفجر الذي عندما تدخل أوقاته فإنه يفرّق
جيوش الوحشة والظلام ويبدّد فلول العتمة والخوف
تقول يجتلي ذهولي وهنا لي سؤال أو توضيح
فهل قصدت شاعرتنا الرحيل وهذا طبعا يناسب الفكرة
لما جاء قبلها ولاستخدام كلمة الرحيل بعدها
ولكن إذا كان المقصود هو الرحيل فإنه
" وحسب قاموس لسان العرب "
الأصح أن نقول يجلو فهو من الجلاء
اما يجتلي فجاءت بمعنى ينظر .
تقول حسب ما فهمت أن الذهول يذهب عنها
فترحل عن ظلّها وهذا تعبير حسب ما أراه قويّ إلى أبعد حدّ
ففي لحظة الفجر وظهور النور الذي يستلزم وجود الظلّ
تأتي الكاتبة ضد التيار وضد ما هو ناموس لتكسر القيود والقواعد
وتنطلق متحررة من هذا الظل الثقيل
وإلى أين الانظلاق ؟
إلى ضحكته .. ما أجمل بوح الكاتبة هنا
وكيف تخطفنا ؟ وكيف تأتي بعظيم الأمور مقابل هذه الضحكة
وكأنها تقول لنا إن ضحكته تساوي هذا الأفق وهذا الفجر
وانّ لها ضياءً كضيائه ودفءً كدفئه ...لهذا كاتبتنا عظيمة بشعرها .)
مـرايا المسرّات.. تجمعنـي
تقرع جـرس الماء
تبسُـط تعويــذة الشّـغف
تــَهـَبُ أسرار الرّعشات
( درسنا في علوم الفيزياء أن المرايا أو العدسات المقعرة تجمع الضوء في بؤرة
وأن المحدبة تشتته . والعدسة المقعرة فيها تقوس وحنو كأنه أمّ رؤوم
أنا أحاول تخييل الصورة أن كيف وجدت نفسها تتجمع في بؤرة بعد تشتت ليل وضجر
وهذا التجمع هو ميلاد جديد تعلو فيه المسرات وربما تضرب الاجراس
ولكنها اجراس رقيقة لميلاد طفل رقيق والماء أجمل ما تكون الرّقة .
ولهذا الميلاد الجديد تتسارع الأشياء وتكبر يحركها الشغف
فينتفض جسد الرغبة كاشفا أسرار الهوى .)
مدجّجا بالفتنـة تأتـي
وأنا
كـهـذا الفجْـر
أجْـنَـحُ عــنّي
وأرْتدي جناحين إليكَ
(لله درّ كاتبتنا عندما تخطف الصور من ثريا الحروف , فهنا تكمن قوة الكاتب
عندما يخلق الصورة التي يريد أن تصل للقارئ بأبسط الطرق والكلمات
ففتنة الحبيب فتّاكة والفتك من صفات السلاح ويحمله الفارس والفارس لكي
يكون قوبا يجب أن يكون مدججا بالسلاح وسلاح هذا الحبيب هو الفتنة
قد قتلتنا يا توليب جمالا وبتُّ أحسد ذلك الفارس .
وتعود الكاتبة للفجر الذي تحصنت به لتصف حالتها الشعورية
مقابل ذلك التحصين لقارسها المدجج بالفتنة .
وهنا ياتي بيت القصيد " الجنوح " وهو الخروج
وكان هنا الخروج من الذات استسلاما
لأنها لم تصمد امام سلاح الفتنة فآثرت بل ورغبت وأحبت الجنوح
لانها لم تجبر عليه بدليل أنها ارتدت هي الجناح لتطير
والطيران أسرع من المشي وهذا كله لأن الاشتهاء كان قد أتى على الشريان
كما جاء في اول فقرة فاستولى على ممرات الدم وهي أكسيد الحياة)
هذه قراءة متواضعة في حرف كبير
وأظنني ما بلغتُ من جماله إلا اليسير
رفعت
.