رحلة... في السّراب
رحلة في درب ذلك المجهول الذي حار في كنهه، وفكّ رموزه البسطاء والعلماء والحكماء...
إنّها رحلة الفرد وحيدا، مجرّدا من كلّ ما كان في الدّنيا التي يغادرها ضعيفا " ستمضي هنالك دونك – دون ابتسام... ودون البلابل) وإلى أين؟ ... إلى " ثغر التّراب" والنّشيد الذي ينشده... ويا له من نشيد!
رحلة تبدأ بأولى الخطوات في طريق المغادرة إلى البعيد، بوصف رائع؛ رغم ما يعتري القلب من رجيف وخفقان أثناء القراءة؛ ليذكّره بتوقّف هذا النّبض يوما ما، حين يصبح "صفرا جديدا"، وينساه كلّ شيء، ويدبر عنه... ولا ينفعه النّعي وإن كتب "بماء لجين"!
ولن يبقى أنين نايه، ولا النّاي... ولا يجديه وقت عرض الكتاب الذي يعرض عليه كلّ صغيرة وكبيرة... والذي عرضه شاعرنا بأسلوب رائع - رغم ما نشعر به من الرّوع والرّهبة – ويذكّرنا بتلك اللحظة، وعظمها ووقارها...
وما أجمل ما جاء من صور الذّكرى الحياتيّة، التي لا تجدي نفعا في هذا الموقف، حين لا يجد شمعة أنس تؤنس ظلام وحدته التي قبع فيها... حتّى ليلاه لا تنفعه ذكراها؛ لأنّها لم تعد له!
والأنكى من ذلك، حقيقته التي يراها جناح بعوضة ماض انتهى...
يا لهذه الحكمة، وتفاهة الإنسان وحياته! خاصّة، بعد أن لا يبقى حوله سوى ثالوث عهد جديد من" سكون وبرد وأذرع عتم" ... وليت السّكون يبقى؛ بل يبلبله الذّر بهمسه!
أوّاه! ... صورة تقطّع القلب خوفا، وربّما تعجّل المنيّة لمن لا يحتمل، أو لا يتخيّل هذا .. لكنّها أدبيّا صورة رائعة.. الذّرّ الذي لا نعيره اهتماما لصغره له دور عظيم!
بعد كثافة الصّور المنذرة، والمرعبة يظهر شريط مخفّف حدّة الموقف... الحلم بالدّخان الذي تحوّل طيرا برقّة الأمّ وهو طفل، يضرب بجناحه الظّلام؛ داعيا نزول مائدة من نور تأتي بالبهجة... لكنّها، لا تطول حيث يسمع الصّوت المخاطب والمذكّر بأنّه غدا سرابا... وكأنّه ما كان... والسّلام على كلّ شيء... إنّها النّهاية الحتميّة ... إنّه الموت!
للّه درّك شاعرنا الكبير الأخ رفعت على هذا الدّيوان الشّعريّ الفلسفيّ الذي عرض فلسفة الحياة والموت؛ مثبتا صفريّة الحياة الدّنيويّة ، حيث يغدو الإنسان سرابا، مخلّفا كلّ شيء وراءه!
إنّها رحلة سرت في دربها ، وأمامي شريط سينمائيّ يذكّرني بأمور كثيرة... عشت من خلاله مدّا وجزرا في الفكر والعاطفة إلى أن رسوت على شاطئ عبثيّة الدّنيا الفانية، وخلود حياة البقاء الموعودين بها... وأرجو ألّا يكون أملنا جميعنا سرابا بل سلاما ...
شكرا لهذا الإبداع ولصاحبه
تقديري وتحيّتي
أيتها الأديبة الكبيرة
الأخت الرائعة كاملة بدارنة
أشكرك مرتين
مرة لهذا الشرف الكبير بتحليلك وربما تلخيصك للقصيدة
ومرة أخرى لملاحظاتك القيمة والتي كانت في مكانها
دمتِ لأخيك ولواحة الخير
تجمعنا المحبّة والأخوة والسعي إلى كل خير
.