مهداة إلى الأسيرين المحررين أحلام ونزار التميمي ...
تعصر من الورد رحيقاً، تجعله مداداً وتكتب كلمات رقيقة، تبعثها فتخترق جدران الزنزانة، وتبصر النور مع نسمات وأنفاس معطرة، وتسافر برفقة غيوم بيضاء، وتسمو الحروف متلاحقة إلى أن تصل بعيداً نحو الأفق المتلألئ، ويحنو طائر يرفرف مسرعاً نحوها، فيلتقطها ويغرد منشداً كلماتها وحنينها بعد أن جمع كل الحروف، ويصل لزنزانته ويلقي بشدوه وتغريده نحو نزار، فيعرف أنها رسالة رفيقته فيبتسم ويفرح، ويكتب رداً إليها من ملح عرقه ممزوجًاً بدموع قليلة ترقرقت بانسياب نحو ثغره الباسم، ويصبر الطائر في سكون قليل، ويطير بعيداً حاملاً معه الرسالة، ويقترب من شباك وأسلاك شائكة، وينتظر ابتعاد السجان ويدخل من الفراغ، ويقف قبالة شعاع ينفذ لشباك صغير إلى زنزانتها، ويغرد الطائر ملح نزار ودمعه ورائحته، فتستيقظ أحلام من غفوة ناعمة ناعسة على شدوه ورائحته فتعلم أنه يخطبها عروساً تزف بعد التحرير من السجن والسجان- وأنى لهما ذلك- وجلادهم حكم ببقائهم في قفص حديدي مدى الحياة، لكنه الأمل الكبير بقفص ذهبي، والحلم بزفافها عروساً لنزار...
علمت أن لونه السياسي مغاير مختلف، لكن أديم الأرض جمعهما فزرعا عود لوز أخضر أمام الدار وتنسما عطور زهور ليمونة صفراء، وعشقوا كلهم ترب فلسطين فوحدهم وجمعهم، ولمعان قبة الصخرة أنار طريقهم... ويذوب كلاهما في قطرات ندى تلتصق على وريقات زيتونة تقطع الطريق بين سجنين، ويسخر السجان من التصاقهما واندماجهما ويحسبه سراب، لكن النفس والروح لكليهما تنصرف طوعاً من السجن ويلتقيان والأمل حصن ودرع وسينجوان من الطوفان والغرق، ولهما عند ربهما بيت عامر، وعندهما دليل ليس يكذب خبره... وفي سكون يسبق العاصفة تمتد جذور الزيتونة تحت الأرض بقوة وسرعة إلى أن تقترب من السجنين فتزلزل الجذور والعروق أركان السجن، وتتشقق الأرض وتتصدع الأسقف والجدران، وتخرج العروق ملتهبة ناقمة من باطن الأرض كسياط تجلد السجان فيصغر ويتلاشى، وينظر من بعيد في اندهاش وريبة مما يحدث!
وتبصر أحلام ونزار النور ويولدان من جديد فلا سجن ولا سجان، ولا أسلاك ولا أشواك، وتنظر في المرآة لوجهها وحسن صورتها وطول جيدها، وتدرك أن ما كان أضغاث أحلام وما مر بضعة أيام، أو كابوس عابر دائر، وتطير مع غيوم بيضاء تحملها وتكسوها ثوب عروس أبيض لأهلها، أما نزار فيتسلق الجذور المندفعة والعروق المتسلقة مطرزاً حروف عشقه لفلسطين وأحلام، وينطلق مع صهيل خيل تتوثب بناصية تلمع عزاً وفخاراً،ويرى جموعاً غفيرة تحتفي وتحتفل، وأعلاماً ترفرف في كل مكان، وحناجر تنشد أناشيد النصر والتحرير.