ما الإسلام في جملته إلّا مبدأ إنكار الذّاتِ و ( إسلامها ) طائعة ..... ( مصطفى صادق الرّافعي, وحي القلم ج2 )
و ما الذّاتُ إلّا عجينٌ من روحٍ و جسد، لكلٍّ حاجاتُهُ و لذّاتُه، و لكنّ هوى الرّوح أعلى و أجلُّ و أرفع و أسمى، فبِها يكون التّلذُّذ بإسلام الذّاتِ لخالقها، و بها يكون الحبُّ كاملا، فإذا طغتِ الرّوح على الجسد، تسامت الذّاتُ و كان أن اقتربت من السّماء في عُلُوِها فأنكرت صبغتها البشريّة، و زهدت بكلّ متاع الحياة، إلى هوائيّةٍ لا يعلم كنهها إلّا الله، و إن طغى الجسدُ على الرّوح انحطّت الذّات و صارت أقرب ما تكون إلى الطّبيعة الحيوانيّة، حيث لا نفس تختارُ صوابا من خطأ، إنّما جسدٌ يُسيِّرُ الأفعال حسب حاجاته و هواه، فكان أن كامل الإسلامُ العجين ليؤدّي كُلٌّ ما قُدِّرَ له من واجبات، و ليأخذ ما يشتهي من الحاجات ضمن ضوابط الاتزان، فتسمو الرّوح إلى خالقها، و يُعينُها الجسدُ على السّموِّ و الصّعود، لتكون أقرب ما تكون حين يُوصَلُ الجبينُ بالأرض، و تُستهلكُ كُلُّ الأنفاس في تأمُّلِ عُلُوِ الذّات الإلهيّة و ضآلة هذي النّفسِ في كونها، فأيُّ شرفٍ يحمل الرّوح لتلتقي بالأرض تسبيحا بالعلُوّ و حمدا على هكذا شرف؟!
أكانت الرّوح لتصِل إليه دون الجسد؟!
أم هل للجسد أنْ يعي اللّذة دون الرّوح؟!
ثمّ أيُّ سكينةٍ تسكنُ ذاك القرب، أيُّ استسلامٍ هو!
اللّـــه... اللّـــه... كأنّ السّاعي إليها لا يعرفُ إلّاها سكينة، و لا يدري سواها لذّة، فلا تستطيعُ اليدانِ أن تصعدَ بالجسد لتُبعِده عن قربهِ الأجلّ، الألذّ، الأسمى.
ولا يستطيع الجبين أن يُفارق
يقول الرّافعيّ في وحي القلم:
"و بالتّسليم الّذي يخرج به المسلم من الصّلاة، يُقبِلُ المسلمُ على الدّنيا و أهلها إقبالا جديدا من جهتيّ السّلام و الرّحمة "
يودّع به لذّة اللّذات، و الغايةَ و المُنى، و السّكنَ و الرّضى، إلى مستودَعِ الامتحان و الابتلاء و مفارقِ الحياة، إقبالا لو يدرك ما بدأه به لما تتزوّد إلّا بالرّضى بعبوديّته لمالكِ الرّوح و الأنفاس، و بالتّسليم و الإسلامِ تامّا لا يُخالطُهُ تأنٍ أو تردّد.
الرّوح العطشى
10-8-2012