لهفةتدهمُني اللّهفةُ للكتابةِ عن جميلِ ما أحياهُ، فتختفي الكلماتُ تحتَ برقعِ قسوةِ ما خبّأتْهُ الحياة.. أتوقّفُ وأستنجِدُ ببلبلٍ يغرّدُ على غصنٍ عالٍ ليدنوَ من شجرةِ مشاعري؛ علّها تنفضُ عن أغصانِها ما يبسَ من أوراقٍ طالَ خريفُها، لتورقَ بيانعٍ يعيدُ البهجةَ للرّوحِ المرهَقةِ؛ ويبعثُ النّشّاطَ في جسدٍ أعياهُ الرّكونُ على رصيفِ الانتظارِ.. فيطيرُ البلبلُ بعيدًا، ويخشى الاقترابَ خوفًا من العدوى الخريفيّةِ والإصابةِ بالزّكامِ بعدما حظيَ بالرّبيعِ، وأزهَرَ فرحُهُ صادحًا في الأرجاءِ..
أستجدي ديمةً مرَّت بالمكانِ أن تُلقيَ بحملِها؛ كي تغسلَ غبارَ السّنينِ المتراكمَ على أبوابِ سعادةٍ صدئت أقفالُها، فتتضاحكُ وترتفعُ تاركةً الشّمسَ تنيرُ الكونَ، بعدما انتظر انقشاعَ سودِ الغيومِ، وتتركُني خلفَ نافذةِ التّحديقِ في وجوهِ الرّائحاتِ والغادياتِ من عجافِ الأيّامِ..
استصرخُ داخلي بالتّمرّدِ على لواعجِ حزني، فيصرخُ بصمتٍ يكادُ يمزّقُ شرايينَ الصّبرِ، ويسيلُها دماءَ قهرٍ.. أُسكتُهُ بجرعة من جرأةٍ مسكوبةٍ من كأسِ الإيمانِ ، والتّمرّدِ على عاتياتِ الأفكارِ، ورياحِ الأحزانِ، وألملمُ جراحًا بضمّاداتِ الصّمودِ والثّباتِ في وجهِ نزيفٍ جديدٍ، ثمّ أكسرُ نوافذَ البؤسِ بعصا المواجهةِ، وأخلعُ أبوابَ النّحسِ بأيدي المغامرةِ؛ لأنطلقَ وأُسقطَ ما ذبلَ من أوراقٍ على شجرةِ الأيّامِ، وأرويَها بماءِ المثابرةِ والمصابرةِ صارخةً:
لقد آنَ لأغصانِكِ أن تتذوّقَ حلاوةَ الرّبيعِ بعدَ سباتٍ مكفهرٍّ في كهوفِ خريفٍ طويل...