ضفدع السهم السام
كانت الشمس قد توهّجت وفجرت ضِيائها ساخنا، تململت كائنات الغابة المطيرة من الحرارة المنبعثه من وهج الشمس، وكان الغمام ينذر بهطول وشيك، ولكنه فجاءة اختفى وترك السماء صافية. الأشجار ساكنة دون حراك، كأنها نصب تذكارية.كائنات الغابة ضجرة بهذا التغير البيئى الذى حل على الغابة مما جعلها تقلل حِراكها الطبيعى.
العلجوم الطينى، يجلس على حافة بركة الماء الآسن، دون حراك ينظر فى وجل إلى ذلك الثعبان المتكور، الذى يسد الممر بين الحشائش. وقد إتخذ وضع التكور ليلة كاملة حتى هذا الصباح .العلجوم لا يستطع الحراك من مكانه، لقد أصيب برهاب الثعابين. أخرجت سلحفاة كانت كامنة داخل البركة رأسها مخاطبة العلجوم :
ــ مالى أراك تجلس هنا منذ الأمس عساك بخير؟
نظر إليها العلجوم الطيني نظرة إحتقار فهو يكره السلاحف، ولكن السلحفاة الطيبة لم تنتبه إلى تعابير ووجهه وسألته مرارا ولم يرد عليها، وعندما لم تدعه السلحفاة الطيبة وشأنه. قال لها:
ـــ أنا انتظر ذلك المتكور أمامى ـ وأشار الى الثعبان ـ أن يمضى ليفتح لى الطريق...
ضحكت السلحفاة: ها..ها...وو...هش. حتى كادت أن تنقلب على ظهرها الصلب ثم قالت :
ـــ ألا تعلم أنه نائما منذ الأمس؟.
بهت العلجوم وصرخ فى وجهها:
ــ أتهزئين بى؟ ألم تر عينيه مفتوحتين أيتها السلحفاة الغبية..؟!
ردت السلحفاة الطيبة:
ــ هل أنت غريب هنا؟ ألا تعرف كائنات الغابة المطيرة وعاداتها؟إن هذا الثعبان فى سبات عميق، وأجفانه مغلقة. ولكن هذه العين التى تراه على جفنه العلوى ليست عينه الحقيقية هذه عين دفاعية مرسومة على جفنه من الخارج، مخلوقة هكذا. ليظن أعدائه إنه مستيقظا.أ مضى فى طريقك أيها العلجوم لن يراك الثعبان.هيّا تحرك...
وغطست السلحفاة الطيبة فى ماء البركة لتخفف الحرارة عن جسمها المغطى بذلك القدح الصلب.
صمت العلجوم حائرا، وتقدم متحسسا طريقه من أمام الثعبان حذرا، ولم يتحرك الثعبان ومضى مؤنبا نفسه لقلة معرفته بالكائنات التي تعيش معه فى الغابة. لم يجد وقتا لمعرفتها لانه يفكر فى نفسه طوال الوقت. كما حزن من تعامله الجاف مع السلحفاة الطيبة التي تريد مساعدته، لولاهى لانتظر زمنا .
مضى العلجوم فى طريقه . اشتدت الحرارة داخل الغابة المطيرة. خرجت الكائنات تتجول وتبحث عن نسمة رياح تخفف شدة الحر. وصل العلجوم أطراف الغابة، فشاهد مجموعة من الضفادع ملونة بالوانها الزاهية الأحمر والأزرق والأصفر، تقترب من بعضها لتلتصق مخففة تبخر الرطوبة من جلدها، فمشى صوبها مسرعا وعندما اقترب منها كانت المجموعة قد شكلت طوقا من أجسامها وهدأت.... اقترب منها وأراد الإلتصاق بها فصاح ضفدع السهم السام محذرا العلجوم من الاقتراب قائلا:
ـــ نننناق.... نننناق.. نحن ضفادع السهم السام لاتقترب منا ،ولاتخدع بالواننا الزاهية. فى جلودنا سم زعاف فأنت من عشيرة العلجوم الطينى، أنظر الى لونك.نحن هنا نتجمع ملتصقين ببعضنا نخفف حرارة الهواء حتى لانفقد رطوبة أجسامنا ونهلك ،..ناق ..ناٌق.. لاتقترب ...لاتقترب..وصمت الضفدع عندما رأى العلجوم الطيني المتمرد لا يأبه بتحذيره ويمشى نحوهم مسرعا.
حزن العلجوم الطيني، وظن أن المجموعة الملونة الزاهية من الضفادع ترفضه، وتمنعه الإلتصاق بها لأنه قبيح ولونه طينى. تألم من شكله ولونه الذى سبب له كثيرا من المتاعب. لم يهتم لتحذير الضفدع وقفز مسرعا، واندس فى وسط ضفادع السهم السام.والتصق جلده بجلودهم ومرت لحظات فاذا السم ينتقل إليه عبر جلده ويقفز صارخا بنقيقه المزعج:ناق ...نيييييق.
ويرتجف جسمة كأنه صعقه تيار كهربائى، وصار ينتفض ويقفز هنا وهناك. وقد كادت عيناه أن تخرج من محجريهما. كانت ضفادع السهم السام تنظر إليه ولاتعيره اهتماما لقد حذروه ولم يمتثل. وفرض الإلتصاق عليهم فافرزت جلودهم سم الحماية والدفاع. فاصابه التسمم وظل يرتجف وخفت نقيقه ومد أرجله الخلفية ولم يستطع تحريكها أصيبت بالشلل .وهدات حركته وغاب عن الوعى.وظل كذلك حتى هطلت الأمطار، ورشقت برذاذها على جسده فإنتفض، وهبت نسائم عليلة أنعشته من غيبوبته، ومضى فى تجواله باحثا عن عشيرة ينتمى إليه بعد أن هجرته قبيلته لتمرده عليها ورفضه لشكله واختفى...نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي