عبدة الشيطان الجدد

بسم الله الرحمن الرحيم
وصل إلى أسماعنا الخبر الفاجعة قبل يومين، فما من أحد قد يصدق ما حدث، أو أنه تخيّله يوماً ما، إذ يتعاون فيه شقيقان لاستدراج وقتل والدتهما، ويحاولان بعدها الإجهاز على الوالد والأخ الأكبر، ومن ثَمّ يلوذان بالفرار.
خبر ليس من بلاد الأساطير، وليس مما يراه النائم، بل هو واقع وحقيقة.
فعل رأيا فيه تقرباً، وإنجازه دليل ولاء، وموعده موسم زُلُفات.
هجما على مَن لهما أعظم الفضل عليهما ممن هم على هذه البسيطة، فلا فضل لأحد باقٍ في الدنيا كفضلهما عليهما، ولا أجمل في هذه الدنيا من إسعادهما، ولا ألطف عليهما منهما، ولا أكثر بذلاً وحبّاً ورحمة.
أرادا التقرّب بشنيع صنيعهما، وفضاعة عقيدتهما، وخِسّة فكرهما.
أراداه في شهر رمضان المبارك ليعظُم لهما الأجر، وتزداد به الحظوة، ويكونا به القدوة.
أمر لا يمكن به التقرب إلى الله عز وجل.
فكرٌ منحرف، ورأي خبيث، وفعل وضيع.
خالفا ما أمر الله به لإرضاء الشيطان الرجيم وشيطانهم الذي ينتميان إليه.
ارتكبا عدة كبائر في جرمهما؛ قتل النفس المحرمة، وعقوق الوالدين.
استهانا بقداسة النفس والرحم والشهر.
عجزا عن تنفيذ خساسات فئتهما؛ فأوقعا خساستهما في أهلهما.
ارتكبا ما ارتكباه – غوايةً – إرضاءً لله بزعمهم، ولكن الأهم هو ما الفعل الذي أوصل والديهما وأخيهما إلى هذا المصير؟
ما الجرم الذي به أحلّا دماءهم؟
أو القول الذي تفوهوا به لتستباح دماؤهم؟
إن استباحة دماء الصحابة ومَن بعدهم من قِبل أسلاف هؤلاء لنهج رفعوه أمامهم، وسخروا له الطاقات لاستمراره، وجمعوا الحشود لإقامته، ودعوا له في منابرهم، حتى صار شعارهم في بلاد المسلمين أوجب للتطبيق من بلاد الكفر، وأعظم في الأجر، وكلما تبرأ المرء منهم من أقرب الناس منه كان أعظم منزلة، وإن اعتدى عليه كان للجنة فاتحاً، وإن قتله كان في المقام محمود جالساً.
سطوة الفجار على أبنائنا تزداد يوماً بعد آخر، تارة غلواً، وأخرى تفريطاً.
فكلٌ يدعوا لجهنم بطريقته ونهجه، وكلٌ يحارب الدين في أصله، وكلٌ ليس لرضى الله في قوله وفعله مطمح، ولا لصلاح البلاد والعباد مأرب.
أن الوعظ والإرشاد مطلب أساس، فبهما تقام الحجج، وبالحوار تفنّد الشبه والأوهام، وبالملاحقة تقص الأذرع، وبالعقاب تردع الأفعال.
إن أي عمل دون البقية لهو من ذرِّ الرماد في العيون، وإظهارِ الرغبة في الحرب مع الإمداد لإطالة الأمد، وإضاعةٍ للوقت الذي يتساقط فيه أبناؤنا هنا وهناك خلف هذا وذاك.
إن الرد على المنحرف لا يكون صحيحاً إن كان من مقابله المنحرف، فلا تطفأ النار بالنار، فلا يرد الغالي على المفرط، ولا المفرط على الغالي، بل الواجب أن تُعطى الساحة لأهل الاعتدال، ولا تُحمّل فئة جريرة شرذمة انتمت إليها في زمن ما، ولا تبرأ ساحة مجرم فيغتاض بذلك أهل الحق؛ فتُولّد بذلك أحقاداً وضغائن نحن في غنى عنها، ولا يعاقب ويجرّم مَن ظهر طهره؛ وصلحت علانيته.
أسأل الله أن يغفر للمغدورة ويتقبلها شهيدة عنده، ويشفي الجرحى ويجبرهم في مصابهم، ويقطع دابر الفاجرين الظالمين.

باسم الجرفالي
21/9/1437هـ