كانت هذه تعليقا على صورة فذهبت بي إلى ما ترى..

يده الطاهرة التي لم تمتد لما يدنس طهارتها، يده المنفقة المتصدقة، يده المسبحة الموحدة، يده الحائرة المترددة في مسح دموع الخشية خشية واستحياء..يده ال..بترت، وزوجته تنظر إليه، وكأنها تنظر إلى منزله من الجنة، ألبسها غبار الأنقاض الأبيض المصبوغ بالدم كسوة فوق كسوتهاـ.
يده الحانية، التي كانت تمسح على رأسها، فترسل لطفه وإشفاقه يتسلل إلى قلبها فلا يصيب إلا مكان الرقة منه، وليس فيه إلا الرقة التي صنعها امتلاء القلب بالله..هذه اليد الصالحة الطاهرة أحرقتها قذائف المفسد الخبيث، تماما كما يحرق الصلاحَ والطهارة الفسادُ والخبث، لأن الشر لا يُعايش الخير إلا غلبه الخير وظهر عليه..
فكان أن الشر وهو المادة الشيطانية الماكرة، لا يكاد تصله أنوار الخير الملائكية، إلا أعلن الحرب، وأظهر العداء، ولهذا جاء أمر الله : " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا" فإذا تعاظمت في العين وأكبرت في النفس الطاقة الشريرة في صورتها الشيطانية الماكرة، حقرتها نسمات اللطف الإلهي " إن كيد الشيطان كان ضعيفا"..
شيعها بعينين تترقرق دمعا، وبسمة تفيض بشرا وبهاءا، والتفاتة فاترة فيها معنى تهالك الجسد، وتداعي الأركان، وتعطل الحركة، وفيها معنى الإيذان بنهاية حياة، والإنذار ببداية الحياة : "يا أم فلان إزارَك، إن أكلت النار أطرافك فلا تأكلن حياءَك"..
ثم فاضت روحه وفاضت معها عينا روحه، ولم يبق لها منه إلا رجع صدى ملك عليها سمعها، وإلا طيفه النوراني ملأ بصرها، وإلا ذكرى أضحكتها فأرسلت شهقة من حيث جاءت ضحكتها، كما تكون الكفارة على اللمم تقفوه لتمحوَه..
- يا أم فلان :" الملتقى الجنة" احفظني في نفسك واذكري غيرتي عليك.. جالسني روحا في مجلسنا القرآني، اذكرني بما كنت أتلو عليك منه.
- يا أم فلان: عهدَ الحب لا تضيعيه بعدي..يا أم فلان.. يا أم فلان
أصوات ذهبت بها إلى عالم الملكوت وأخرجتها من دنس الدنيا ساعة، ثم عادت لتقف على الحقيقة الحقيرة، كما ينتبه المنكوب الشقي من حلمه السعيد فلا يجد إلا الشقاء تلقاء وجهه.
هنا أرسلتها صرخة صادقة اجتمع فيها ضعف الأنوثة وتمنعها ورقتها و ...
" اللهم أعيش جسدا وقد أخذت روحي؟ !" " اللهم ارحم ضعفي" ..
فما كادت تنتهي إلى أذنها، حتى رحمها الله برحمته من قسوة البشر، فأصابتها رصاصة خبيث، في قلبها المذعور، فتساقطت مستبشرة راضية على جسد زوجها، محققة وعهده حافظة سره، صائنة عرضه فيها...
رحمة الله عليهما.. رحمة الله عليهما !!