/ مما ناح فيه الوفاء // ؛

لقد أوصيتُ كل المارّين من هنا
أنْ أشعلوا قناديل الوفاء..
اكتبوا أنّاتكم بوفاء..
اذرفوا دموعكم بوفاء..
واتركوا أشياءكم بوفاء..

لا تعذّبوا مَنْ رحلوا، كمداً، بعدم اكتراثكم
لا تجعلوا أرواحهم، رخيصة، كمخلَّفاتٍ عتيقةٍ من أشياءكم
لا تلقوا بها، كدمىً رخيصة، بعد اهترائها في لهوِ أطفالكم
فإنّ الذي مضى بها إلى حيث لا أنتم، كان نصل اعتداءاتكم
كان زهداً بكرنفالات الورد الهزليَّة
صنعتموها طرافةً في حضن باقاتكم

لا تجرحوا الوفاء بهجر الوفاء..
إن الذي مضى بمن رحلوا، كان وفاءً من صُلب وفاء
في دمه وفاء..
في جلده وفاء..
في صحوه وفي نومه.. وفاء

وفاءٌ من زمرةٍ منقرضةٍ مع أزمنة الأساطير
ليس له من ملامح عصركم سوى أنه كان من أجلكم
كان يقتفي أثر الظلّ الذي ما زال لكم..

كان وفاءً عابراً لكل عصور الحكايات التي مرَّت بصدقها
كان وفاءً يسكن معاني الكلمات.. لا مجرّد نُطقها
ثم يمضي ليتكئ على أكتاف الحقيقة الغافية في عُمقها
ترك عطره فوق فصولها الثمانية..
عانقها حرفاً حرفاً..
ونحت كلماتها على محيّاكم الجميل..
يقول فيها ما قالت الريح للنخيل..
يناجى الأيامى بشوقٍ من هديل..

وفاءٌ من زمرةٍ لا يعرفها الجاحدون
ولا يمرُّ بمعاجم الشتات مما كتب النرجسيون

وفاءٌ لا يهتم له المارون عبثاً
على أعتاب القلقلة الكبرى من القضيّة
يوم كانت تعتَّق التجارب على ومضاتٍ شحيحةٍ من أطيافكم
فتقوم الملاحم العظمى على أعتابها
تُهدَّم الممالك فيها وتُبدَّل العصور
وتدور الأرض على عكس ما كانت تدور
فيبدأ الدهر مع النسائم التي لامست ندى خدِّكم الُمزهرِ
والشمس راحت تعاكس اتجاهات البرايا
وتأتيكم من حيث أتاكم سابقاً.. مساؤكم المُقمرِ
وتحنو عليكم من سالف العهد المُولَّهِ ذُؤابةٌ
ترعى احتباس الشتاءات ودهرها المُقفرِ
وتحيل الأرض العقيمة من حولكم
إلى روضٍ نضيرٍ من فيضها المُمطرِ

لا تجرحوا الوفاء بهجر الوفاء..
اشعلوا قناديله بنُبلِ من رحلوا..
بصدق مَنْ وهبوكم جلَّ دمائهم.. ورحلوا.
بحبّ مَنْ تخلَّوا عن زهرة أرواحهم.. ورحلوا.
ومنحوكم في الغياب فضيلة الفقد والتوحّـد
وأجلسوكم على عرش الجزّارين.. متفاخرين، تستأصلون شأفة أرواحهم
تدوسون، ببربرية التتار، ما قام من أمجادهم
ثم مضوا إلى حيث لا أنتم
وكتبوا على شواهد قبورهم
كُرمى لعين الزهر.. هنا كانوا
وكُرمى لعين الزهر.. مِن ها هنا رحلوا
فلا تجرحوا الوفاء . . .