اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبده فايز الزبيدي مشاهدة المشاركة

قال ابن رشيق القيرواني، في العمدة: (المديد: مثمن محدث، مسدس قديم، مربع قديم، أجزاؤه: (فاعلاتن فاعِلن)، ثماني مرات وعلى ذلكم أتى محدثه، وبيت مربعه (1) السالم:
بؤس للحرب التي = غادرت قومي سدى
قال: وهذا شعر قديم، إلَّا أن الخليل لم يذكره. زحافه: الخبن، الكفّ، الشكل، القصر، الحذف، الصلم...
).[ص: 302].(2)
............
قلتُ:
قوله: (... ثماني مرات) خطأ، صوابه أربع مرات، هكذا:
(فاعلاتن فاعلن) (فاعلاتن فاعلن) = (فاعلاتن فاعلن) (فاعلاتن فاعلن)
وقد نبه على هذا المحقق محمد محيي الدين عبدالحميد، بقوله: (صوابه أربع مرات).

قلتُ:
قوله: (الصلم ...)، لا يصح ذكره في المديد، لأنه علة تلحق الجزء ذا الوتد المفروق المتطرف، وهو (مفعولات). و(مفعولات) ليست من أجزاء المديد.
أما الخبن: وهو حذف الثاني الساكن، فهو حسن في المديد، وبه تصير (فاعلاتن) إلى (فعِلاتن)، و(فاعلن) إلى (فعِلن).
والكفّ: هو حذف السابع الساكن، ويدخل (فاعلاتن) فقط، وبه تتحول إلى (فاعلاتُ).
والشكل: هو اجتماع الخبن والكف، وبه تتحول (فاعلاتن) إلى (فعلاتُ). ولا يدخل (فاعلن) لامتناعها من الكف لكونها خماسية.
والقصر: هو حذف ساكن السبب الخفيف، من آخر تفعيلة الضرب أو العروض، مع تسكين ما قبله، فتصير (فاعلاتن) إلى (فاعلانْ)،
والحذف: هو إسقاط السبب الخفيف من آخر التفعيلة..

وقد قلتُ سابقا أن هذا الكتاب الذي أصنعه، ليس الغرض منه تصيّد الأخطاء_ معاذَ الله_ ولكن إنْ وجدتُ ما يستحق التنبيه عليه وتصويبه وتقويمه _حسب معرفتي المتواضعة_ فإنه عندي من باب النصيحة لعامة المسلمين وخاصتهم.
وأسأل الله أن يعينني ويوفقني لما يحبه و يرضاه، وأن يقبله من عبده وابن عبده وابن أمته.

والكمال لله وحده، وقد قلتُ في مدح ربي:
كَمالُ ربيَّ أمرٌ لا كَمَالَ لهُ = وكيفُ يُكْملُ من في الأصْلِ قَد كَمُلا

...............
(1). المربع عند بعض العلماء هو الذي أسميته في كتابي (التجديد في العروض والقافية) بالمنصوف، ويسميه بعضهم بالمشطور، مثل ميخائيل ويردي في (بدائع العروض)، ولا مشاحة في الاصطلاح.
(2). العمدة في صناعة الشعر ونقده، تأليف أبي علي الحسن ابن رشيق القيرواني ألأزديِ، حققه وفصله ووعلق على حواشيه/ محمد محيى الدين عبدالحميد، مطبعة السعادة بمصر،، الطبعة الثانية 1374 هـ - 1955 م.

فائدة:
حول ذكر ابن رشيق في العمدة : الصلَّم، في المديد، فلعله تابع الجوهري صاحب عروض الورقة، إذْ جاء في عروض الورقة عند ذكر المديد: (... زحاف المديد: الخبن، الكفّ، الشكل، القصر، الحذف، الصلم). [ص: 19].
قال محمد العلمي في " العروض والقافية دراسة في التأسيس والاستدارك "، في معرض حديثه عن استدراكات الجوهري على الخليل:
(... أنَّه سَمَّى البتر في ضرب المديد بالصلم، وهو عنده حذف ثم قطع، فلم يخالف الخليل إذنْ إلَّا في التسمية). [ص: 250].


قلتُ: البترُ هو اجتماع القصر والحذف، لا اجتماع القطع والحذف.
فالأول رأي الخليل، والثاني رأي الجوهري.
وقد حاول العلمي أن يجد للجوهري مبررا، فقال في نفس المصدر السابق: (وعندي أن استعماله للصلم، عوض البتر في المديد، يرجع إلى إرادة التمييز بين ما يحصل في المديد والمتقارب برأيه، وإن كان ما يحصل فيهما عند الخليل شيئاً واحداً، سمَّاه باسم واحد، هو البتر). [ص: 250].

ونحن نعلم أن الجوهري لا يفرق _في عروض الورقة_ بين الزحاف والعلة، بل يجعلهما شيئاً واحداً، ولهذا كان يجري العلة في الحشو والعروض والضرب.
والقول بأن القطع والقصر شيئا واحداً؛ يلغي أهمية دلالة المصطلح، لأن القصر يقع في الأسباب المتطرفة فقط، والقطع يقع في الأوتاد المتطرفة كذلك.
ومصطلح التغيير في العروض، لم يوضع اعتباطاً، بل يحمل بيانات الوحدة الصوتية المزاحفة، من الجزء الإيقاعي ، أي الحرف المزاحف أو المعلول من التفعيلة، و يبين نوع مقطع الحرف الذي وقع فيه التغيير، هل هو سبب أم وتد، وموقع المقطع من الجزء، هل هو في البدء أم في الوسط أم في الطرف؟
فهو يربط في ذهن القائل والسامع أثناء وصفِ التغيير، بين الوحدة الصوتية والوحدة المقطعية والوحدة الإيقاعية، أي بين الحرف (من ساكن ومتحرك) والمقطع (من سبب، أو وتد)، والجزء (التفعيلة) من خماسي وسباعي، ويبيّن ما بينهم من علاقات عروضية متعددة، وما لهم من مواقع، وما يجوز لهم، وما لا يجوز كذلك .