يستفزني كثيرا الحديث عن النغم في الشعر بصورة تقزيمية بترديد عبارات محفوظة تشير الى أن النغم ماكان الا خادما للمعنى حتى أنني ذات مرة وأنا أقرأ كتابا لعالم جهبذ قرأت في الفهرس عنوانا معناه أن هذا العالم سيتحدث عن موسيقى بيت من الشعر فلما قرأت كلامه تعجبت فكل كلامه عن المعنى وهو العالم الجهبذ وكأن هناك من سن لنا هذه الطريقة .
وهناك من علمائنا من أنصف النغم من المعنى مثل الدكتور شوقي ضيف في كتابه الفن ومذاهبه تحدث عن النغم كسيد وليس كخادم للمعنى فلم يذكر المعنى بل ذكر النغم وتحدث عنه من خلال النغم .
هل قولهم أن الوزن يناسب الغرض صحيح
هذا كل شاعر يفهمه وهو أن المعنى قد ينتهي قبل القافية وقد تنتهي القافية والمعنى لم ينته .
فلما لاحظوا هذا قالوا هذا الكلام .
لكن العرب لم يخترعوا العروض هكذا .
عندما تدخل الى نغم الشعر من خلال الموسيقى مثل الدفوف لأنهم وصلوا الى الوزن عن طريق موسيقى الغناء الدفوف والطبول ستفهم النغم جيدا فتضرب على الدف مثلا مستفعلن فاعلاتن وهكذا .
إن الشعر مثل الرقص فإذا كان الراقص يجعل حركات جسمه تطابق الموسيقى فكذلك الشاعر يجعل كلامه يطابق النقر .
في الرقص واضح لانك اذا ضربت مستفعلن على دف فإنك تضرب أربع ضربات ومستفعلن سبعة أصوات والراقص يحرك جسمه أربع حركات ومستفعلن فيها أربع متحركات وثلاثة سكون .
المتحركات الأربع التي في مستفعلن هي الأربع ضربات التي على الدف .
فأين الساكن ؟
لابد أن يكون ماهو موجود في الطبول والدفوف موجود في الشعر فمتفعلن هي أيضا أربع ضربات على الدف لكنها تكون أسرع من الأربع ضربات التي لمستفعلن . جربه واضرب على أي شيء مستفعلن ومتفعلن وستعرف أن مما يجب أن نصف به النغم البطء والسرعة والا فليس نغم الشعر مولودا من الغناء لأن عقل الإنسان في نغم الشعر كان يحاكي نغم الطبول والدفوف .
العروض ليس له علاقة بالأغراض الشعرية إنما علاقته بالدفوف.
مثل هند بنت عتبة في غزوة أحد إذ كيف لها أن تقول شعرا موزونا الا أن تكون تضع الكلام على وقع ضرب الدفوف .
حتى قبل فترة أيام البداوة كان كثير من الشعراء ينظمون الشعر على وقع الطبول مباشرة لأن المناسبات تفرض ذلك .
والحق يقال أني متعصب جدا لنغم الشعر لأنه سيد قوم ذل بربطه بالغرض والمعنى وتصويره على أنه خادم لهما والعكس هو الصحيح .
وأنت أيها القارئ اقرأ كلامي ودعك مني ومن تعصبي وصفاتي السيئة وأهم شيء هو هل نغم الشعر منقوص من حقه أم لا ؟
هل شعراؤنا ينقحون المعنى أم النغم؟
لماذا لايهتمون بالنغم اهتمامهم بالمعنى وتنقيحه؟
لماذا؟
ولماذا الشعر موزون؟
ستقول لأنه موضوع للغناء وهذا صحيح لكن العرب سيتحداهم القرآن وهذا يجعل للأمر بعدا آخر .
كان الشعر هو الميدان الذي تهيأ فيه العرب ليكونوا أبلغ جيل في تاريخ البشرية فاذا تحداهم القرآن ثبت بعجزهم عجز جميع الأجيال .
وأهم شيء هو النظم والسبك والصياغة فلم يستطع البشر الوصول الى مستوى جودة صوت السبك والصياغة في القرآن رغم أن القرآن غير موزون والشعر موزون .
وقد قيل أن الصوفي الحلاج قال أنه يستطيع أن يؤلف كلاما يشبه القرآن .
وقد تأملت في هذا الكلام لأن الحلاج هذا داهية وذكي ذكاءا خارقا فوجدت نغم شعره جيدوسهل:
ديني لنفسي ودينُ الناسِ للناسِ
فقد يكون هذا هو الذي شجعه على ادعائه تأليف كلام يشبه القرآن .
والله أعلم