ثَمَّةَ وَجَعٌ يَتَسَلَّلُ كَغَيْمٍ رَمَادِيٍّ فِي نَهَارٍ سَاكِن،
لَا يُعْلِنُ قُدُومَهُ، وَلَا يَسْتَأْذِنُ فِي مُكُوثِهِ...يَهْبِطُ عَلَى الْقَلْبِ كَنَدَىٰ ثَقِيلٍ،
لَا يُرَى، وَلَا يُمْسَكُ، وَلَكِنَّهُ يَنْهَشُ فِي الدَّاخِلِ رويدا... رُوَيْدًا.
يَسْكُنُنِي صَمْتٌ غَائِرٌ، كَأَنَّنِي أَتَنَفَّسُ مِنْ قَاعِ الْبَحْرِ،
تَتَحَرَّكُ مَلَامِحِي كَأَنَّ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ، وَتَضْحَكُ عَيْنَايَ حِينَ يُطْلَبُ مِنْهَا ذٰلِكَ،
وَلٰكِنْ فِي عُمْقِ الدَّاخِلِ... كُلُّ شَيْءٍ سَاكِنٌ حَدَّ الْجُمُودِ.
أَجُرُّ قَلْبِي كَمَا تُجَرُّ الْحَقِيبَةُ الْمَنْسِيَّةُ فِي نِهَايَةِ السَّفَرِ،
مُمْتَلِئٌ بِمَا لَا يُقَالُ، ثَقِيلٌ بِمَا لَا يُفْهَمُ،
وَلَا أَحَدَ يَسْأَلُ عنْ سبَب اوْجَاعِي
وَإِنْ سَأَلُوا، فَهَلْ أَمْلِكُ لِلْكَلِمَاتِ مَفَاتِيحَ هٰذَا الْخَرَابِ؟
إِنَّهُ وَجَعٌ بِلَا مَلَامِحَ، يَتَلَوَّنُ كُلَّ مَرَّةٍ، يَجِيءُ حِينَ أَظُنُّ أَنِّي بِخَيْرٍ، وَيَأْخُذُ هَيْئَةَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أُحِبُّهَا،
ثُمَّ يَخْتَفِي كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ… وَيَتْرُكُ قَلْبِي مُسْتَنْزَفًا مِنْ أَثَرِ الْغِيَابِ.
أَشْتَاقُنِي…
أَشْتَاقُ تِلْكَ الَّتِي كَانَتْ تُجِيدُ الضَّحِكَ دُونَ حَذَرٍ،
تُلْقِي أَحْلَامَهَا كَالْفَرَاشَاتِ فِي فَضَاءِ الْحَيَاةِ، قَبْلَ أَنْ يُخْذِلَهَا الضَّوْءُ، وَتَحْتَرِقَ جَنَاحَاتُهَا بِطَيْشِ الْوُثُوقِ.
لَا أُرِيدُ الْكَثِيرَ...
مُجَرَّدَ حِضْنٍ لَا يُشْبِهُ أَحَدًا، هَادِئٍ كَالْحَيَاةِ بَعْدَ الْعَاصِفَةِ، يَمُدُّ ذِرَاعَيْهِ لَا لِيَسْأَلَ، بَلْ لِيَحْتَوِي،
يَرْبُتُ عَلَىٰ ظَهْرِي كَمَا لَوْ أَنَّهُ يَحْفَظُ تَضَارِيسَ اِنْكِسَارِي، وَيَمْنَحُنِي إِذْنًا بِالْبُكَاءِ دُونَ أَنْ يُمْهِلَنِي تَبْرِيرًا وَاحِدًا.
أُرِيدُهُ لَا يَتَكَلَّمُ، وَلٰكِنَّ صَمْتَهُ يَرُدُّ عَلَىٰ كُلِّ أَسْئِلَتِي الْخَائِفَةِ،
يُهَمْسُ فِي قَلْبِي هَمْسًا خَافِتًا لَا يَسْمَعُهُ سِوَايَ:
"اِبْكِي مَا شِئْتِ... فَأَنَا هُنَا... وَلَنْ أَتْرُكِكِ وَحْدَكِ".