فرحٌ مسروق ..

كانت تغمضُ عينيها لتنعم بظلمةٍ لذيذة تسمّى النّوم ، قبل الموعد بساعة ، وربما أكثر ! لعلّ ساعات الليل تتلاشى ، ويطلّ العيد ، فتحظى بهدية رائعة مغلّفة بغلافٍ لمّاع ، فتسلبها الدهشة وعيها ، وتنسى أن تطبع قبلة على خدّ والديها ، كما تنسى العبارة التقليديّة التي ما انفكّت طوال الليل ترددها ، لكيلا تنسـاها في تلك اللحظة .. كلّ عام وأنتم بخير ..

ينقضي الليلُ سريعاً فتصحو على تكبيرات المسجد تملأ قلبها بهجة ، ترتدي الثّوب الذي أقعدته على كرسي مكتبها الصّغير ، مع الحذاء الأحمر الذي أصرّت أن تبتاعه على غرابة شكله ، وتمضي تدفئ يدها الصّغيرة في كفّ والدها التي تقبضُ عليها برّقة ، تسابقُ قلبها إلى المسجد ، فتحيا روح التكبير الفَرِح ، لأمّة في مسجدٍ عريق .

كلّ الخراف كان لها مسمّى تطلقه عليها تباعاً في كلّ عام ، تعقدُ صداقة ووداً ، وتأسرها لحظاتُ مرحٍ يشوبها رعبٌ من قرونٍ مفتولة وصوف كثيف .
لم تذق طعم اللحم يوماً حزناً على أصدقائها ، وكم نعتت نفسها بالخائنة ، إذ وقفت تشهدهم ينحرون وتراقُ دماؤهم وهي صامتة ، متشحة بوجوم وحزنٍ يرتدي الفرح صباح العيد ..
لكن الحلوى احتلت في جيبها مكاناً واسعاً ، وهي تنهالُ عليها من القريب والغريب ، فتسعدُ قلبها كما تسعدها أناشيد دجلة العذبة ، وأرجوحة خشبية تضمّها بشدّة لتمنعها من الهروب من بين ذراعيها ، وتفرضُ عليها وقتاً إضافياً للمرح ..

العيدُ كان حقيقة تلمسها بيديها ، تعيش تفاصيله بكلّ جمالها . تؤكده بسمة لا تفارقُ ثغرها إلا مع إغفاءة استسلام على السّرير ..
.
.
.
مازالت ريم اليوم تغفو قبل موعد نومها بساعة .. بساعات .. بأيّام ..
لكنها تبقى نائمة حتى يمضي العيد ..
وقد تسوّلُ لها نفسها لحظات يقظة ، فتجلسُ لتتناول حلواها التي تسلمتها دفعة واحدة من والديها قبل حلوله ..
اقتنعت راغمة أن ترتدي ثوباً قديماً لم يعد يليقُ بها ، وهي كالنبتة تتطاول نمواً نحو الشّمس ..
مع أنها دُفنت طويلاً في ظلمة إلا أنها مازالت تتبع شمساً رسمتها لها معلمتها في صباحٍ بغدادي مشرق ، وعلمتها أن تتبعها مهما أظلمت في وجهها الدروب ..
ريمُ النباتية لم تذق لحماً منذ سنين ، مع أنها نكثت عهد صداقتها مع الخراف فما عادت تطيق وداعتها مُذ سمعت جدها يقول لوالدها : إنهم يقتلوننا كالخراف !
في مدينة جديدة باردة غريبة ؛ لم تجد ريم أرجوحة تحضنها إلا ذراعي والدتها ، فاتخذت منهما سريراً ، وغفت تحلم أن تعود لتصافح دجلة ، وتنشد مع سفنه العائدة أناشيد الفرح بالعيد السعيد ..