عاشق المستحيل...!

ضوء عبد الله 26/9/1424


غابت الشمس, و أرخى الليل سُدُولَه...
عاد الصيادون من رحلاتهم...
كان القمر بدراً...
وطُرِزَت صفحه السماء بنجومٍ متلألئة...
لا أسمع سوى أصوات بعض الصيادين وهم يربطون مراكبهم ويغادرون...
اختلطت أصواتهم بأصوات محركات المراكب القادمة من بعيد...
وهي تشق سطح الماء في رقة...
بعض الرجال أخذوا مراكزهم في المقهى الوحيد على شاطئ النهر...
يحتسون الشاي ويتسامرون...
الرياح تلعب بكل هذه الأصوات...
تخلطها... تعجنها...
تقربها تارة و تبعدها أخرى...
كان هذا أول يوم لي في هذا المرسى...
فقد كنت أعمل على مركب للصيد.. أجيراً.. نجوب البحار...
أما الآن فقد أكرمني الله و اشتريتُ مركباً...
وإن بدا متهالكاً إلا أنه يفي بالغرض...
كانت رحلتي اليوم لاكتشاف النهر... فقط
رافقني نوخذة من أهل المنطقة في رحلتي...
على أن أبدأ رحلات الصيد في الغد...
كنت استنشق هذا الجمال الأخاذ ...
هدوء... سكينه ... (رتابة)
شعره... هي ما يفصل بينهما...
مشاعل صغيره تضيء المقهى... بشعلاتها المتراقصة استجابة لحركات الريح...
وربما استجابة للموج... رقصات شيطانيه... غاية في الدلال... والرقة..
صوت متواتر هو صوت محرك مركبي.. يشق السكون بصوت متوافق مع ما حوله...
يُقال إن كل ما في الكون يسبح لله...
فسبحان الله!
كذلك بدا صوت موج البحر... وهو يمسح على جبهة اليابسة...
يخيل إلي أنني أسمع تسبيح الرياح وهي تداعب أخشاب مراكبنا المتداعية...
فتستجيب لها مُسبِّحة...
اقترب مني رجل... فاجأني...
سلََّم, فرددت السلام...
طلب مني أن أنقله إلى الضفة الثانية...
وقال إن البحارة يرفضون إيصاله...
ألحّ علي... فوافقته...
قفز إلى المركب برشاقة...
دفع لي الأجرة مقدماً وبسخاء...
انطلقنا...
ومن الوهلة الأولى!! لاحظت ذلك الحزن العميق والمطبق على محياه...
وسمٌ حزينٌ على جبينه...
عيناه نافذتان تحكيان قصصاً من الحزن و الألم...
سألته لأكسر جمود الموقف: مالي أراك حزيناً؟!
وهل لك أحد في الضفة الثانية؟
أجابني وهو ينظر إلى القمر: ذاهب إلى محبوبتي...
بادرته: وهل هي في الضفة الثانية؟
نظر إلي مطولاً وقال: لا أعلم ...
نقل نظره إلى القمر...
استغربت إجابته... شعرت أنني أتدخل فيما لا يعنيني...
لم يطل الصمت طويلاً حتى قال: هي البدر في العلياْ... جميلة...
كأنها حورية بحر... رقيقة...
سكَتَ عن باقي الكلام, وأنا استحثه بنظري ليكمل...
وصلنا منتصف النهر...
عند التقاء صورة القمر مع صفحه الماء, طلب مني إيقاف المركب...
حتى إذا سكنت حركة الماء...
انتصب واقفاً وهو يحدق في صوره البدر المعكوسة على سطح الماء...
تحت نور القمر رأيت دمعته...
أطال النظر...
ثم..
رمى بنفسه في النهر... وغاب!
أردت مساعدته, لكنه لم يظهر...
لا أرى سوى حلقات على سطح الماء...
بدأت صغيرة... كبُرت... ثم تلاشت...
استعذت بالله...
عُدتُ أدراجي خائفاً وجِلاً...
حتى إذا وصلت الشاطئ...
انطلقت إلى المقهى... وعلامات الرعب بادية عليّ...
أخبرت من بالمقهى بما حدث...
انفضوا من حولي, بينما وقف أحدهم وقال: عادي!!
سألته عن قصده بكلمة "عادي"
أجاب: هذا نسميه "ساكن النهر"...
وهناك من يطلق عليه "عاشق المستحيل"!
كل ما نعرفه عنه, أنه غريب عن هنا...
وكان حديث عهد بزواج...
جاء في رحلة مع زوجته...
إلا أنها غرقت في هذا النهر, ودُفِنَت في مقابر البلدة...
وهذه حاله منذ ذلك الوقت...
منتصف الشهر, والقمر بدر, يظهر...
يطلب من أحدنا إيصاله...
حتى إذا وصلنا منتصف النهر, قذف بنفسه...
ويقال إنه يختفي في النهر أياماً...
ولا يظهر إلا والقمر هلالاً...
يخرج سابحاً!!
مبللاً!!
ويغادر...


منقول ..
[web]http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?catid=36&artid=3065[/web]