الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والصلاة والسلام على سيد الأنام، خير من صام وخير من قام،
وبعد:
فالعيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين في دنياهم وأخراهم إنما هي بفضل مولاهم كما قال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58 ].

والعيد شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، ومظهر من أَجَلِّ مظاهره، يتجلى فيه من المعاني الاجتماعية والإنسانية ما ينشرح له الصدر، ففي العيد تتقارب القلوب على الود، وتجتمع على الألفة، ويجتمع الناس بعد افتراق، ويتصافون بعد كدر.

وفي العيد تذكير أبناء المجتمع بحق الضعفاء عليهم حتى تشمل الفرحة بالعيد كل بيت، وتعم النعمة كل أسرة، وإلى هذا المغزى الاجتماعي العظيم يرمز تشريع "صدقة الفطر" في عيد الفطر. ففي تقديم صدقة الفطر ليلته إطلاقٌ للأيدي الخيّرة، فلا تشرق شمس العيد إلا والبسمة تعلو شفاه الناس جميعًا.

أما المعنى الإنساني في العيد، فهو أن يشترك أعدادٌ لا حصر لها من أبناء الشرق والغرب بالفرح والسرور في وقت واحد، فإذا بالأمة تلتقي على الشعور المشترك بالغبطة، وإذا بأبناء الأمة الواحدة على اختلاف ديارهم يشتركون في السراء كما يشتركون في الضراء، ففي العيد تقوية لهذه الروابط الفكرية والروحية التي يعقدها الدين بين أبنائه من مختلف اللغات والأقوام. [أحكام الصيام د. مصطفى السباعي ]أحكام الصيام د. مصطفى السباعي

من معاني العيد

العيد: هو كل يوم فيه جمع، واشتقاقه من: عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، ويقال: عيَّد المسلمون: شهدوا عيدهم، قال ابن الأعرابي: سُمِّيَ العيد عيدًا لأنه يعود كل سنة بفرحٍ مجدد. [لسان العرب 3-319 ].

قال ابن عابدين: « سمي العيد بهذا الاسم لأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان، أي أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل يوم، منها: الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر » [حاشية ابن عابدين 2-165 ]

أعيادنا وتحقيق الهوية

عن أنس رضي الله عنه قال: قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال: ( قدمت عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية، وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما؛ يوم النحر، ويوم الفطر ). [صحيح أخرجه أحمد وأبو داود ]

لقد تميزت أعياد المسلمين عن غيرها من أعياد الجاهلية بأنها قربة وطاعة لله عز وجل، وفيها من تعظيم الله تعالى وذكره ما لا يخفى كالتكبير في العيدين وحضور الصلاة في المصلى مع جماعة المسلمين [color=#800080]وتوزيع صدقة الفطر والتقرب إلى الله تعالى بالأضاحي مع إظهار الفرح والسرور على نعمة العيدين ونعمة إتمام الصيام في الفطر.[/color

كما أنها مرتبطة بعبادات عظيمة، فعيد الفطر يأتي

تتويجًا لشهر الصيام والقيام، وعيد الأضحى يتخلل شعيرة الحج العظيم وقبله يوم عرفة أفضل الأيام، فكلا العيدين يرتبط بركن من أركان الإسلام، بينما أعياد الكفار ترتبط بأوثانهم التي يعبدونها من دون الله، كما في أعياد المشركين وأعياد الفراعنة وأعياد اليونان والرومان، أو ترتبط بمفاهيم خاطئة وعقائد فاسدة كما في أعياد أهل الكتاب وأعياد المبتدعة من رافضة وصوفية وغيرهم.

التجمل في العيد

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( أخذ عمر جبة من استبرق، تباع في السوق، فأخذها، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ابتع هذه، تجمل بها للعيد والوفود، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : ( إنما هذه لباس من لا خلاق له )، فلبث عمر ما شاء الله أن يلبث، ثم أرسل إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج، فأقبل بها عمر، فأتى بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنك قلت: ( إنما هذه لباس من لا خلاق له ) وأرسلت إليَّ بهذه الجبة، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : ( تبيعها أو تصيب بها حاجتك ) ) ) [رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأحمد ].

قال الإمام السندي: « منه عُلم أن التجمل يوم العيد كان عادة متقررة بينهم، ولم ينكرها النبي صلى الله عليه وسلم ، فعُلم بقاؤها ». [حاشية السندي على النسائي 13-181 ].

وكان ابن عمر: يلبس أحسن ثيابه في العيدين. [فتح الباري 2-439 ]

الاغتسال يوم العيد قبل الخروج

عن نافع: "أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى". [أخرجه الإمام مالك، ورواه أيضًا الشافعي وعبد الرزاق وسنده صحيح ]
قال الإمام سعيد بن المسيب: "سنة الفطر ثلاث: المشي إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال".
[إرواء الغليل 2-104 ]

الخروج إلى المصلي

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ( كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة ). [رواه البخاري ومسلم والنسائي ]

فالسنة في صلاة العيدين أن تؤدى في المصلى، وبذلك قال جمهور العلماء.

قال البغوي في "شرح السنة": "السنة أن يخرج الإمام لصلاة العيدين، إلا من عذر، فيصلي في المسجد".
قال ابن الحاج في "المدخل" ( 283 ): "والسنة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام ). ثم هو مع هذه الفضيلة العظيمة خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى وتركه.

خروج النساء إلى المصلى

عن أم عطية: ( أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى؛ العواتق، والحيّض وذوات الخدور، فأما الحيّض فيعتزلن الصلاة- وفي لفظ المصلى- ويشهدن الخير ودعوة المسلمين ). [رواه مسلم ]

والسنة خروج النساء إلى المصلى لصلاة العيدين، بل ذهب كثير من أهل العلم إلى الوجوب، ومنهم الصنعاني والشوكاني، وصديق حسن خان، وهو ظاهر كلام ابن حزم، ومال إليه ابن تيمية في "اختياراته".
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: "حق على كل ذات نطاق الخروج إلى العيد". [رواه ابن أبي شيبة وسنده صحيح ]

حكمة صلاة العيد في المصلى

قال الألباني رحمه الله عن حكمة الصلاة في المصلى: « إن هذه السنة- سنة الصلاة في الصحراء- لها حكمة عظيمة بالغة: أن يكون للمسلمين يومان في السنة، يجتمع فيها أهل كل بلدة، رجالاً ونساءً وصبيانًا يتوجهون إلى الله بقلوبهم، تجمعهم كلمة واحدة، ويصلون خلف إمام واحد ويكبرون ويهللون، ويدعون الله مخلصين، كأنهم على قلب رجل واحد، وقد أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخروج النساء لصلاة العيد مع الناس ولم يستثن منهن أحدًا، حتى أنه لم يرخص لمن لم يكن عندها ما تلبس في خروجها، بل أمر أن تستعير ثوبًا من غيرها، وحتى أنه أمر من كان عندهن عذر يمنعهن من الصلاة، بالخروج إلى المصلى ليشهدن الخير ودعوة المسلمين.

ومقصد آخر: قول الدهلوي: « إن كل أمة لابد لها من عرضة يجتمع فيها أهلها لتظهر شوكتهم وتعلم كثرتهم، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يخالف في الطريق ذهابًا وإيابًا ليطلع أهل الطريقين على شوكة المسلمين ». [انظر: رسالة صلاة العيدين في المصلى هي السنة، للألباني رحمه الله ]

التكبير في العيدين

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى، وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير ). [رواه ابن أبي شيبة في المصنف وصححه الألباني في الصحيحة ( 170 ) ]

قال البغوي: « ومن السنة إظهار التكبير ليلتي العيدين مقيمين وسفرًا في منازلهم ومساجدهم وأسواقهم وبعد الغدو في الطريق، وبالمصلى إلى أن يحضر الإمام، كان ابن عمر رضي الله عنه يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حتى يأتي المصلي ثم يكبر بالمصلى حتى إذا جلس الإمام ترك التكبير» [أخرجه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني، انظر: إرواء الغليل 650 ]

وكان ابن المسيب وعروة وأبو سلمة وأبو بكر يكبرون ليلة الفطر في المسجد يجهرون بالتكبير.

صيغ التكبير

"الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد". [رواه ابن أبي شيبة وصححه الألباني ]."الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد". [عن ابن مسعود وابن عباس بسند صحيح ]
"الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا". [رواه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان ]
"الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجلّ، الله أكبر على ما هدانا" [رواه البيهقي، وصحح إسناده الألباني عن ابن عباس ]

حكمة التكبير في العيدين

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ففي تكبير الأعياد جمع بين القرينين، فجمع بين التكبير والتهليل والتحميد؛ لقوله تعالى: ﴿ ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ﴾ [البقرة: 185 ]، فإن الهداية اقتضت التكبير عليها، فضم إليه قرينه وهو التهليل، والنعمة اقتضت الشكر عليها، فضم إليه أيضًا التحميد