أحدث المشاركات

مطلب وسؤال لا اعتقده صعب ؟ لماذا اغلق منتدى المقال السياسي ؟» بقلم صبـاح الـبـغدادي » آخر مشاركة: صبـاح الـبـغدادي »»»»» ارسال حاملات الطائرات الامريكية للخليج؟مبدأ العصا والجزرة لايران» بقلم صبـاح الـبـغدادي » آخر مشاركة: صبـاح الـبـغدادي »»»»» الإختيار..» بقلم بثينة محمود » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» أبيات واحية تغازل الذاكرة» بقلم محمد محمد أبو كشك » آخر مشاركة: محمد محمد أبو كشك »»»»» قال تعالى أ أمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض» بقلم شاهر حيدر الحربي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» سلْ بحار االشعر عني !» بقلم محمد محمد أبو كشك » آخر مشاركة: محمد محمد أبو كشك »»»»» الهجاء في الإسلام» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وفاء» بقلم آمال المصري » آخر مشاركة: آمال المصري »»»»» قرف» بقلم ابن الدين علي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» إهداء .. مكتبة أهل اللغة العربية.» بقلم د. عبد الفتاح أفكوح » آخر مشاركة: د. عبد الفتاح أفكوح »»»»»

صفحة 7 من 7 الأولىالأولى 1234567
النتائج 61 إلى 68 من 68

الموضوع: تعقيبات على كتب العروض

  1. #61
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبده فايز الزبيدي مشاهدة المشاركة

    قال ابن رشيق القيرواني، في العمدة: (المديد: مثمن محدث، مسدس قديم، مربع قديم، أجزاؤه: (فاعلاتن فاعِلن)، ثماني مرات وعلى ذلكم أتى محدثه، وبيت مربعه (1) السالم:
    بؤس للحرب التي = غادرت قومي سدى
    قال: وهذا شعر قديم، إلَّا أن الخليل لم يذكره. زحافه: الخبن، الكفّ، الشكل، القصر، الحذف، الصلم...
    ).[ص: 302].(2)
    ............
    قلتُ:
    قوله: (... ثماني مرات) خطأ، صوابه أربع مرات، هكذا:
    (فاعلاتن فاعلن) (فاعلاتن فاعلن) = (فاعلاتن فاعلن) (فاعلاتن فاعلن)
    وقد نبه على هذا المحقق محمد محيي الدين عبدالحميد، بقوله: (صوابه أربع مرات).

    قلتُ:
    قوله: (الصلم ...)، لا يصح ذكره في المديد، لأنه علة تلحق الجزء ذا الوتد المفروق المتطرف، وهو (مفعولات). و(مفعولات) ليست من أجزاء المديد.
    أما الخبن: وهو حذف الثاني الساكن، فهو حسن في المديد، وبه تصير (فاعلاتن) إلى (فعِلاتن)، و(فاعلن) إلى (فعِلن).
    والكفّ: هو حذف السابع الساكن، ويدخل (فاعلاتن) فقط، وبه تتحول إلى (فاعلاتُ).
    والشكل: هو اجتماع الخبن والكف، وبه تتحول (فاعلاتن) إلى (فعلاتُ). ولا يدخل (فاعلن) لامتناعها من الكف لكونها خماسية.
    والقصر: هو حذف ساكن السبب الخفيف، من آخر تفعيلة الضرب أو العروض، مع تسكين ما قبله، فتصير (فاعلاتن) إلى (فاعلانْ)،
    والحذف: هو إسقاط السبب الخفيف من آخر التفعيلة..

    وقد قلتُ سابقا أن هذا الكتاب الذي أصنعه، ليس الغرض منه تصيّد الأخطاء_ معاذَ الله_ ولكن إنْ وجدتُ ما يستحق التنبيه عليه وتصويبه وتقويمه _حسب معرفتي المتواضعة_ فإنه عندي من باب النصيحة لعامة المسلمين وخاصتهم.
    وأسأل الله أن يعينني ويوفقني لما يحبه و يرضاه، وأن يقبله من عبده وابن عبده وابن أمته.

    والكمال لله وحده، وقد قلتُ في مدح ربي:
    كَمالُ ربيَّ أمرٌ لا كَمَالَ لهُ = وكيفُ يُكْملُ من في الأصْلِ قَد كَمُلا

    ...............
    (1). المربع عند بعض العلماء هو الذي أسميته في كتابي (التجديد في العروض والقافية) بالمنصوف، ويسميه بعضهم بالمشطور، مثل ميخائيل ويردي في (بدائع العروض)، ولا مشاحة في الاصطلاح.
    (2). العمدة في صناعة الشعر ونقده، تأليف أبي علي الحسن ابن رشيق القيرواني ألأزديِ، حققه وفصله ووعلق على حواشيه/ محمد محيى الدين عبدالحميد، مطبعة السعادة بمصر،، الطبعة الثانية 1374 هـ - 1955 م.

    فائدة:
    حول ذكر ابن رشيق في العمدة : الصلَّم، في المديد، فلعله تابع الجوهري صاحب عروض الورقة، إذْ جاء في عروض الورقة عند ذكر المديد: (... زحاف المديد: الخبن، الكفّ، الشكل، القصر، الحذف، الصلم). [ص: 19].
    قال محمد العلمي في " العروض والقافية دراسة في التأسيس والاستدارك "، في معرض حديثه عن استدراكات الجوهري على الخليل:
    (... أنَّه سَمَّى البتر في ضرب المديد بالصلم، وهو عنده حذف ثم قطع، فلم يخالف الخليل إذنْ إلَّا في التسمية). [ص: 250].


    قلتُ: البترُ هو اجتماع القصر والحذف، لا اجتماع القطع والحذف.
    فالأول رأي الخليل، والثاني رأي الجوهري.
    وقد حاول العلمي أن يجد للجوهري مبررا، فقال في نفس المصدر السابق: (وعندي أن استعماله للصلم، عوض البتر في المديد، يرجع إلى إرادة التمييز بين ما يحصل في المديد والمتقارب برأيه، وإن كان ما يحصل فيهما عند الخليل شيئاً واحداً، سمَّاه باسم واحد، هو البتر). [ص: 250].

    ونحن نعلم أن الجوهري لا يفرق _في عروض الورقة_ بين الزحاف والعلة، بل يجعلهما شيئاً واحداً، ولهذا كان يجري العلة في الحشو والعروض والضرب.
    والقول بأن القطع والقصر شيئا واحداً؛ يلغي أهمية دلالة المصطلح، لأن القصر يقع في الأسباب المتطرفة فقط، والقطع يقع في الأوتاد المتطرفة كذلك.
    ومصطلح التغيير في العروض، لم يوضع اعتباطاً، بل يحمل بيانات الوحدة الصوتية المزاحفة، من الجزء الإيقاعي ، أي الحرف المزاحف أو المعلول من التفعيلة، و يبين نوع مقطع الحرف الذي وقع فيه التغيير، هل هو سبب أم وتد، وموقع المقطع من الجزء، هل هو في البدء أم في الوسط أم في الطرف؟
    فهو يربط في ذهن القائل والسامع أثناء وصفِ التغيير، بين الوحدة الصوتية والوحدة المقطعية والوحدة الإيقاعية، أي بين الحرف (من ساكن ومتحرك) والمقطع (من سبب، أو وتد)، والجزء (التفعيلة) من خماسي وسباعي، ويبيّن ما بينهم من علاقات عروضية متعددة، وما لهم من مواقع، وما يجوز لهم، وما لا يجوز كذلك .
    في روحك الطائيُّ يهمس والها = واهٍ وريثي في ندى الكلماتِ (أهداه لي : عبدالله العبدلي)

  2. #62
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبده فايز الزبيدي مشاهدة المشاركة
    قال الأخفش في القوافي :”وأما "مَفْعُولُنْ" في الرجز و"فَعُولُنْ" فلا يكون إلا بحرف لينٍ، لأنك أسقطتَ نونَ "مُسْتَفْعِلُنْ" وَأَسكنتَ اللام، فذهبَ منهُ زنةُ مُتحركٍ). [ص: 114].

    قلتُ: (1) ورود حرف اللين أو المد في القافية يجعلها من القوافي المردوفة_المُرْدَفة_، والردف حرف لين أو مد (و، ي، ا) يسبق الروي مباشرة.
    وعللوا ورود الردف في القوافي بسببين:
    أولهما: أن يأتي لتعويض النقص، كما قال الأخفش: (لأنك أسقطتَ نونَ «مُسْتَفْعِلُنْ» وَأَسكنتَ اللام، فذهبَ منهُ زنةُ مُتحركٍ).
    وثانيهما: ورود القافية مترادفة، فيجتمع في آخرها ساكنان.
    وشرح هذا مبسوط في كتب العروض، ليس هذا مقامه.

    (2) يجتمع (فعولن) في ضرب الرجز مع (مفعولن) في القصيدة الواحدة، لأن فعولن هي بديلة (مفعولن) بعد خبنها.
    (3) أمَّا قول الإمام الأخفش وهو تلميذ الخليل: ( وأما «مَفْعُولُنْ» في الرجز و«فَعُولُنْ» فلا يكون إلا بحرف لينٍ). [ص: 114].
    فهذا ليس بصحيح، وليس بملزم. بل تأتي قافية ضرب الرجز المقطوع (مستفعلْ = مفعولن) تارة مردوفة، وأخرى مجردة من الردف.
    فمن شواهد الردف في (مفعولن)، قول ابن عبدربه الأندلسي:
    القَلبُ مِنها مستريحٌ سَالمٌ = والقلبُ مِنِّي جَاهِدٌ مَجْهُوْدُ
    ومن شواهد التجريد من الردف، قول الحريري في المقامة التبريزية:
    أنا السَّروجيّ وهَـذي عِـرْسـي (................ مفعولن)
    وليسَ كُفْؤُ البدْرِ غيرَ الشّـمـسِ (................ مفعولن)
    وما تَنافى أُنـسُـهـا وأُنـسـي (........... فعولن)
    ولا تَناءى ديرُها عـنْ قَـسّـي (................ مفعولن)
    ولا عدَتْ سُقْيايَ أرْضَ غَرْسـي (........... فعولن)
    لكِنّـنـا مـنـذُ لَـيالٍ خـمْـسِ (................ مفعولن)
    نُصبحُ في ثوبِ الطّوى ونُمْسـي (............ فعولن)
    وهكذا يمضي هذا التناوب بين (مفعولن) و (فعولن)، في بقية الأرجوزة:
    لا نعرِفُ المَضْغَ ولا التّحَـسّـي
    حتى كأنّا لخُـفـوتِ الـنّـفْـسِ
    أشْباحُ مَوْتى نُشِروا منْ رَمْـسِ
    فحينَ عزّ الصّبـرُ والـتـأسّـي
    وشَفّنا الضُـرُّ الألـيمُ الـمَـسّ
    قُمْنا لسَعْدِ الجَدّ أو لـلـنّـحْـسِ
    هذا المَقامَ لاجـتِـلابِ فَـلْـسِ
    والفَقْرُ يُلْحي الحُرَّ حـينَ يُرْسـي
    إلى التّحَلّي في لِباسِ الـلَّـبْـسِ
    فهـذِهِ حـالـي وهَـذا دَرْسـي
    فانظُرْ إلى يوْمي وسَلْ عن أمسي
    وأمُرْ بجَبري إنْ تَشا أو حبْـسـي
    ففي يدَيْكَ صحّتـي ونُـكْـسـي

    ووزن الأرجوزة: مستفعلن مستفعلن مفعولن، وهي غير مردوفة.
    فائدة:
    قلتُ في كتابي (التجديد في العروض والقافية):
    قال الأخفش الأوسط في كتاب القوافي: (وأما " مَفْعُولُنْ " في الرجز و" فَعُولُنْ " فلا يكون إلا بحرف لينٍ، لأنك أسقطتَ نونَ "مُسْتَفْعِلُنْ" وَأَسكنتَ اللام، فذهبَ منهُ زنةُ مُتحركٍ). [ص: 114].
    قال السكاكي بعد ذكر البيتِ السابق *، في مفتاح العلوم: (ويلزمُ هَذَا الضربَ عند الخليلِ والأخفشِ كونُ القافيةِ مردفةً بالمدِّ). [ص: 653].
    قلتُ: لكن هذا الكلامُ فيه نظر، فلا يلزم من ورود (مفعولن) في ضرب الرجز، أن تأتي قافيته مردوفة. وسيأتي معنا قول الحريري في إحدى مقامته التبريزية:
    أنا السَّروجيّ وهَـذي عِـرْسي = وليسَ كُفْؤُ البدْرِ غيرَ الشّمسِ
    وما تَنافى أُنسُهـا وأُنْسي = ولا تَناءى ديرُها عـنْ قَسّي
    ولا عدَتْ سُقْيايَ أرْضَ غَرْسِي = لكِنّنَا منذُ لَيالٍ خمْسِ
    والحرف الصحيح الساكن مثل المعتل الساكن، فكلاهما حرف سَكَنَ قبل الروي، وقول الأوائل بوجوب ردف قافية الضرب (مفعولن)؛ لكثرة الشواهد عليه، ليس على إطلاقه، ولكن كما قلتُ لك هو ليس بواجب.

    .............
    * وهو بيت ابن عبدربه الأندلسي:
    القَلبُ مِنْها مُسْتَرْيْحٌ سَالمٌ = والقلبُ مِنِّي جَاهِدٌ مَجْهُوْدُ

  3. #63
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    هذه المقالة فيها طرفة عجيبة، قال حازم القرطاجني في منهاج البلغاء:
    (فأما الوزن الذي سموه المضارع، فما أرى أن شيئا من الاختلاق على العرب أحق بالتكذيب والرد منه؛ لأن طباع العرب كانت أفضل من أن يكون هذا الوزن من نتاجها. وما أراه أنتجه إلا شعبة بن برسام خطرت (1) على فكر من وضعه قياسا. فيا ليته لم يضعه، ولم يدنس أوزان العرب بذكره معها؛ فإنه أسخف وزن سُمع، فلا سبيل إلى قبوله، ولا العمل عليه أصلا). [ص: 243].

    قال محقق الكتاب محمد الحبيب ابن الخوجة في هامش رقم (1) عن (خطرتْ): (كذا بالأصل، والتقدير صورته، أي صورة الوزن).
    ثم جاء محمد العلمي في (العروض والقافية دراسة في التأسيس
    والاستدراك) فقال:
    (وقد وضع محقق كتاب حازم هامشا افترض فيه أن الأصل ورد كذا ، والمقصود بفاعل (خطرت) من قوله ، (صُورَتُه ) ، أي " خَطَرَتْ صُورَتُهُ عَلَى فِكْرِ مَنْ وَضَعَهُ قياسا ". ولم أستسع هذا التأويل، لسببين:
    أولهما: أنني لم أهتد إلى معرفة (شعبة بن برسام)، الذي ورد فيما سبق أنه واضع المضارع، كما لم ينص على أي شيء عنه محقق كتاب حازم، وفوق كل ذي علم عليم .
    وثانيهما: أنه لم يرد قبل حازم أدنى إشارة إلى أن المضارع وضعه شخص ما ، فكل ما ورد أن الخليل واضعه ، كما سبق .
    وعندي أن في كلام حازم السابق تصحيفاً لعل صوابه أن يكون هكذا : (وَمَا أَرَاهُ أَنْتَجَهُ إِلَّا عِلَّةُ بِرْسَامٍ ، خَطَرَتْ عَلَى فِكْرِ مَنْ وَضَعَهُ قِيَاسَا). البرسامُ : الْمُومُ، والمومُ: الْجُدَرِيُّ الكثير المتراكب. وفي اللسان: وقال الليث : قيل المُوم أَشَدُّ الجُدَرِي. والمومُ بالفارسية : الجدري الذي يكون كله قرحة واحدة ، وقيل : هو بالعربية.
    فكأن حازما ، وهو يجعل طباع العرب أفضل من أن يكون هذا الوزن من نتاجها؛ لأنه أسخف وزن سُمِعَ، يجعل علةَ الجُدري تصيبُ فِكْر مَنْ وَضَعَه، وتكون نتيجة ذلك هذا الوزن السخيف عنده. أما إذا كان شُعْبَةُ بْنُ بِرْسَام، حَيَّاً رُزِقَ فيْما غَبَرَ، فإن الاهتداء إلى شخصه وأخباره، سيُلغي هذا التأويل مني إلى غير رجعة). [ص: 282].

    وهذه من طرائف أهل العلم، وهي مثل قصة الكموج، وقصة الخنفشار، واسم الذئب الذي أكل يوسف عليه الصلاة والسلام.
    وكلُّ ما في الأمر أنه وقع تصحيف بسيط أربك المحقق محمد الحبيب ابن الخوجة، ومحمد العلمي، وهما هما في العلم.
    فكلمة (بن) التي أثبتها ابن الخوجة، هي تصحيف (مِنْ) حرف الجرِّ، فأحدث هذا التصحيف البسيط كلَّ هذا الاضطراب في التأويل.
    وتصحيح العبارة هو: (وما أراه أنتجه إلا شعبة من برسام خطرتْ على فكر من وضعه)
    والبرسام داء يصبب الإنسانَ بالهذيان، والشعبة الطائفة، فمراد حازم أن من وضع المضارع أصابته حالة أو نوبة من الهذيان فجعلته يهذي بهذا البحر، وينسبه للعربية.
    وإن كان العلمي قد كاد أن يقارب الصواب، ولكنه كان مترددا، وشكَّ في وجود شخص يقال له: شعبة بن برسام، حتى قال: (أما إذا كان شُعْبَةُ بْنُ بِرْسَام، حيَّاً رُزِقَ فيما غبَر ، فإن الاهتداء إلى شخصه وأخباره سيُلغي هذا التأويل مني إلى غير رجعة).
    قلت: ليس شعبة بن برسام، بشي من الناس، بل شعبة من برسام، كما ذكرت لك. وليس معنى برسام هنا الجدري. بل معناه شعبة _نوع_ من الجنون، أو الهذيان والسكر.
    جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: (البِرْسَامُ لُغَةً، وَاصْطِلاَحًا: عِلَّةٌ عَقْلِيَّةٌ يَنْشَأُ عَنْهَا الْهَذَيَانُ، شَبِيهَةٌ بِالْجُنُونِ).
    [مج 8 / 75].
    وقال ابن قائد، في هداية الراغب: (الثَّالثُ مِنْ النَّواقضِ: ما أشارَ إليه بقولِه: (وَزَوَالُ عَقْلٍ بجنونٍ، أو بِرسامٍ، أو تَغطيتُه بإغماءٍ أو سُكرٍ، قليلًا كان ذلك أو كثيرًا.). [مج 1 / 165 - 166].
    وورد هذا التعبير في نثر العرب وشعرهم، قال ابن خفاجة في " سر الفصاحة ": (ولم يزل الناس على وجه الدهر منكرين قول امرئ القيس بن حجر:
    ألا إنني بالٍ على جمَلٍ بالِ= يقود بنا بالٍ ويتبعنا بالِ
    وهو لعمري قبيح، وإن كان بيت هذا الفن الذي لا غاية وراءه في القبح قول مسلم بن الوليد الأنصاري:
    سلت وسلت ثم سل سليلها = فأتى سليل سليلها مسلولا
    ولولا أن هذا البيت مروي لمسلم، وموجود في ديوانه، لكنت أقطع على أن قائله أبعد الناس ذهناً، وأقلهم فهماً، وممن لا يعد في عقلاء العامة، فضلاً عن عقلاء الخاصة، ولكنى أخال خطرة من الوسواس، أو شعبة من البرسام، عرضت له، وقت نظم هذا البيت، فليته لما عاد إلى صحة مزاجه وسلامة طباعه جحده، فلم يعترف به، ونفاه فلم ينسبه إليه، ...). [ص: 104 - 105].
    وجاء في شرح حماسة أبي تمام، لأبي القاسم الفارسي، هذه الأبيات:
    (ألام على بغضي لما بين حية = وضبع وتمساح تغشاك من بحر
    تحاكي نعيما زال في قبح وجهها = وصفحتها لما بدت سطوة الدهر
    هي الضربان في المفاصل خاليا =وشعبة برسام ضممت إلى النحر
    إذا سفرت كانت لعينيك سخنة = وإن برقعت فالفقر في غاية الفقر
    وإن حدثت كانت جميع مصائب = موفرة تأتي بقاصمة الظهر
    وإن حدثت كانت جميع مصائب = موفرة تأتي بقاصمة الظهر
    حديث كقلع الضرس أو نتف شارب = وغنج كحطم الأنف عيل به صبري
    وتفتر عن قلح عدمت حديثها = وعن جبلي طيء وعن هرمي مصر). [مج 3 / 403].

    والبِرْسام هنا هو: ذات الجَنْب، وهو التهاب في الغشاء المحيط بالرئة
    وعلى ما سبق أقول إن البرسام اسم يطلق على عدة أمراض، فهو الجدري، وذات الجنب، ومرض يصيب العقل فيسبب الهذيان. ويفهم معناه من سياق الكلام.

    فائدة:
    العامة عندنا _ في محافظة القنفذة _ تقول: فلان مُبرشِّمٌ، إذا كان في غير وعيه، أو كان سكران. أو وقف صامتاً مدهوشاً أو مذعوراً، أو سكت من عيٍّ وقلة فهم.
    ومن وصفهم قولهم: فلانٌ بَرْشَمٌ، أي أحمق، مجنون، فاقد للوعي أو العقل.
    وكذلك العامة في مصر تقول اليوم للمخدر: برشام، واحده برشامة، والشين مبدلة من سين (برسام)؛ لقرب مخرجيهما. وقيل لها هذا لأنها تصيب العقل بالوسوسة والهذيان، وتغيب عقل العاقل.
    ويقال للورقة الصغيرة، التي يصنعها الطالبُ؛ كي يغشَّ منها في الاختبارات: برشام، وبرشامة، وأرى أنها سميت بهذا؛ لأنها تطوي ثم تلف مثل سيجارة البرشام المخدر، أو تكون عند طيها ولفها في هيئة البرشام وهو نوع من المسامير، والله أعلم وأحكم.

  4. #64
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    قال عبدالله الطيب في (المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها):
    ([الطويل والبسيط]: هذان البحران في الشعر العربي بمنزلة السداسي عند اليونان، والمرسل عند الإنجليز، والمزدوج عند فرنجة القرن الثامن عشر. والبسيط منهما يحل المكان المتقدم في شعر العامة باسم «الكان وكان» أو «الدوبيت» علاوة على أنه مقدم مرموق المكان بين أشعار الفصحاء.
    أما الطويل، فوزنه من المتقارب كله. وأقرب وسيلة إلى معرفة رنّته أن تأتي بتفعيلة من المتقارب التام. ثم بتفعيلة من الهزج، وتكرّر ذلك أربع مرات على التوالي. وهاك أمثلة توضح ذلك: تفعيلة المتقارب هي «فعولن» وتعادلها كلما «دَجاج»، وتفعيلة الهزج هي مفاعلين، وتعادلها كلمة «دجاجات»، فتفعيلات الطويل هي إذن:
    دجاج دجاجات دجاج دجاجات = دجاج دجاجات دجاج دجاجات
    فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن = فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلين
    فَعولن فَعُولَفْعو، فعولن فَعولَفْعو = فَعولن فَعولَفْعو، فعولن فعولَفعو
    فهو كما ترى من المتقارب، ....). [مج 1 / 435].


    قلت:
    (1). قوله: (هذان البحران في الشعر العربي بمنزلة السداسي عند اليونان، والمرسل عند الإنجليز، والمزدوج عند فرنجة القرن الثامن عشر.).
    يقصد في التقديم وكثرة الاستعمال، أما من جهة الوزن فليست هناك أيَّة علاقة بينهم، لا من قريب ولا من بعيد.
    قال زكي نجيب محمود وأحمد أمين، في " قصة الأدب في العالم ": (الشعر القصصي مكتوب كله فيما يُسمَّى بالوزن السداسي hexameter، أعني ذلك الذي يُبنى البيت فيه من ستِّ تفاعيل، وهذا وزن سهل مُطرد رحب يلائم القصص...).
    قلت: (hexa) أي ستة أو سداسي، أي سداسي التفاعيل، وميتر أو مِتْر (meter) هو الوزن، أي أنه سداسي الوزن، لأنه يتألف من ستة أقدام، أي من ستة مقاطع، وكان حازم القرطاجنّي_في منهاج البلغاء_ يسمي الأقدام _أي المقاطع_ بالأرجل، جمع رِجْل. وهذا من تأثر حازمٍ بالمنطق الأرسطي، ويقال للأرجل العروضية في الأدب الإنجليزي: (feet)، واحدها: (foot).
    ومن أشهر الأوزان الإنجليزية (pentameter) أي خماسي الأجزاء (التفاعيل)، وهو وزن كان يكتب عليه شكسبير كثيرا من أشعاره.
    وكذلك لا علاقة لبحري: الطويل والبسيط العربيين، بالشعر المرسل أو المزدوج عند الفرنجة، لا من جهة الوزن و لا من جهة الشكل، إلا إن قلنا أراد في الشيوع والشهرة.

    (2). وقوله: ( والبسيط منهما يحل المكان المتقدم في شعر العامة باسم «الكان وكان» أو «الدوبيت» علاوة على أنه مقدم مرموق المكان بين أشعار الفصحاء)
    يقصد ذات المعنى في الكلام المتقدم، من كثرة الشيوع والتقديم، والدوبيت عند السودانيين _ كما قال الكاتب_ هو الكان وكان. وظهر _كان وكان_ في العراق في منتصف وأواخر العصر العباسي، عند فشو اللحن.
    كما أن الأزجال من أشعار العامة عند الأندلسيين والمغاربة. والنبطي في نجد وتهامة والحجاز، وهو أقواها وأجزلها.

    (3). وقوله: (أما الطويل، فوزنه من المتقارب كله).
    فهذه العبارة أقل ما يقال في حقها إنها كَبوة جواد، ونَبْوة صارم.
    فقد زعم الطِّيِّبُ أن وزن الطويل، الذي هو عند الخليل:
    فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن = فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
    من وزن المتقارب الخليلي:
    فعولن فعولن فعولن فعولن = فعولن فعولن فعولن فعولن
    ولا يخفى عليك بطلان كلامه؛ لأن الأصلَ يشتق منه الفرعُ، لا العكس، فالجزء (مفاعيلن) يمكن لك أن تقسمه على: (مفا) + (عيـ) + (لن)، أي وتد مجموع (بدء)، وبعده سببان خفيفان.
    وبتحوير بسيط _حتى نقترب من زعم صاحب المرشد_ نقول إن (مفاعيلن) = مفاعي +لن = فعولن + لن. فكما لاحظت أن مفاعيلن هي: (فعولن)، وزيادة (لن).
    بينما (فعولن) = فعو + لن، أي وتد مجموع، ثم سبب خفيف، فهل تستطيع أن تولد (مفاعيلن) من (فعولن)، دون زيادة (لن) من عندك؟
    الجواب: كلا.

    (4). عاد عبد الله الطيب فناقض نفسه بنفسه، بقوله: (أقرب وسيلة إلى معرفة رنّته أن تأتي بتفعيلة من المتقارب التام. ثم بتفعيلة من الهزج، وتكرّر ذلك أربع مرات على التوالي. وهاك أمثلة توضح ذلك: تفعيلة المتقارب هي «فعولن» وتعادلها كلما «دجاج»، وتفعيلة الهزج هي مفاعلين، وتعادلها كلمة «دجاجات»، فتفعيلات الطويل هي إذن:
    دجاجٌ دجاجاتٌ دجاجٌ دجاجاتٌ = دجاج دجاجات دجاج دجاجات
    فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن =فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلين)


    بغض النظر عن دجاج ودجاجات عبدالله الطيب، وسذاجة التمثيل، وعن قوله: (... التام) التي لا قيمة لها في المسألة، لأن (فعولن) هي جزء المتقارب: التامِّ والمشطور، والمجزوء، والمنصوف، والمنهوك؛ لأنه بحرٌ صافٍ، أحادي التفعيلة.
    نقول: إن قوله بأن الطويل هو من بحري: المتقارب والهزج، هو كلام ليس من عنده، بل أخذه عن أبي نصر الجوهري صاحب عروض الورقة.
    فالجوهري هو صاحب فكرة إدخال البحور في بعضها، اعتمادا على ألفاظ التفاعيل، في مسألة التركيب التي ابتدعها. إذ قال: (أمَّا الأبواب فاثْنا عَشَر، سبعة منها مفرداتٌ، و خمسة مركّباتٌ. فأولها المتقارب، ثم الهزج، والطويل بينهما مركب منهما، ثم بعد الهزجِ الرملُ، والمضارعُ بينهما، ثم بعد الرملِ الرجزُ، والخفيفُ بينهما، ثم بعد الرجزِ المتداركُ، والبسيطُ بينهما، ثم بعد المتداركِ المديدُ، مركّبٌ منه ومن الرملِ. ثم الوافر والكامل، لم يتركب بينهما بحر لما فيهما من الفاصلة). [ص: 11].

    ونقل عنه ابن رشيق في العمدة، بالنص، إذْ قال: (وجعل الجوهري هذه الأجناس اثني عشر باباً، على أن فيها المتدارك: سبعة منها مفردات ، وخمسة مركبات، قال: فأولها المتقارب، ثم الهزج، والطويل بينهما مركب منهما، ...، ثم الوافر والكامل، لم يتركب بينهما بحر لما فيهما من الفاصلة). [مج 1 / 136 - 137].

    (5). ثم عاد الطيبُ للتناقض، فقال عن الطويل: قوله: (تفعيلات الطويل هي إذن:
    دجاجٌ دجاجاتٌ دجاجٌ دجاجاتٌ .= دجاج دجاجات دجاج دجاجات
    فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن = فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلين
    فعولن فعولفعو، فعولن فعولفعو =فعولن فعولفعو، فعولن فعولفعو
    فهو كما ترى من المتقارب ....).
    السؤال: هل الطويل من المتقارب فحسب؟ أم من المتقارب والهزج؟
    والحقيقة أن هذا من عبث بعض العروضيين، قديما وحديثا، ولو التزموا بمبادئ الخليل الرياضية المحكمة، لما وقع منهم مثل هذا.
    وأجيب عن هذه الشبهة، بما يلي:
    (أ). من فقه العروض أن تقول إنَّ الجزء إنْ أردنا الزيادة عليه، فالمفروض أن تسبغه بزيادة حرف ساكن، وفي أقصى الأحوال أن تزيده بسبب خفيف، أي بحرفين: ساكن فمتحرك.
    والترفيل والتسبيغ والإذالة، من علل الزيادة اللاتي يقعن في الأعاريض والأضرب، لا في الحشو، كما ستظطرنا إليه مزاعم عبدالله الطيب.
    (ب). لو تنازلنا جدلا له، وقبلنا أن بحراً يقع من بحر آخر، بزيادة ونقص، متجاهلينَ مسألة افتكاك البحور من بعضها على الدائرة، وهي نظرية محكمة عندي، فالأَولى أن نقول أن المتقارب هو ابن الطويل، لا العكس.
    لأننا إن طرحنا (لن) من (مفاعيلن) جاءت (مفاعي) وهي تساوي (فعولن) وزناً.
    فالمنطق يقول بهذا، لأننا وجدنا في الطويل الضرب المحذوف( فعولن) وهو بديل من (مفاعيلن)، فهل قال أحدٌ له معرفة بالعروض إنَّ (مفاعيلن) هي بديلة من (فعولن) !
    (جـ) قوله:
    فعولن فعولفعو، فعولن فعولفعو = فعولن فعولفعو، فعولن فعولفعو
    كما في نسخة الكتاب الذي بين يدي، وضع الطيب فاصلة بعد:
    (فعولن فعولفعو) في كل مرة؛ ربما كي يبين أن هذه الطلاسم هي الوحدة الإيقاعية المميزة للطويل.
    وهذا الذي فعله هو من باب قول القائل: (وفسَّر الماءَ بعد الجهد بالماءِ).
    لأنَّ: ( فعولن فعولفعو) = (فعولن) + ( فعو +لفْعوْ = مفاعيلن)، وهي نفس كلام الخليل: فعولن مفاعيلن.
    ثمَّ هل (فعولفعو) هي من أجزاء المتقارب؟ كلا!
    وهل (فعو) وتد، و(لفعو) سببان خفيفان متطرفان؟
    فإن قال: نعم! قلنا أفسد أخِرُك أولَك، وحكمت على كلامك بالبطلان، لأن الخليل قال عن (مفاعيلن) هي وتد مقرون (مجموع) ثم سببان خفيفان.
    وإن قال: لا! قلنا: فما هما؟ وهل سنجد: (فعولفعو) في البحر المتقارب؟ لأنك قلت الطويل من المتقارب.
    وأرى أن منطق الجوهري مع شذوذه عن قواعد العروض، أنسب من كلام صاحب المرشد.

    (6). وحين قلت عن صاحب المرشد أنه متناقض، فليس من باب اللوم عليه؛ حاشا لله! بل لأنه يفعل ذلك، ومن هذا قوله: (مما ترى أن وزن الطويل كله يدور على (فعولن مفاعيلن). [ص: 437].
    كما أنه لم يقدم أي تبرير لقوله بأن الطويل تارة من المتقارب فحسب، وتارة من المتقارب والهزج، وثالثة حين جاء بمناقضة ما سبق فوافق الخليل الفراهيدي، فقال عن وزن الطويل هو: (فعولن مفاعيلن).

    (7). ختاماً:
    لو قبلنا جدلاً بأن الطويل جاء من المتقارب، أو بأنه مركب من: المتقارب والهزج، أي من (فعولن) المتقاربية و(مفاعيلن ) الهزجية، فهل سيقبل في قصيدة واحدة، بوجود بيتٍ من المتقارب، وبثانٍ من الهزج (مفاعيلن)، وبثالث من (فعولن مفاعيلن) الطويل، تحت مبدأ التغيير بزيادة ونقصان، من زحافات وعلل؟
    أظنَّ أنَّ مثل هذه الآراء هي آراء مخالفةٌ، ومخالفتها لمجرد المخالفة فحسب. والله أعلم وأحكم.

  5. #65
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    قال المرزباني في الموشح: (فأمَّا الإقواءُ فرفعُ بيتٍ وجَرُّ آخر. وأمَّا الإكفاء فاختلاف حركة الروي. والعرب قد تخلط فيما بين الإكفاء والإقواء، ولكن وضعنا هذهالأسماء أعلاماً لتدلَّ على ما نريد). [ص: 19].

    قلتُ:
    قوله (فأمَّا الإقواءُ فرفعُ بيتٍ وجَرُّ آخر) صحيح، ولكنه ناقص، لأنه لم يذكر الفتح، ولو قال: (الإقواءُ اختلاف المجرى) لأن المجرى هي حركة الروي، لكان أتمَّ وأشمل.
    قال التنوخي في القوافي: (الإقواء: اختلاف الإعراب، مأخوذ من قوى الحبل المختلفة الفتل، مثل أن يأتي الشاعر بالضم مع الكسر أو بالكسر مع الضم. ولا يكادون يأتون إقواء بالنصب، فإذا وجد هذا فالأجود تسكينه).
    وربما اقتصار المرزباني على المخالفة بين الجر والرفع، سببه ما قاله التنوخي: (لا يكادون يأتون إقواء بالنصب).
    ومن المعاصرين ممن وافق المرزباني عبدالعزيز عتيق في (علم العروض والقافية)، إذ قال: (الإقواء: وهو اختلاف المجرى الذي هو حركة الروي المطلق بكسر وضم).
    ولم يذكر معهما النصب.

    ويفرِّقُ العروضيون في اختلاف المجرى_حركة الروي المطلق_، فيقولون بالإقواء وبالإصراف:
    (1). الإقْواءُ: هو اختلاف المَجْرى، أي اختلاف حركة الروي في القصيدة، وسمي هذا العيب بالإقواء من قولهم: أقوى الربع إذا تغيَّرَ، وخَلا من سُكَّانه، والإقواء. أومِنْ قولهم: أقْوَى الحَبْلَ، إذا خَالَفَ في فَتْلِهِ، وجَعَل بَعضَه أغْلظَ من بَعْضٍ. ويحدث الإقْوَاءُ باختلاف حركة المجرى، في روي القصيدة الواحدة، وأقوَى الشّاعِر إذا خَالَفَ بين قَوَافِيهِ، بِرَفْعِ بَيْتٍ وجَرِّ آخرَ، ونحو هذا، كقول النابغة الذبياني:
    أمِنْ آل مَيَّة رَائِحٌ أومُغْتَدِيْ = عجْلَانَ ذَا زَادٍ وغَيْر مزوّدِ
    زَعَمَ البَوَارِحُ أنَّ رِحْلَتَنَا غَدَاً = وبِذَاكَ خَبَّرَنَا الغُرَابُ الأسودُ
    فحركة الروي (المجرى) في البيت الأول الكسرة: مزوّدِ ، وفي البيت الثاني الضمة: الأسودُ.
    قيلَ إنَّ أكثر ما يقع الإقواء في شعر الأوائل بين الضمة والكسرة، لقرب الضمة من الكسرة، ويقال الكسرة أختُ الضمة.
    وأمَّا ما يروى لحسان بن ثابت _رضي الله عنه_على أن فيه إقواء:
    لا عَيبَ بِالقَومِ مِن طولٍ وَلا عِظَمٍ = جُسمُ البِغالِ وَأَحلامُ العَصافيرِ
    كَأَنَّهُم قَصَبٌ جوفٌ مُكاسِرُهُ = مُثَقَّبٌ نفخَتْ فيهِ الأَعاصيرُ
    فهذه الرواية ليست بصحيحة، وممن رواها المرزباني في الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء. والرواية الصحيحة هي:
    لا عَيبَ بِالقَومِ مِن طولٍ وَلا عِظَمٍ = جُسمُ البِغالِ وَأَحلامُ العَصافيرِ
    كَأَنَّهُم قَصَبٌ جوفٌ مُكاسِرُهُ = مُثَقَّبٌ فيهِ أَرواحُ الأَعاصيرِ
    وهكذا روى البيتين عبد القادر البغداديُّ في الخزانة، وجاءت هذه الرواية الصحيحة في كثير من مصادر اللغة الموثوقة.
    وكيف يخطئ حسان في الشعر، وأهل المدينة هم أعرف الناس بالشعر، وقد قيل إن النابغة لما أنشد بالمدينة قوله:
    أمِنْ آل مَيَّة رَائِحٌ أومُغْتَدِيْ = عجْلَانَ ذَا زَادٍ وغَيْر مزوّدِ
    أمروا جواريَ لهم أن يغنين أبياته، فلما سمع خفض الصوتِ، ورفعه بين الضمة والكسرة، فطنَ لرسالةِ أهل المدينة، ورجعَ عن مثْلِ هذا في شعْرِه.
    (2). الإصراف:
    الإصرافُ، أوالإسراف، هو اختلاف المجرى بالفتح في رويٍّ، وغيرهِ من الكسر أو الضم، أي يأتي الروي بالفتح في بعض القصيدة، ويأتي بالكسر أو الضمِّ في البعض الآخر.
    فمثال الفتح مع الضَّمِّ، قول الشاعر:
    أريتُكَ إنْ منعتَ كلامَ يَحْيَى = أتمْنعُني على يَحْيَى البُكاءَ
    ففِي طَرْفِي على يَحْيَى سُهادٌ = وفي قلبي على يَحْيَى البلاءُ
    ومع الكسر:
    ألم ترني رددتُ على ابْنِ ليْلَى = منيحتَهُ فعَجّلتُ الأداءَ
    وقلتُ لشَاتِهِ لَمَّا أتَتنا = رَمَاكِ اللهُ مِنْ شَاةٍ بِدَاءِ
    تنبيهات:
    (أ). من العلماء من يجعل الإصراف من الإقواء، ومنهم: أبو عمرو بن العلاء، وأبو عمرو الشيباني.
    (ب). عَدَّ العربُ اختلافَ حركةِ المَجْرَى بشقيها: الإقواء والإصراف، عيباً؛ لاختلاف نغَمِ أواخر الأبيات على أذن المستمع.

    كما فرَّقوا في اختلاف حرف الروي، من جهة المخرج، فقالوا بالإكفاء والإجازة:
    (1). الإكفاء:
    هو اختلاف الروي بحروف ذات مخرج واحد، أو متقاربة المخارج، كاللام مع النون، أو السين مع الصاد ونحو ذلك، والإكفاء عكس الإجازة. ومن الإكفاء بين حرفين لهما مخرج واحد، قول الشاعر:
    إذا نَزَلْتُ فاجعلاني وسَطَا
    إنِّي شَيْخٌ لا أُطيقُ العَنَدَا
    فالطاء والدال، حرفان لهما نفس المخرج، وهو رأس اللسان مع أصول الثنايا العليا، ويخرج منه ثلاثة أحرف، هي: الطَّاءُ والدَّالُ والتَّاءُ.
    ومن الحروف متقاربة المخارج، اللام مع الميم، في قول القائل:
    ألا هل ترى إن لم تكن أم مالكٍ = بملك يدي أن الكفاء قليلُ
    رأى من خليليه جفاءً وغلظةً = إذا قام يبتاع القلوصَ ذميمُ
    ومثله الجمع بين اللام والنون قول الراجز أبي ميمون النضر ابن سلمة العجلي:
    بنات وطاء على خد الليل
    لا يشتكين عملا ما أنقين
    وكالجمع بين الغين والغين، وهي حروف حلقية المخرج، قول الراجز:
    قُبِّحْتَ مِنْ سَالِفَةٍ ومِنْ صُدُغْ
    كأنَّها كُشْيَةَ ضَبٍّ في صُقُعْ
    (2). الإجازة:
    الإجازَةُ، أو الإجارَةُ، هي اختلافُ الرَّويِّ بحروفٍ متباعدةِ المَخارِج، والإجازة عكس الإكفاء. مثاله ما رواه البغدادي في خزانة الأدب:
    خليليَّ سيْرا واتركا الرَّحْلَ إنَّنِي = بمهْلكةٍ والعاقبات تدورُ
    فبيناه يشري رحْلَه قال قائلٌ = لمَنْ جملٌ رخْوُ الملاطِ نجيبُ
    البيتُ الأوَّلُ رَوِيُّه الرَّاءُ، والثَّاني الباءُ، والحرفانِ مختلفان ومتباعدانِ في المخرج، والذوق السليم يأنف منَ هذا العيب.
    تنبيهات:
    (أ). بعضُهم يَرى الإجازةَ نوعاً مِنَ الإكفاء، لأنَّهما اختلاف في حرف الروي، لكن الإكفاءَ تكون فيه الحروف متقاربة المخارج، مثل: (س، ص، ز) و(م، ن) و(م، ب)، و(ح، خ)، .... إلخ.
    أمَّا الإجازةُ فتكون فيه الحروف متباعدة المخارجِ، مثل: (م، ل) و (ب، ر) و(ج، د)، ... إلخ.
    (ب). الشعر الذي يقع فيه الإكفاء أوالإجازةُ، لا يعدُّ شِعْرَاً معتبراً، لأنه فقد ركن من أهم أركان القصيدة العربية، ألا وهو انتظام رَوِيِّ القافية.


    وأما قول صاحب الموشح: (
    والعرب قد تخلط فيما بين الإكفاء والإقواء).
    فهذا سنجعل له كلاما مستقلاً قريباً، إن شاء الله.

  6. #66
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبده فايز الزبيدي مشاهدة المشاركة
    أورد سعيد عقل في (الدليل في العروض) في معرض حديثه عن التضمين في القوافي، قولَ امرئ القيس:
    (وَتَعرِفُ فيهِ مِن أَبيهِ شَمائِلاً
    وَمِن خالِهِ (مِن) يَزيدَ وَمِن حُجَر

    سَماحَةَ ذا وَبِرَّ ذا وَوَفاءِ ذا
    وَنائِلَ ذا إِذا صَحا وَإِذا سَكِر). [ص: 28 ]

    قلت: سقط من عجُز البيت الأول حرف العطف: أَوْ. وهو خطأ طباعي، وتصويبه:

    وَتَعرِفُ فيهِ مِن أَبيهِ شَمائِلاً
    وَمِن خالِهِ( أَو ) مِنْ يَزيدَ وَمِن حُجَر
    فائدة:
    وهناك من يروي الشاهد بِـ(و)، بدلاً من (أوْ):
    وَتَعرِفُ فيهِ مِن أَبيهِ شَمائِلاً = وَمِن خالِهِ (وَ) مِنْ يَزيدَ وَمِن حُجَر
    ورواية الواو فيها قبض لِلجزء (مفاعيلن) في حشو البيت.

  7. #67
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    قال عبد الرضا علي في (العروض والقافية) في معرض حديثه عن المنسرح: (له تشكيلٌ آخر اسموه بـ (المنهوك)، تبعنا فيه رأي صاحب الإيقاع، في جعله من الرجز، فهو به أحفل إيقاعاً، وألصق تكويناً). [ص: 146].

    قلت:
    وصاحب الإيقاع، هو مصطفى جمال الدين، صاحب كتاب: (الايقاع في الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة)، وقد نقل عنه _عبد الرضا علي _ ،كما صرّح هو به.
    إذ قال صاحب الإيقاع: (يذكر العروضيون للمنسرح نوعاً منهوكاً، فضلنا ذكره مع الرجز؛ لأنَّه بالرجز أشبه). [122].
    والمنهوك عند صاحب الإيقاع، هو عندنا المجزوء، وقد ذكرتُ لك _أيها الكريم_ أن سبب هذا الاختلاف هو أن بعضهم نظر لوزن الشطر، وبعضهم نظر لوزن البيت.
    والصواب أن تكون التسمية بحسب وزن الشطر الذي على الدائرة، فمثلا وزن المنسرح التام هو:
    مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن
    والمجزوء، وهو الذي ذهب جزء من وزن شطره، هو:
    مستفعلن مفعولاتُ
    والمنسرح لا يقع منه المنهوك، لأن المنهوك هو ما ذهب ثلثاه، ولكن بعضهم ينظر لعد أجزاء البيت فيقول عن: (مستفعلن مفعولات) منهوكا، لأن عدد أجزاء البيت ستة، والصواب كما بيت لك أنه ليس إلا مجزوءاً.
    وحتَّى وإن قبلنا النظر للوزن من جهة عدد أجزاء البيت، فإنه لا يقع: (مستفعلن مفعولات) ثلاث مرات، فنقتطع ثلثه، ثم نسميه بالمنهوك.
    ثم إن صاحب الإيقاع ذكر وزنين لمنهوك الرجز __حسب زعمه_، هما:
    (أ). الرجز المنهوك المذيل: (مستفعلن مفعولان).
    (ب).
    الرجز المنهوك الصحيح: (مستفعلن مستفعلن).
    ولا خلاف على أن (مستفعلن مستفعلن) من الرجز، وهو عندي من المجزوء، فحسب.
    وأمَّا الوزن: (مستفعلن مفعولان) فهو عندي من المنسرح، الذي يأتي من وقْفِ (مفعولاتْ) فحسب، بينما يأتي في الرجز _ لو قبلناه جدلاَ_ من قطع (مستفعلن) فتصبح (مفعولن) ثم تُذال فتصير هكذا (مفعولان).
    ومن قواعد فكِّ الاشتباك، في حال تداخل البحور: الحَمْل على الأصل، وعلى الأخف عملا، وعلى الأحسن.
    والوقف في المنسرح، أخفّ عملا، وعملا بالأصل، وأحسن من جهة نوع التغيير، من القطع والتذييل في البحر الرجز.

  8. #68
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    قال عبد الصاحب مختار في دائرة الوحدة: (فالأبيات إذن هي الوحدات الوزنية الموسيقية، وليست الموازين، وبها يلتزم الشاعر وزنا ينتهي في كل بيت إلى نهاية توازن يستقر فيها النغم بين شطريه). [ص: 64].
    قلت:
    هذا الكلام نقله عن صاحبي (نظرية الأدب) : (...الوحدة الأساسية في الإيقاع ليست التفعيلة، وإنما هي البيت كله، فليس للتفعيلات وجود مستقل ....).
    وهذه مغالطة، فليس كل شعر يأتي على هيئة بيت، فهناك المشطور.
    وهناك الشعر السطري، كما في: شعر التفعيلة، والشعر المقطعي.
    وقوله: (فالأبيات إذن هي الوحدات الوزنية الموسيقية) ولو لم يردف بعدها بقوله: (وليست الموازين)، لقبلنا كلامه مجازاً. أي لاعتبرنا أنه يرى أن تمام الشعر في البيت هو الوزن والقافية.
    ولكنه نفى نفيا قاطعا أن تكون (الموازين) أي التفعيلات هي الوحدة الوزنية.
    والجواب عن هذه المغالطة من وجوه عدة، منها:
    (1). أن الأبيات تكوّن القصائد، فما الذي يكون البيت؟
    فكما أن الحجر أو الآجر هي الوحدات التي تبنى بها البيت المسكون، فكذلك التفاعيل تبني البيت الموزون، وهذا منطقٌ، يتفق فيه العالم مع العاميّ.
    (2). لو افترضنا ألَّا فائدة للموازين عند بناء البيت الشعري، فلماذا تُذكر، وتبيَّن حدودها، ومكوناتها؟
    والحَقيقُ الذي لا مراء فيه، أن كل علوم العروض، في جميع اللغات، تبني أوزانها على التفاعيل، وهذا معلوم في الشعر العربي والأعجمي، فالعربية تبني أوزانها الشعرية على العلاقة بين المتحرك والساكن، بينما في اللغات الإفرنجية تكون العلاقة العروضية بين المنبور وغير المنبور.
    (3). في العربية ميَّز أهل العلم الوحدة الوزنية أنها وحدة أساس النغم، فمثلا:
    كل (فعولن مفاعيلن): هو من الطويل طال الشعر أم قصًر.
    وكل (مستفعلن فاعلن): هو من البسيط طال الشعر أم قصًر.
    وكل (مستفعلن): هو من الرجز طال الشعر أم قصًر.
    وكل (فعولن): هو من المتقارب طال الشعر أم قصًر.
    (4). الكاتب ناقض نفسه بنفسه حين قال: (... وزن الهزج: دَدَنْ دَنْدَنْ، ووزن الرجز: دَنْ دَنْ دَدَنْ، ...........). [ص: 65].
    فقد أثْبتَ أنَّ (دَدَنْ دَنْدَنْ) والتي تساوي (مفاعيلن) تؤلّف وزن الهزج، و(مفاعيلن) تفعيلة، وليست بيتاً كاملاً، وقِسْ على هذا في الجواب عن وزن الرجز، وغير هذا.

صفحة 7 من 7 الأولىالأولى 1234567