(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ)
تأمل في تتابع المعاني وترتيبها :
(إن يشأ يذهبكم)
الذي يسمونه الانقراض
(ويستخلف من بعدكم مايشاء)
كيف ياربي تستخلف ؟
(كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين)
أي ينشئ من ذريتكم قوما ثم يجعلكم تنقرضون واو ويبقى القوم الذين أنشأهم منكم .
ويدل هذا على أنه قد جعل القوم الذين أنشأنا منهم ينقرضون لأن المعاني بينها تناسب وعلاقات وبعضها يدل على بعض فلما استخلفنا جعل الذين أنشأنا منهم ينقرضون والذين أنشأنا منهم لابد أنه قد أنشأهم من قوم آخرين ثم انقرضوا وهكذا حتى نصل الى أصل أنواع الإنسان أو الأقوام .
يقول الطبري :
وأما قوله: (إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء)، فإنه يقول: إن يشأ ربُّك، يا محمد، الذي خلق خلقه لغير حاجة منه إليهم وإلى طاعتهم إياه =(يذهبكم)، يقول: يهلك خلقه هؤلاء الذين خلقهم من ولد آدم (ويستخلف من بعدكم ما يشاء)، يقول: ويأت بخلق غيركم وأمم سواكم، يخلفونكم في الأرض =" من بعدكم ", يعني: من بعد فنائكم وهلاككم =(كما أنشأكم من ذريَّة قوم آخرين)، كما أحدثكم وابتدعكم من بعد خلق آخرين كانوا قبلَكم .
أعتقد أن الطبري يقصد أن الإنسان جاء بعد نوع آخر من الخلق ولذلك قال بعد ذلك :
ومعنى " مِنْ" في هذا الموضع التعقيب, كما يقال في الكلام: " أعطيتك من دينارك ثوبًا ", بمعنى: مكانَ الدينار ثوبًا, لا أن الثوب من الدينار بعضٌ, كذلك الذين خوطبوا بقوله: (كما أنشأكم)، لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنهم أنشئوا من أصلاب قوم آخرين, ولكن معنى ذلك ما ذكرنا من أنَّهم أنشئوا مكان خَلْقٍ خَلَف قوم آخرين قد هلكوا قبلهم .
هل لاحظتم ؟
لابد أن يجعل معنى حرف الجر(من)هكذا والا يكون المعنى كما قلت لكم :
يستخلف إنساناً من إنسان وليس يستخلف خلقاً مكان خلق .
ويقول الطبري:
لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنهم أنشئوا من أصلاب قوم آخرين,
أعتقد أنه يقصد أنساب الناس مثل أن قريش من كنانة وكنانة من مضر فقريش كلها من صلب الرجل الذي يسمى كنانة .
لأنه لايتصور أن هناك أنواع من فصيلة الإنسان وحتى بعض العلماء في زماننا يشمون من مثل هذا الكلام رائحة الإلحاد لأن بعض الملحدين وجهوا هذا العلم توجيه يخدم معتقدهم وتراهم يضعون الصورة المشهورة التي فيها أنواع الإنسان متسلسلة حتى القرد ولايعرفون شيئا إذ لايوجد دليل علمي واحد على أن الإنسان نشأ من القرد أي أن هناك فراغا بين القرد وأول إنسان ولاتوجد أحافير تملأ هذا الفراغ إنما يقول بعض العلماء نظن أنه كذا وكذا . وبين فترة وفترة يقولون أنهم اكتشفوا الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد ثم يظهر أن الأمر ليس كذلك .
يريدون أن يجعلوا أصل الإنسان قردا بأي شكل من الأشكال .
وهنا سؤال :
كيف آمنوا بأن الإنسان أصله قرد وهناك حلقة مفقودة بين الإنسان والقرد كما يقولون ؟
أليس علماء ؟
لا علماء ولا بطيخ .
""سنة 1953، ذهل الجميع عند قيام عدد من العلماء بنشر تقرير مفصّل حول حقيقة إنسان بيلتداون والذي تبين أنه لم يكن سوى مزيج مفبرك من بقايا جمجمة رأس إنسان من العصور الوسطى وفك قرد أورانغوتان ثبّتت به أسنان قرد شامبانزي.""
ومثل هذا الخبر كثير فهذا العلم فيه التزوير وليس أكثره صحيحا والله أعلم بما نظنه أنه علم مبني على استنتاج صحيح من أحافير حقيقية غير مزورة .
الله أعلم فيمكن أن تكون هذه الأحافير أيضا مزورة .
وبعد هذا هناك سؤال مهم :
من هو آدم ؟
الحياة كلها أسرار من الكون حتى أنفسنا والتقدم العلمي لايفسر ولايجيب الا على أقل من القليل ومايفول أنه صواب قد يقول في المستقبل أنه خطأ أو قد يقول حصل تزوير .
حسب فهمي للآية آدم عليه السلام لايكون الا شيأين :
إما أنه الأصل الذي يتسلسل إليه أنواع الإنسان وهنا إشكال وهو أن الاستخلاف يكون نوعين استخلاف(إني جاعل في الأرض خليفة)واستخلاف(كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين).
وإما أن آدم عليه السلام قد أنشأه الله من ذرية قوم آخرين فيكون الاستخلاف استخلافا واحدا . وهنا إشكال كبير جدا وهو أن هذا معناه يكون أن آدم عليه السلام له أب وأم وهذا لايجوز ولذلك من قال بهذا لابد أن يقول أن آدم خلقه الله في الجنة ثم هبط الى الأرض فوجد المخلوقات الإنسانية ليتناسل معها وينتج هذا النسل الإنساني الذي نعرفه .
وللعلماء أقوال في جنة آدم قول بأنها في الأرض وقول بأنها في السماء وبهذا القول يصير آدم من المخلوقات الفضائية ونحن كذلك .
رأيي أن آدم عليه السلام هو أصل أنواع الإنسان ولابد أن نقول هذا لأن آدم ليس له أم وأب ولأن هناك حلقة مفقودة كما يفولون بين الإنسان والقرد وقد ثبت بالقرآن أن هناك قردة أصلهم بشر .
لماذا مسخهم الله سبحانه وتعالى قردة؟ وليس حيوانا آخر .
(كونوا قردة خاسئين)
خاسئين حال لأن معنى كونوا صيروا وصار معناها التحويل من صفة الى صفة تقول صار العنب زبيبا يعني تحول العنب الى زبيب .
ولكن الزبيب أصله عنب .
فهم يريدون أن يجعلوا الإنسان تحول من قرد الى إنسان .
والحقيقة أن هناك بشرا تحولوا من بشر الى قردة لكنهم طبعا لايؤمنون بهذا .
كلمة(خاسئين)قد يكون لها دلالة على غير أنهم صاروا خاسئين صاغرين لأنه لو مسخهم حميرا مثلا لكانوا خسؤوا أكثر فيكون ارتباط معنى خاسئين بالقردة له وجه يفهم به لماذا مسخهم قردة وليس حيوانا آخر .
كذلك قال(كونوا)في أكثر من آية(قلنا لهم كونوا)بناء العظمة وبكونوا مثل كن فيكون.
(إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)
كن فيكون معناها كن فكان احصل فحصل والفعل المضارع مستخدم مكان الماضي لمعنى نحوي لاشك في ذلك .
هل لاحظتم؟
كن فيكون ... خلق آدم .
كونوا قردة... مسخ لقوم من بني إسرائيل .
(قلنا لهم كونوا قردة)
المسخ كأنه شيء كالخلق لكن لما قال لهم(كونوا قردة)فإنهم صاروا قردة فورا ... ولم يتطوروا فيصيرون قرودا .
لكن آدم قال له(كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)أي ثم قال له كن فكان واستخدم(يكون)موضع(كان).
ثم قال له كن فكان
أي بعد أن قيل كن كان فورا أو بمهلة في الوقت.
ثم قال له كن فيكون
كأنه هناك وقت بين كن ويكون
وقيل أن معناها فإذا هو كائن
هل لاحظتم ؟
كأن آدم اثنين وليس واحدا أو كأن هناك إشارة الى شخصين(كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)واصح أن(فيكون)مستخدمة موضع(فكان)ليس لمعنى نحوي فقط بل بطريقة كأن في الجملة خلل فينتبه القارئ يعني هناك إشارة وتنبيه .
بعد أن قيل له كن كم استغرق من الوقت حتى كان ؟
مهما كان لقد كان يمكن أن يقول(فكان)وبالفعل كان سيدنا آدم وكانت قصته مع الملائكة وإبليس ... لكن يكون فيها إشارة لشيء ليس أنه كان بعد زمن لأن هذا المعنى موجود في(كان)في سياق الجملة(كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن.....) فكان فوراً أو بعد وقت ... احصل فحصل فورا أو بعد وقت .
ركزوا في الجملة(ثم قال له)...(كن)هذي هي مقول القول وهي جملة محكية يعني هذا الذي قيل له .. ثم بعد ذلك(فكان)ليست من مقول القول ولكن إخبار أنه حصل .
يعني ماقال مثلا لما قال له كن كان ... هذي معناها فورا لأن لما فيها معنى الزمان والشرط .
يقول تعالى(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)يكون في موضعها لان الكلام على المستقبل إذا أراد شيئاً ... لكن في تلك الآية أصبت أم أخطأت لاشك أن فيها سراً يتعلق بآدم وبالبشرية .
كأن هناك شخصان شخص ينطبق عليه(فكان)وشخص ينطبق عليه(فيكون)آدم الثاني ... آدم خلق وآدم تطور مثل قولهم نوح أبو البشرية الثاني. ويمكن يكون كلامي خطأ .
والله أعلم