رأي في القهوة


يختلف الناس في سر القهوة وتختلف آراؤهم : الرائحة، اللون، المذاق، القوام، الخلطة، الهال، درجة التحميص، وغير ذلك من الصفات ، أما أنا فأرى انه" التوقيت".
أعظم ما القهوة " التوقيت" ، أن تجدها في يدك فور أن تتمناها . فمن أجمل اناقات العيش، تلك اللحظة التي يتحول فيها" ترف" صغير إلى " ضرورة " ، والقهوة يجب أن يقدمها لك شخص ما . القهوة كالورد، فالورد يقدمه لك سواك ، ولا احد يقدم وردا لنفسه، وان أعددتها لنفسك فأنت لحظتها في عزلة حرة بلا عاشق أو عزيز ، غريب في مكانك ، وان كان هذا اختيارا فأنت تدفع ثمن حريتك، وان كان اضطرارا فأنت بحاجة إلى جرس باب.
والقهوة مذاقات ، وأذواق، الشقراء والسمراء والمحروقة والوسط، ومن ملامح من يقدمها لك ، وظرف تقديمها ، تكتسب معانيها المختلفة ، فقهوة التعارف الأول غير قهوة الصلح بعد الخصومة، وغير قهوة يرفض الضيف احتساءها قبل تلبية ما جاء يطلبه، وقهوة الكتابة غير قهوة القراءة، وهي في السفر غيرها في الإقامة ، وفي المقهى غيرها في البيت، وقهوة الركوة غير قهوة الآلة، وهي من وجه مليح في الكفتريا غيرهما من وجه متجهم منكود، وان قال لك زائر الفجر وهو ينتزعك من عائلتك ويقتادك بلطف رسمي وابتسامة مسلحة، نريدك على فنجان قهوة " عندنا" فهذا احد أنواع الخطف أو القتل. فالغبي هو من يطمئن لقهوة الحكومة، وقهوة العرس غير قهوة العزاء ، حيث تفقد " القهوة السادة " كل معانيها، يديرها على الجالسين المنكوبين ساق منكوب لا يعرف ضيوفه ولا يسألهم كيف يفضلونها، فلا الساقي ساقي ولا القهوة هي القهوة وفنجانها مخروطي بلا أذن، لا يعنيك توقيتها ولا مذاقها وهي أخر ما يهمك في يوم كذلك اليوم كأن اسمها سقط عنها إلى الأبد.