41 بدون لون
ـــ هي النهاية إذن ؟
ـــ نعم .
ـــ وهل تظن الوقت مناسبا ؟
ـــ أنسب وقت .
ـــ مجرد كلام .
ـــ حقا .. ولم ؟
ـــ لأنك لا تستطيع الاستغناء عني .
ـــ إنك أتفه من أن أحتاج إليك بل ومن أن أستغني عنك .
ـــ ما أسهل الكلام . هل تستطيع البرهنة على ذلك ؟
ـــ بالتأكيد ألم أكن أحيا بدونك من قبل ؟ أجب .
ـــ أية حياة تلك التي كنت تحياها قبلي .
ـــ يا للغرور . إنك مصاب بتضخم رهيب في ذاتك .. ها ها تصور أن يكون لمثلك ذات .
ـــ لا داعي للسخرية .
ـــ أنت البادئ .
ـــ لنعد إلى موضوعنا الأساسي . نعم كنت تحيا بدوني .
ـــ فلماذا إذن لا أستطيع الاستغناء عنك ؟
ـــ ليس دخول الحمام كالخروج منه .
ـــ وما حاجتي إليك ؟ ألا ترى وجاهتي . حلة جميلة . ربطة عنق .. قبعة أفتخر بها بين الناس ويحترمني من أجلها الجميع .
ـــ ولو . بدوني لا احترام على الإطلاق .
ـــ كيف أيها الحقير ؟
ـــ سوف أتغاضى عن هذه الإهانة . هل تستطيع أن تتخيل هيئتك هذه بدوني ؟
ـــ وماذا في ذلك ؟ بل على العكس لقد أساء إلى وجودك إساءة بالغة .
ـــ ومع ذلك لا تستطيع أن تدعي أن وجودي أسوأ من عدمه .
ـــ بل هو كذلك .
ـــ لا تغالط نفسك حاول أن تتخيل نفسك سائرا في الطريق مكتمل الأناقة حافي القدمين .
ـــ أليس أفضل من ارتداء حذاء بال كالح اللون سليط اللسان مثلك .
ـــ وهل وجدت غيري وقلت لا. احمد ربنا على النعمة .
ـــ نعم وجدت الكثير وأنت تعلم جيدا .
ــ أي كثير هذا ؟! أتسمي هذه الأشياء الخفيفة المهترئة أحذية .. مرة حذاء كاوتشوك من باتا ومرة أخرى ولا داعي لأن أقول فأنت تعلم جيدا وأخيرا هذا الحذاء الخفيف من تلك الماركة المسماة ْ{ كوتشي } .
ـــ ولكنها كانت جميعا جديدة ولا تنكر أنها كانت مقاسي تماما .
ـــ ولا تنكر أنت أنني أول حذاء جلدي مستقيم في حياتك كلها . ألا تعلم ماذا كان كان يقول الناس عنك وأنت تمضي بينهم في سهراتهم بحلتك الكاملة ومعها حذاء { كوتشي } .
ـــ لعلهم كانوا يقولون أنني متحرر أو { سبور } أو ..
ـــ أو صايع . لا تنكر أنني أضفت بعدا اجتماعيا لحياتك ..
ـــ اخرس أيها الحقير . لم يبق إلا أنت ألا تنظر لنفسك في المرآة ؟
ــ ألا يعجبك مظهري .. رضينا بالهم .. هذه هي مؤهلاتك .. ماذا كنت تريدني إذن ؟ هل كنت تريدني { لميع ع الزيرو } أو ربما استعمال طبيب .. لا تنس مكوثك على المقهى ست سنوات في انتظار أي شئ إلى أن رضيت أنا بك .
ـــ أتسخر مني وتعيرني .. تبا لك .. ثم إنني لم أجلس على المقهى أبدا .
ـــ أنا لا أسخر منك .. لا تهرب أنت من واقعك .
ـــ أي واقع أيها الحقير .. هل أنت المناسب لمؤهلاتي ؟
ـــ ما زلت تسميني الحقير .. أليس هذا الحقير هو من أكسبك بعض الاحترام بين الناس .. أليس هذا الحقير هو من وقاك شر المسامير والزلط .. وخلافه .. أليس هو من ..
ـــ ألا سحقا لك ولمميزاتك الوهمية أنسيت أنك تكاد تخنقني خنقا إنك تضغط على أعصابي باستمرار .. لقد كدت أن تصيبني بالشلل .
ـــ لماذا ؟
ـــ لماذا !! أنسيت أنك مقاس 41 بينما مقاسي الفعلي 43 .. ألا تعلم أنك بصغر مقاسك هذا تضطرني للسير في الطريق التي تحددها أنت لا أنا .. من في الدنيا يتصور أن يسيَر الحذاء مرتديه .
ـــ مهلك هل كلفت نفسك يوما الاهتمام بي بشيء من الصبغة أو الورنيش .. ألا تخجل ؟!
ـــ ما كان ينقصني إلا هذا .. أتريدني أن أهتم بك !.. أنا لا آخذ منك إلا الغم ووجع الدماغ.
ـــ إنه واجبك ما دمت تستفيد مني .
ــ أي استفادة أجنيها منك إلا التعب والشقاء .. أنسيت جلدك المشقق الخشن أم مظهرك الغبي الذي لم يجلب إلا الاحتقار .. فبدونك كانوا يسمونني ذا القبعة أما الآن فقد أصبح اسمي ذا المركوب .
ـــ مركوب ؟! أهذا لفظ مهذب تتفوه به .
ـــ إنه أنسب لفظ لك .. ياه كيف تاه عني طوال الفترة الماضية .. تماما مثل مركوب أبي القاسم .
ـــ لقد قلت الخلاصة .. ودائما العبرة بالنهاية .. أتذكر كانت النهاية هي انتصار المركوب على أبي القاسم .
ـــ أتقصد أنني لن أستطيع الخلاص منك ؟
ـــ جرب وسترى .
ـــ سأريك فورا هاهو رباطك المهترئ قد حُل .. والآن سوف { أنطرك } من قدمي لتذهب إلى الجحيم حيث مأواك أنت و أمثالك و…
ـــ فلم الانتظار إذن ؟
ـــ أريد فقط أن أخلص قدمي من قذارتك التي جعلت قدمي تلتصق بك .
ـــ ها ها لماذا لا تكون صريحا وتقر بأنك لا تستطيع التخلص مني أو بمعنى أدق
الاستغناء عني .
ـــ أيها الحقير كيف التصقت بقدمي بهذه الصورة ؟
ـــ أنا لم ألتصق بقدمك .. خيالك المريض هو الذي صور لك هذا .
ـــ ما هذه الفصاحة أي خيال ؟ .. لا تنس أنك مجرد حذاء .
ـــ خيالك الذي يجعلك تهرب من واقعك ولكنني لك بالمرصاد . . سأقولها لك .. بمنتهى البساطة لقد تعودت قدمك على رغم احتقارك لي ولن تستطيع الاستغناء عني قبل أن تجد لي بديلا .
ـــ سأقتص منك أيها الوغد .
ـــ لماذا ؟ لأني عريتك أمام نفسك وقلت لك ما لم تكن تستطيع قوله ؟
ـــ اسكت لا أريد أن أسمعك .
ـــ بل ستسمع .. لقد حاولت التخلص مني وعجزت .. ومن حقي الآن أن أتخلص منك ولكنني سأكون كريما معك ولن أفعل ولك أن تتخيل نفسك بعد أن أتخلص أنا الحذاء منك أنت الآدمي .
ـــ لا داعي لهذا الكلام .
ــ ها قد بدأت تعود لرشدك وتحولت لهجتك من التعالي إلى التواضع .. وربما بعد قليلل تتحول إلى التوسل ولكنني كرما مني لن أجعلك تصل إلى هذه الدرجة .. فقط تذكر أنه من الآن فصاعدا فالكلمة أصبحت لي أنا …. والآن إلى أين تذهب ؟
ـــ كنت ذاهبا جهة اليسار لأمر ما .

ـــ إذن لليمين سر .

ــ سمعا وطاعة .

[line]
من مجموعة " الرجل الذي فقد أنفه "نوفمبر 1990 برقم ايداع 8388/1990.
نشرت في جريدة القبس 24/6/2004 ( الكويت )