بأي عينٍ تراها ؟

اليومَ نبدأُ من فرضيةٍ مهمةٍ ... إِنها رسوخُ الحبِّ بين طرفين خُلقا ليجتَمعا ، لتنبني بينهُما علاقةٌ أبديةٌ ( مؤبديةٌ ) تنبني بها الحياة السويةُ ، وأطرحُ هذا الموضوع لأني أغتاظ من اصطلاحات ( الزوجة , الحبيبة ، العشيقة ، الصاحبة ، و الصديقة ) في غير مدلولاتها ، وإن كنت أصوغها بصيغة التأنيث فهي موجودة كقرين بصيغة التذكير .
الكثيرون يشتكون ــ وما أكثر شكاية البشر ــ فهم إن لم يجدوا ما يشتكون منه اشتكوا من أنهم لا يشتكون ، المهم أن الشكاية طبع لكن لا يجد الرجل الجرأة أن يشتكي من زوجته في حضرتها وإنما يلوث العلاقة بالشكاية للآخرين
لا تغضب يا صديقي .
لا تنتصري يا صديقتي .
فأنتما اقتسمتما الجرم ؛ لأن الحب بأدنى درجاته يعصم اللسان من القدح في الآخر حتى لو كان بينهما ما بينهما ، وذلك لأن ما انكشف من كل منهما للآخر لم ينكشف من المرأة لأب ولا من الرجل لأم .
نعم من هنا نأتي للعقدة :
إنها التطبيق العملي للحب في أسمى حالاته التي لم تستح الكتب السماوية في استعراض دورها في إعمار الكون ولم يستح العلماء والمفكرون والكتاب في بيان دورها لتأصيل الحب بين الذكر والأنثى ، وهي أعظم دليل على طهر العلاقة ، لكن للأسف ؛ النعمة إذا زادت على العبد مجَّها وبحث عن البدائلِ . إنه يبحث عن بديلِ القمةِ . أي يتجهُ إلى القاعِ ، والقاعُ هُنا سحيقٌ ، وإنني أرى أن النظرة للزوجة هي السبب الأساسي لحدوث الكثير من المشكلاتِ التي تقتل الحب أو تجمده مختنقًا .
فلا ينبغي للرجلِ أن ينظرَ للمرأةِ من منظوره الشخصي ، لا ينظر إليها دائمًا بعينه ، بل لابد أن ينظر إليها بعينها هي كي يرى منها ما تحب هي من نفسها ، ولا أعتقد أن امرأة تنظر لنفسها بعين القبح .
لابدَّ للرجلِ أن ينظرَ لحبيبتهِ من خلالِ عين الآخرين ، ولا مانعَ من ذلك لأنه قد يجد زاويةً دقيقةً يرى منها الجمالَ الحقيقي ، ولا يجب أن ننسى أن الجمالَ مسألةٌ نسبية لا حساب لها ولا حل لرموزها ، أي أن نسبية أينشتاين أسهل منها ، وبالتالي إذا تيقن الرجل أن المرأةَ عالمٌ كاملٌ متكاملٌ سيعرف أن من الواجب عليه أن يحلِّق في سمواته ؛ ليراه من بعد ويندس في حناياه ليراه من قرب ويتفحص خطوطه ليمارس أعظم طرق النقش على المادة الأزلية التي هي في حاجة دائمة للارتواء كي تبقى غضة دون تشقق ؛ فالشقوق لا تنطوي إلا على ما لا نحب .
على الرجل أن يُشعرها أنها الطائرُ الطليقُ في سمواتٍ لا حدود لها وأنه مستعدٌ لأن يجوب معها الفضاء متى أرادت إعلان الرحلةِ . فإن حلَّقت المرأةُ في الحُلمِ فلا يجب على الرجل بأي حالٍ أن يحاولَ التدخل في حالةِ الطقسِ ولا مسار الرحلة .
ولنعلم نحن الرجالَ أننا من المرأةِ كما هي منا . دعها تفرد أجنحتها وتُحدثك بلا رهبة في لحظاتِ الصفاءِ التي ينبغي أن تكون هي كامل اليوم ، ولا تمارس عليها طاقاتكَ التي نُفاخرُ بها أمامَ الرجالِ ؛ لأنها لحظة تأتي تَوَجّبَ أن تَفر أنت من هذه الممارسات التي أراها لا سوية .
انظر إليها بعين تتحرر من كل القوميات .عش معها اليوم على أنها الصاحبة ، وُبح لها لأنها الصديقة ، ترفق بها لأنها الحبيبة ، كن شطرها لأنها الزوجة ، تسلل إليها كأنك تتخفى من عيون الفضاء ، اهمس لها فلا يسمعك الصمتُ ، أشعرها أنك تتوارى بها عن عيون الإنس والجن لأنها العشيقة . ألا يجدر بها أن تكون عشيقتك التي تكف عنك التهتك ؟! انظر إليها بعين الصبح الذي ينسلخُ من الليل ، وبعين النهرِ الذي يحنو عليه الأصيل ،اغمرها بعينيك ، طوقها... كبلها بصمت ينطق اللغة التي لا تحتاج إلى ترجمةٍ لأنها لغة اللغات ، تجدد لها ما استطعت ؛ فالنساء يمقتن الثباتَ ، كن كل الرجالِ في رجل واحد . اجعلها تبحث عنك فيك ، وكلما بحثت وجدت رجلاً هو فتى أحلامها.
انظر إليها بألف عينٍ وعين من عدد لا متناهٍ من الزوايا ؛ تجدها دوحةً تثمر كل أنواع الثمار بلا اعتبار للفصول .
انظر إليها تُساقِط عليك من رُطبها وتسقيك من زَمزمِها.
إنها عالم فكن به داخلاً لا مقتحمًا .


دوموا بالحب . وانتظروني أكمل لكم
بالحب ... للحب ... في الحب ...
18 /6 /2006
مأمون المغازي