صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13

الموضوع: أنا التاريخ

  1. #1
    من مواضيعي

      افتراضي أنا التاريخ

      أنا التاريخ

      نطقوا باسمي على خشبات المسارح، زوّروا توقيعي، ألبسوني مهلهل الأزياء....سقوني من أغراضهم قوارير دماء. سفن القراصنة كانت أقلاما سطّرت قصص بطولات طوى الموج صحائفها. كذبوا ... أكثروا في الموت طقوس الإجلال ، ساقوني في دروب الخوف بلا سبب، قدّسوا جبن الجلاّدين وقسوتهم. ألجموا كل مصلح حكيم، قتلوا الأنبياء، سجنوا الفلاسفة، ونفوا رواد الفكر إلى جزر بعيدة، ولوثوا حجرات المعابد بلهاث الخطايا!
      وحين أطل فجر الرشد على غابة الأفهام، انتحلوا جلابيب الكلام في أمور أشكلت على الفهم وبثت الحيرة في مسارح العقول... وقالوا في الغيب أكبر الأكاذيب، زوّقوها بخيوط سندسية مسروقة من بساتين العلم الغنّاء! لم يعلموا بما شربت غيوم الأندلس من حروف يوم أطعموا النار كتابات ابن رشد، ولم يخطر ببال دعاة القضاء أنني ختمت على صكّ براءة جاليليو قبل أن يتفوهوا بإدانته، ونشرته بنت الحقيقة على كتف القرن العشرين...
      كانت للأكاذيب أردية واسعة في ساحة الدهر، فأكلت أرضة الأفكار منها حتى لم تبق فيها ما يستر الحقيقة إلا لبضع سنين، بل لبضع سويعات! الكل يطير، يحلق في سماء الحياة : الغبار الحشرات وخلايا الفطر والطحالب! ومثلما تحلق أسراب الطيور تحلق الأسواق وغرف الندوات والصور والأشكال والأنغام ونواح الأرامل والأيتام... الكل يسمع ويشاهد كيف تتلاقح الأكاذيب وتتناسخ الأساطير...
      لكل عصر أساطيره وخرافاته ليبقى الشرّ أبدا في غمرة النشوة ممنطقا بغلالة السخرية من سذاجة بني البشر... هي الأساطير تتوالد فيرث خلفها من سلفها الغموض والعجز أمام المستحيل، بينما الحقائق تتكشّف في توالدها عن أنوار تزداد ألقاً وانتشارا فتقلّص من مدى المستحيل وتحصر الجهل في جيوب أضيق من لباس الزمن الآتي. أما الموت فيتم دورة النواميس الطبيعية ليختم فصلا تَمّ العمل به في دور السابق، ويبدأ فصلا يُنتظر أن يكون لبنة في نسيج اللاّحق. يرى الإنسان الموت مصيبة حتمية الحدوث وهو يجهل مطلقا مصيره الغيبِي ولن يستطيع الحياة ككائن سويّ بغير مرجع للطمأنينة الروحية؛ لذا كانت للمعتقدات المكانة العليا في خصائص المجتمع الإنساني!
      لم يسبق أن وجدت على الأرض شعوب دون معتقدات، بل كانت على تخلفها وجهلها تتمسك بعقائدها وتقدم القرابين والتضحيات طائعة راكنة لإيمان لايبقره شوك الظن... وكم مرة وقفت هنا على حافة بركة الأكاذيب حيث تتمازج الحيل بافتراءات الكهنوت، لتشكيل الخرافة واختلاق الأسطورة، وهي العيب الذي مازال أهل الأرض يشتمونني به...

    • #2

    • #3
      من مواضيعي

        افتراضي

        اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمو الحسن الإحمدي مشاهدة المشاركة
        مــاتع ماسطــره قلمك هنــا أيهــا السامق
        تقبـل إعجـابي الكبير بحرفك الباسق ..
        ودي ووردي ..
        شرفني مرورك أيها الأخ العزيز

        بورك قلمك وبورركت قريحتك فأنا مازلت أمرّ بما تخطه على وجه الزمن

        فأجد الروح الشاعرية والأدب الفياض

      • #4

      • #5
        الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار
        مستشار المدير العام
        مفكر وأديب

        تاريخ التسجيل : Aug 2006
        المشاركات : 1,897
        المواضيع : 99
        الردود : 1897
        المعدل اليومي : 0.27
        من مواضيعي

          افتراضي

          نص ممتع متفرد

          تحية ود وورد وسلام
          تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

        • #6
          الصورة الرمزية مازن سلام
          شاعر
          تاريخ التسجيل : Jul 2007
          الدولة : فرنسا
          العمر : 63
          المشاركات : 646
          المواضيع : 16
          الردود : 646
          المعدل اليومي : 0.10
          من مواضيعي

            افتراضي

            السيد محمد المختار زادني المحترم
            كتبوا لنا تاريخاً,
            ولم يكتبوا تاريخنا...
            ولأننا أنفسنا انقسمنا ومازلنا,
            لم نكتب شيئاً ,
            وبقينا نعيش على أمجاد من سبقونا
            كل التحية
            مازن سلام

          • #7
            الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي
            شاعر
            في ذمة الله

            تاريخ التسجيل : May 2006
            الدولة : محارة شوق
            العمر : 66
            المشاركات : 3,528
            المواضيع : 160
            الردود : 3528
            المعدل اليومي : 0.50
            من مواضيعي

              افتراضي

              اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد المختار زادني مشاهدة المشاركة
              أنا التاريخ
              نطقوا باسمي على خشبات المسارح، زوّروا توقيعي، ألبسوني مهلهل الأزياء....سقوني من أغراضهم قوارير دماء. سفن القراصنة كانت أقلاما سطّرت قصص بطولات طوى الموج صحائفها. كذبوا ... أكثروا في الموت طقوس الإجلال ، ساقوني في دروب الخوف بلا سبب، قدّسوا جبن الجلاّدين وقسوتهم. ألجموا كل مصلح حكيم، قتلوا الأنبياء، سجنوا الفلاسفة، ونفوا رواد الفكر إلى جزر بعيدة، ولوثوا حجرات المعابد بلهاث الخطايا!
              وحين أطل فجر الرشد على غابة الأفهام، انتحلوا جلابيب الكلام في أمور أشكلت على الفهم وبثت الحيرة في مسارح العقول... وقالوا في الغيب أكبر الأكاذيب، زوّقوها بخيوط سندسية مسروقة من بساتين العلم الغنّاء! لم يعلموا بما شربت غيوم الأندلس من حروف يوم أطعموا النار كتابات ابن رشد، ولم يخطر ببال دعاة القضاء أنني ختمت على صكّ براءة جاليليو قبل أن يتفوهوا بإدانته، ونشرته بنت الحقيقة على كتف القرن العشرين...
              كانت للأكاذيب أردية واسعة في ساحة الدهر، فأكلت أرضة الأفكار منها حتى لم تبق فيها ما يستر الحقيقة إلا لبضع سنين، بل لبضع سويعات! الكل يطير، يحلق في سماء الحياة : الغبار الحشرات وخلايا الفطر والطحالب! ومثلما تحلق أسراب الطيور تحلق الأسواق وغرف الندوات والصور والأشكال والأنغام ونواح الأرامل والأيتام... الكل يسمع ويشاهد كيف تتلاقح الأكاذيب وتتناسخ الأساطير...
              لكل عصر أساطيره وخرافاته ليبقى الشرّ أبدا في غمرة النشوة ممنطقا بغلالة السخرية من سذاجة بني البشر... هي الأساطير تتوالد فيرث خلفها من سلفها الغموض والعجز أمام المستحيل، بينما الحقائق تتكشّف في توالدها عن أنوار تزداد ألقاً وانتشارا فتقلّص من مدى المستحيل وتحصر الجهل في جيوب أضيق من لباس الزمن الآتي. أما الموت فيتم دورة النواميس الطبيعية ليختم فصلا تَمّ العمل به في دور السابق، ويبدأ فصلا يُنتظر أن يكون لبنة في نسيج اللاّحق. يرى الإنسان الموت مصيبة حتمية الحدوث وهو يجهل مطلقا مصيره الغيبِي ولن يستطيع الحياة ككائن سويّ بغير مرجع للطمأنينة الروحية؛ لذا كانت للمعتقدات المكانة العليا في خصائص المجتمع الإنساني!
              لم يسبق أن وجدت على الأرض شعوب دون معتقدات، بل كانت على تخلفها وجهلها تتمسك بعقائدها وتقدم القرابين والتضحيات طائعة راكنة لإيمان لايبقره شوك الظن... وكم مرة وقفت هنا على حافة بركة الأكاذيب حيث تتمازج الحيل بافتراءات الكهنوت، لتشكيل الخرافة واختلاق الأسطورة، وهي العيب الذي مازال أهل الأرض يشتمونني به...

              ======
              أخانا الجليل المفكر الراقي والأديب القدير الأستاذ: محمد المختار زادني
              تحية زاهرة عاطرة لهذه الرسالة العميقة
              التي فتحت العديد من بوابات الوعي والرؤية بأسلوبٍ غاية في الرقي ،
              مازجة بين جلال الفكر ، وجمال الأدب.

              أستأذنك أيها الحبيب في نسخة إلى فنون النثر نصا من عيون النثر الأدبي

              محبك: مصطفى
              نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ولريشة الغالية أهداب الشكر الجميل

            • #8
              الصورة الرمزية نادية بوغرارة
              شاعرة
              تاريخ التسجيل : Nov 2006
              المشاركات : 20,324
              المواضيع : 329
              الردود : 20324
              المعدل اليومي : 2.94
              من مواضيعي

                افتراضي

                عهدناك مبدعا و مازلتَ ، و ألفنا رقيّك فارتقيتَ،

                فصرت لنا معلما ، و ما تخلّيتَ.

                نص يتدفق فكرا و جمالا.

                تحية تلميذة.
                http://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=57594

              • #9
                الصورة الرمزية محمد المختار زادني
                شاعر
                تاريخ التسجيل : Sep 2005
                الدولة : المملكة المغربية
                المشاركات : 1,230
                المواضيع : 143
                الردود : 1230
                المعدل اليومي : 0.17
                من مواضيعي

                  افتراضي

                  اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالصمد حسن زيبار مشاهدة المشاركة
                  نص ممتع متفرد
                  تحية ود وورد وسلام
                  أسعدني مرورك أخي الحبيب

                • #10
                  الصورة الرمزية محمد المختار زادني
                  شاعر
                  تاريخ التسجيل : Sep 2005
                  الدولة : المملكة المغربية
                  المشاركات : 1,230
                  المواضيع : 143
                  الردود : 1230
                  المعدل اليومي : 0.17
                  من مواضيعي

                    افتراضي

                    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مازن سلام مشاهدة المشاركة
                    السيد محمد المختار زادني المحترم
                    كتبوا لنا تاريخاً,
                    ولم يكتبوا تاريخنا...
                    ولأننا أنفسنا انقسمنا ومازلنا,
                    لم نكتب شيئاً ,
                    وبقينا نعيش على أمجاد من سبقونا
                    كل التحية
                    مازن سلام
                    لم يكذب من وصفنا بالأمة التي تأتزر برداء الأمس

                    ولكن إلى متى؟

                  صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

                  المواضيع المتشابهه

                  1. أنا التاريخ
                    بواسطة محمد المختار زادني في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
                    مشاركات: 6
                    آخر مشاركة: 01-07-2008, 03:25 PM
                  2. حياتي بصلاتي ... أنا أصلي .. إذا أنا أحيا
                    بواسطة الضبابية في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
                    مشاركات: 2
                    آخر مشاركة: 06-02-2004, 08:37 PM
                  3. أنا لم أكن أنا
                    بواسطة الاسطورة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
                    مشاركات: 12
                    آخر مشاركة: 02-06-2003, 04:40 PM
                  4. أنا لم أكن أنا
                    بواسطة الاسطورة في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
                    مشاركات: 12
                    آخر مشاركة: 02-06-2003, 04:40 PM
                  5. أنا التاريخ ُ ياعـــــــرب !!!!!!!!
                    بواسطة زياد مشهورمبسلط في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
                    مشاركات: 5
                    آخر مشاركة: 16-02-2003, 11:46 PM