بعد عشرين سنة على المجزرة أصدرت الديوان
فقد كنت في المخيمين مع متطوّعي الدفاع المدني في لبنان
و اليوم يكون قد مرّ ربع قرن على تلك الواقعة
شاهد عيان
الدبابات, الملالات, راجمات الصواريخ, المدرعات
آلاف المدنـّسين لأرض بلادي
و بلادي, بشيوخها و نسائها و أطفالها كانت تنادي
أين أنتم يا إخوتي؟
لتـنزعوا سكين الغاصب من خاصرتي؟
كي تدحروا عدوّي و عدوّكم
كرامتي, و عرضي و أبنائي
هم كرامتكم و عرضكم و أبناؤكم
أين أنتم؟ أين رحتم؟
و تركتموني أُمزَّقُ بسيف الجلاد
هل تخلـّيتم عني؟
ألست أنا منكم كما أنتم مني؟
بلادي كانت تقول لكم
اغتصبوا بناتي
و أدرتم وجوهكم لفظاعة المشهد
نحروا أولادي
فهل لهذه الجريمة أقلقكم المرقد؟
الشيوخ كانت تهان كرامتهم
من رفس و دهس, من تعذيب و تنكيل
هل هانت دمائي عليكم في هذا الزمان البخيل؟
ألا أستحق منكم هذا الشئ القليل
أن ترفعوا أصواتكم كي تُرفعَ عني السياط؟
دخلوا إلى المخيّمات...
جمعوا الرجال في الساحات
و النساء كانت تحاول الدفاع
عن الأبناء و البنات..
دخلوا إلى المخيمات
و كانت المجزرة...
ساعات طويلة كأنـّها عصور
يقتلون, و يذبحون
يغتصبون, و يحرقون
يرتعون, و يدمّرون
و أنخاب جرائمهم يشربون...
كانوا يضحكون و يقهقهون
و الآخرون يُـقتلون و يسقطون
تحت وابل الرصاص
تحت ضربات الفؤوس
التي لا مفر لهم منها و لا مناص
من لهب نار تُـفتـَحُ على أجسادهم
و هم أحياء آمنون في ديارهم
أو ما يشبه الديار...
تلك النار التي فتحت له
طريق الشهادة
بينما العالم يلهو متفرجاً
على مسلسل الإبادة
كم تمنـّيت لو لم ألمس بذاتي
ما تركته, و ما حفرته في ذاكرتي
هذه الفاجعة
.....
سأدعو الله إن شاء
أن يمحو كل الصور القاتمة
باستثناء
تلك العائلة, و كأنها في تلك اللحظة
صارت جزءاً من عائلتي
جزءاً مني, جزءاً من مصيبتي...
أب لم يُكتَب له أن يكمل طعامه
و بقيت الملعقة معلـّقة بالهواء
ما بين فمه و موته...
أخت تحاول أن تخبئ أخاها
خلف ظهرها, كأنها جبل
لتحميه من تلك المجزرة
أمٌّ, على صدرها طفل
لم يبلغ شهره التاسع
كانت ترضعه حليب الوطن الضائع..
كانت ترضعه, حتى يكبر و يرجع
إلى بلاده, إلى فلسطين
تحت تكبير الكنائس و أجراس الجوامع
لكن حليب تلك الأم,
أوصله و أوصلها إلى أحلى البقاع
إلى جنان الشهادة
و بلادي عادت تسأل من جديد
أين حليب الأمة؟
ماذا أرضعتنا أمهاتنا حتى,
وَهِنـّا و صغرنا و سكتـنا؟
بلادي تسأل كم مجزرة علينا أن نعيش
كي نصحو من رقادنا؟
كم مجزرة علينا أن نعدّ و نشاهد
على أجهزة التلفزيون
قبل أن تتحرّك وتغلي
العزّة و النـّخوة في دمائنا؟
صبرا و شاتيلا
كنت شاهداً على زهورها
كنت شاهداً على قبورها
كنت شاهداً على سقوطها
كنت شاهداً على صمودها
و على جريمتين...
جريمة الإرهابي ابن صهيون
و جريمة أمـّة بصمتها كانت تخون...
عشرون عاماً, و الجلاد يقتل
عشرون عاماً و المجرم لم يتبدّل
عشرون عاماً
و تلك الجريمة المأساة
تلك المجزرة المعاناة
ما زالت أثارها على يديّ
و صورها في عيني
و بلادي, فلسطين تنادي
ماذا ستفعلون الآن يا إخوتي؟
و متى, متى سننزع هذا السكين من خاصرتي؟

.....
مازن سلام