أحدث المشاركات
صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 37

الموضوع: تمثالٌ نصفي

  1. #1
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان
    أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,286
    المواضيع : 71
    الردود : 4286
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي تمثالٌ نصفي


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    تمثالٌ نصفي



    بلا حراك تقف, تنافس في ثباتها قطعة صلصالٍ سوداء كبيرة استقرت على المائدة تنظر إليها بلا إبصار, تترقب متلهفة, كأنها تنتظر في استغاثة ضربات أناملها تعيد تشكيل وجهها الممسوح... كانت تنظر إلى القطعة بعين عمياء, طار منها بؤبؤها إلى الماضي في رحلة داخل تلافيف ذكرياتها, واختلطت أصوات مبهمة في ذاكرتها:

    - نعم يعرفكِ وألف غيركِ, في ذات الوقت بذات القلب...
    - نعم صلبكِ كالجميع على جدر حزنه الوهمي...
    - إنه يرتدي دومًا جلد الضأن فوق قلب الضبع ...
    - إنه........
    - مستحيل, مستحيل لا أصدق !
    - هي الحقيقة, لابد أن تدركي حقيقة الألوان التي تلون سلوكه, إنه........

    قفزت عيناها فجأة من ذكريات تلك المنطقة هربًا من جحيمها, لتستقر على قطعة الصلصال , مخلفًا أثر قفزتها الفجائية اضطراب عشرات من دوائر التوتر تحت سطح عجزها, وامتدت يداها إليها تحاول الهروب من شِباك ذكرياتها التي علقت بها. تحسست أناملها القطعة في حذر وكأنها تطأ أرضًا محرمة, وأخذت تتكشف ملامحًا مطموسةً للقطعة الصامتة, استراحت يداها مترددة على جانبي القطعة, لكنها لم تمكث طويلاً بلا حراك بل حركها غضب بارد, ووبخها عقلها:

    - إنكِ ترفضين شفقة الآخرين, وتتعثرين في بركة من الشفقة من صنع يديكِ, جابهي الموقف, أسدلي الستار على وجهه المنقوش على وجهكِ, امحه كما فعل هو, شكلي بيديكِ وجهكِ الجديد....

    شرعت في العمل بدافع الألم وراحت تحدد على الصلصال ملامحه الجديدة, وثارت فيها نشوة غريق لمح طوق نجاته بعد دهور من غرق الضياع, وسمعت طبول الانتصار تدق داخل عقلها, مدغدغة وجنة سعادة وليدة, لكنها كانت كالطبل الأجوف مثل حياتها تمامًا. كبلها الوقت داخله كأخطبوط وحيد والتفت حولها أذرعه, فاستسلمت لعناقه هاربة من الماضي والمستقبل وتاركة يديها تحدد وجهًا جديدًا, وكل قطعة من مشاعرها ذهبت خالصة للصلصال الناعم. أنَّت يداها مرهقةً تنبئ بانتهاء العمل , فتوقفت تتأمل إبداعها في فخر, تنظر بطرف سعادة إلى وجه التمثال الناطق... لينسحب فجأة هذا الطرف في عنف بيد الذعر الذي ارتسم على ملامحها عند اصطدام عينيها بوجه التمثال, ارتفعت دقات قلبها في عنف وأخذ قلبها يركض بين أضلعها راقصًا رقصة ذهول, تلعثمت كلماتها على لسان صدمتها, فأخذت تهز رأسها رافضة غير مصدقة ما ترى... وامتدت يداها على وجه التمثال تتحسسه لتصفع عينيها الكاذبة, شعرت بالمعالم الصلبة لفكه القوي تحت يديها, وانطلاقًا من خط الفك, أخذت أطراف أناملها تسري على خديه حتى وصلت إلى عظمتي الوجنتين, ثم إلى فوق حيث رموشه المعقوصة فوق عينيه الناظرة إليها, لتتحسس بعد ذلك حاجبيه الكثيفين وجبينه العريض, وشعرت بشعره القصير, واصطدمت بأنفه الروماني المتناسب مع غروره, لتنتهي على شفتيه مستشعرة حزمهما الرقيق وانتهت من فحص زوايا ذقنه القوية, واستقرت هناك تقسم لها بعد الرحلة أن هذا الوجه... وجهه هو !

    اجتاحت الجروح كيانها , وتدفقت الذكريات تجرف بقايا عمرها المنحور, وصرخ عقلها حانقًا:
    - حطميه.. دمريه ! حوليه إلى كومة من الصلصال..

    استراحت يداها على جانبي الوجه تعانقه مرتعشة, وأبت تنفيذ الأمر, ثم أطبقت يداها المرتجفة على كتف التمثال النصفي, ثم أنزلتها إلى صدره, ووضعتها في احتياج على قلبه, وشعرت وكأن نبضاته ترددت فوق راحة يديها وكأن نبض قلبه انطلق في سباق جنوني مع نبض قلبها الملتاع. سقطت دمعة, ثم دمعة أخرى, وانفرطت مسبحة الدموع ساحبة معها حبات من نبضه- هذا النبض الذي طالما انساب على صدرها غافيًا مرتاحًا. أجهشت بالبكاء فجأة عندما تذكرت فجيعتها فيه, ثم صرخت في ثورة:

    - لاااااااااااااااااااا
    ثم انطلقت يداها تحطم التمثال وهي تصرخ في هيستيريا :
    - أخرج مني أيها الأفعى... أيها المخادع.. اخرج !
    - اخرج مني... لم تعبث بداخلي؟؟ لم لا تخرج ؟؟
    - اخرج مني أيها الوهم.. اخرج مني...اخرج...

    توقفت منهكة وقد تناثرت القطع والبقايا في جميع أرجاء الغرفة, فأخذت تلهث في إعياء وقد تهدل شعرها الغسقي كشلال نار على وجهها وكتفها وتشعث ملتصقًا بدموعها, تراقص نشيج على أوتار حلقها المصلوب على حائط الغصة, واهتز جسدها من مفرق رأسها إلى أخمص قدميها منتفضًا في عذاب, وامتدت أطراف أناملها المرتعشة تمسح بقايا من خط دموعها المتحرشة بخصلات شعر ثائرةً على وجهها, فخلفت وراءها خطًا من الصلصال الأسود أطفأ عزيمتها. تحدب كتفاها , وتقوس ظهرها من شدة الألم في صدرها, وصرخ قلبها متوجعًا:

    - أرجوكِ, أخمدي تلك النار التي تأكلني, خلصيني من هذا الألم, اقتليني...

    تجاهلت نداءه في عجز مرير, وتركت جسدها ينهار مع أملها على المقعد ثم أسندت رأسها على انهيارها وتركت عينيها تسبح على فوضى الصلصال التي وضعت بصمتها على كل مكان بالغرفة, وارتخت جفونها في إرهاق وعجز لتنغلق على آخر مشهد منعكس على عينيها الدامعة ؛ آلاف من قطع الصلصال المتناثرة؛ كل قطعة تتشكل على حدة, ليتكون من كلٍ منها وبكل تحدي... تمثالٌ نصفي.

    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  2. #2
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    الدولة : العــــراق
    المشاركات : 82
    المواضيع : 15
    الردود : 82
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    دكتورة
    حتماً ساعود الى هنا مرة اخرى
    لكي اقول كلمتي ... فانا عاجز الان عن وصف ما في داخلي حيال هذه الاسطر
    ساعود اجل ... اعدك اني ساعود

    تحية
    اكرم

  3. #3
    الصورة الرمزية راضي الضميري
    أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,992
    المواضيع : 147
    الردود : 2992
    المعدل اليومي : 0.44

    افتراضي

    - إنكِ ترفضين شفقة الآخرين, وتتعثرين في بركة من الشفقة من صنع يديكِ, جابهي الموقف, أسدلي الستار على وجهه المنقوش على وجهكِ, امحه كما فعل هو, شكلي بيديكِ وجهكِ الجديد....

    نداء يعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي ... لو يأخذ العقل فرصته بعيدًا عن عواطف القلب .

    /

    الأديبة الراقية د . نجلاء طمان

    أسجل إعجابي الشديد بهذا القلم الرائع .

    تقديري واحترامي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4

  5. #5

  6. #6
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    الدولة : العــــراق
    المشاركات : 82
    المواضيع : 15
    الردود : 82
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    نص يحتاج الى تحنيط ليعيش الخلود هنا على صفحتنا في الواحة
    ففي زمننا هذا لا نرى مثل هذه النصوص الا من جبابرة القلم
    وانتي واحدة منهم سيدتي الفاضلة

    تقبلي مروري

    اكرم

  7. #7
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر
    أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,750
    المواضيع : 296
    الردود : 9750
    المعدل اليومي : 1.37

    افتراضي



    وقفت على صفحتك ايتها العزيزة طويلا ..
    وكلما حاولت الخروج من هنا أجدني أعود كي أبدأ القراءة من جديد ..

    أديبتنا د. نجلاء ..
    صورت الحالة بتركيز علي من حيث الشعور والحدث ..
    بحق قصة رائعة بتصويرها وسردها ..

    لك صادق الود وعقد من الفل المصري يزين جيدك ..

    محبتي ..




    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  8. #8
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان
    أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,286
    المواضيع : 71
    الردود : 4286
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أكرم الشرفاني مشاهدة المشاركة
    دكتورة
    حتماً ساعود الى هنا مرة اخرى
    لكي اقول كلمتي ... فانا عاجز الان عن وصف ما في داخلي حيال هذه الاسطر
    ساعود اجل ... اعدك اني ساعود
    تحية
    اكرم

    شكرًا لكَ دومًا على متابعتكَ الدائمة لحرفي المتواضع

    أنتظر الوفاء بالوعد أكيد

    يرعاكَ ربي ويحفظكَ

  9. #9
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان
    أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,286
    المواضيع : 71
    الردود : 4286
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راضي الضميري مشاهدة المشاركة
    - إنكِ ترفضين شفقة الآخرين, وتتعثرين في بركة من الشفقة من صنع يديكِ, جابهي الموقف, أسدلي الستار على وجهه المنقوش على وجهكِ, امحه كما فعل هو, شكلي بيديكِ وجهكِ الجديد....
    نداء يعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي ... لو يأخذ العقل فرصته بعيدًا عن عواطف القلب .
    /
    الأديبة الراقية د . نجلاء طمان
    أسجل إعجابي الشديد بهذا القلم الرائع .
    تقديري واحترامي

    لو يأخذها !!

    نعم صدقتَ وربي

    و...............


    ربما أخذها أيها الراقي, ربما ..........


    أسجل شرفي بمروركَ دومًا بالقرب من حرفٍ يتألم

    يرعاكَ الله أبدًا

  10. #10
    الصورة الرمزية مروة عبدالله
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    المشاركات : 3,219
    المواضيع : 74
    الردود : 3219
    المعدل اليومي : 0.47

    افتراضي

    وردتي

    حروفٍ حزينة مكبلة باليأس
    ولكنها مبدعة خرجت من
    بين أصابعكِ بروعه وفن
    وكأنكِ تعزفين مقطوعة لبتهوفين

    نجلائي

    سأعود لكِ غاليتى
    فانتظرينى
    جل المحبة هي لكِ
    [FLASH=http://up.graaam.com/forums/154753/01296874984.swf]width=355 height=234[/FLASH]

صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تعديل...قصيدة : نصفي الجميل
    بواسطة طلاﻝ منصور في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 15-01-2013, 07:14 PM
  2. قصيدة : نصفي الجميل
    بواسطة طلاﻝ منصور في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 15-01-2013, 06:21 PM
  3. نصفي
    بواسطة حازم محمد البحيصي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 19-05-2010, 01:41 AM
  4. أمام تمثال الحرية
    بواسطة ناصر ثابت في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 14-02-2005, 07:30 AM