صفعة زوج

...أخيرا استطاعت السيدة زينب أن تجد لنفسها متنفسا من رتابة يوميات البيت : الطبخ و التنظيف واستقبال الزوج و العناية بالطفل ..... انخرطت في جمعية نسوية تعلم النساء بعض الأعمال اليدوية و تعطيهن دروسا في علم الاجتماع و التربية الأسرية .. و هكذا صارت السيدة زينب تنسج أفرشة تقليدية مزخرفة وأشياء تزيينية تفتن ناظريها ..إلى جانب ما يعود به هذا العمل من ربح مادي يخفف عنها ذل استجداء الزوج في كل لحظة ليعطيها قروشا....
أغلب النساء و حتى بعض الرجال يمتهنون مهنة الصحافة دون راتب .. سعادة دائمة بنقل الأخبار، و تحقيق السبق إلى مصدر الخبر.. ولا شيء يحلو ويحقق الشهرة الإعلامية أكثر من أنباء العلاقات الزوجية (طلق/زوج..)، خاصة هذه الظاهرة المنتشرة في وسائل الإعلام، و تقام لها موائد مستديرة ومستطيلة " لا للعنف ضد النساء" واضطلاع جمعيات حقوقية كثيرة بدور التشهير بالأزواج العنيفين، والدفاع عن الزوجات المعنفات أمام المحاكم ..
***
...الحوار يدور حول امرأة ضربها زوجها فقامت في وجهه لأنه ليس من حقها أن يضربها، ولأنه حيوان مفترس.. وحش الغابة من يضرب زوجته.. التجأت المرأة إلى إحدى الجمعيات التي رفعت دعوى قضائية ضد الزوج.. وجاء الحكم منصفا للزوجة ، ومنذ ذلك الحين لم يعد زوجها يرفع صوته في وجهها فكيف به أن يمد يده إليها ...إنه صار عبرة لمن يعتبر... ابتسمت عجوز بين النساء قائلة بنوع من الحسرة :
ـ لو كان ظهري ينطق لأخبركن كم ضربة ضرب وإذا شكوت إلى أمي صاحت في وجهي وأمطرتني سبا و شتما، لأن المرأة الصالحة لا تخرج أسرار بيتها ولا تخرب بيدها عش الزوجية ..ضحك الجمع " بالصحة و العافية... بالهناء و الشفاء"
***
مساءً ..عاد زوج السيدة زينب من المستشفى ناداها باسم الدلع " زنوبة" . استقبلته باسمة كعادتها ، تبادلا قبلة .. اتجه صوب الصبي الراقد فوق المهد أمطره قبلا لأنه لم يره طيلة اليوم ومن سوء حظه أنه وجده نائما.. صاحت زينب :
- احذر أن توقظه ..إنه نام للتو ..
فتح الصبي عينيه الجميلتين الصافيتين كالماء الزلال .. ونور البراءة تسطع منهما وفتح ثغره الباسم كبستان الياسمين ...ثم ما لبث لأن تحولت ابتسامته إلى بكاء وعويل أبى أن ينتهي . حاول الأب إسكاته دون جدوى ، ثم نادى زينب طالبا منها حمل ولدها لعله يسكت ..صمت السيدة زينب أذنيها في البدء وعندما زاد صياح الصبي وزادت معه مناداة الزوج ..أتت غاضبة و في يديها سكين وحبة طماطم مخاطبة زوجها:
- احمله أنت ، أنت من أيقظه..و ابحث له عن شيء يجعله يسكت .. أنا لست محلبة لأرضعه كلما بكى ...
ابتسم الزوج وشعر برغبة في الضحك..ثم تودد إلى الزوجة أن تسكت الصبي ، لكنها أدارت ظهرها عائدة إلى المطبخ ...
ثارت ثائرة الزوج مع ازدياد بكاء الطفل ..وصاح:
- اسمعي يا ... اسكتي عني هذا الصخب فلست في حاجة إلى صراخ إضافي ..وإلا نزلت بصفعة على خدك..
عادت الزوجة مسرعة ثائرة ومن لطف القدر أنها عادت بحبة طماطم مقشرة دون السكين:
- ماذا قلت.. أتريد أن تضربني يا أسوأ الرجال..هذا جميل ..إن كنت حقا رجلا فما عليك إلا أن تفعلها إن لم أجعل منك حكاية في كل البيوت وحدثا في كل الجرائد.. ها هو خدي أمامك، اصفع..
لم يستطع الزوج أن يمسك أعصابه، أخرج يده من جيبه وهوى بكفه على الخد المنتصب أمامه.
كادت الزوجة أن تسقط لكنها استجمعت قواها، و خرجت ثائرة إلى الزقاق تصيح في الملإ أن زوجها الحيوان المفترس قد أوسعا ضربا، وضربها حتى على وجهها.. و هاهي آثار الصفعة موشومة على خدها ....
استغرب الجيران لما يسمعون .أيعقل أن يكون الدكتور قد ضرب زوجته فعلا !؟
***

التجأت السيدة زينب إلى جمعية "لا للعنف ضد النساء" وشكت مصابها الجلل ووجدت منهن آذانا صاغية وقررت بإرشاد منهن أن ترفع دعوى ضد زوجها أمام القضاء لأنه الكفيل بأن يأخذ لها حقها ويرد لها الاعتبار .
***
........
وقف الزوجان في مشهد مؤثر أمام القاضي . وقد امتلأت المحكمة بالناس، قادهم الفضول لمعرفة تفاصيل الحكاية ، كما حضر الكثير من الصحفيين لمتابعة المحاكمة..
…سرد القاضي التهم على الدكتور أنور طالبا منه الرد عليها.
وقف الزوج خجولا ، نظر إلى زوجته و طفله وترقرقت عبرة من عينه رأى الحاضرون بريقها على خده :
- سيدي القاضي . أنا كما تعلم رجل مثقف أعرف حقوقي ووجباتي، وكم أصلحت ذات البين بين الأزواج من الجيران و الأقارب و الأصدقاء ، أنا إنسان هادئ و متواضع جدا وزوجتي أعرف الناس بذلك.. وهي تعرف كذلك كم أحبها ولم أكن يوما أتصور أن أمد يدي لأضربها ..و منذ سنة رزقنا الله هذا الصبي البريئ و كم زادت سعادتنا وزاد حبي لزوجتي – أخرج منديلا من جيبه ومسح دموعا منهمرة . بينما بدأت شهقات السيدة زينب تسمع في فضاء القاعة -
- زوجتك تتهمك أنك كنت عنيفا جدا وصفعتها بقوة على خدها والشهادة الطبية تؤكد ذلك.
- سيدي القاضي أقسم لك أنني لم أكن يوما عنيفا ولا قريبا من ذلك.. لا أنفي أنني صفعتها، وأنا آسف. وحزنت كثيرا لذلك، ولو أعطتني الفرصة لاعتذرت لها مئات المرات . الحكاية بسيطة : أنا كنت عائدا من يوم عمل مضن قبلت الصبي الذي كان نائما ، استيقظ باكيا ، أبى السكوت ، ناديتها ، رفضت أن تتصرف كأم على غير عادتها، مازحتها : إما أن تسكتي الطفل وإلا صفعتك ، أقسم أنني كنت أمزح عندما قلت هذا الكلام.. أمطرتني ذما وشتما ، استفزتني بشكل غريب يصعب أن يتمالك أي رجل أعصابه، ولم أدر متى فقدت صوابي و صفعتها ..وصار أيامنا السعيدة إلى ما ترى.
رفعت الزوجة صوتها المختلط بالبكاء :
- عذرا سيدي القاضي . لقد كان تصرفي طائشا وكلامي جارحا أكثر من صفعته – ابتسم القاضي- وكنت ضحية كلام العديد من النساء اللواتي لم يراعين حق الحياة الزوجية، ولم يحفظن أسرارها، و لم يذقن طعم سعادتها، و ربما لم يتزوجن أصلا.. أنا أحب زوجي و عشت معه أربع سنوات من دون مشاكل . أنا أعتذر منه و قد سامحته.. وقررتُ التنازل عن الدعوى.
صفق الحاضرون و زغردت بعض النسوة كأنه حفل زفاف ، بينما لم يرق الأمر للبعض الآخر ممن رأى في ذلك تراجعا خطيرا، وتشجيعا للرجال على العنف، و نصرا للعقلية الذكورية التليدة المتوارثة أن المرأة دائما الخاطئة ن وعليها أن تعتذر ، وتخضع لزوجها..
بجهد جهيد استطاع القاضي أن يعيد الهدوء إلى القاعة .
حاول الدكتور أن يستعيد رباطة جأشه وأخذ الكلمة:
- سيدي القاضي أنا أشكر السيدة زينب على تفهمها و استيقاظها من غفوتها وأجدد اعتذاري لها، كما أشكر الحاضرين على تعاطفهم . لكن لأسف أنا قررت.. أنها لن تكون مجددا زوجتي .
عم الصمت قاعة المحكمة . سكت برهة ..استجمع أنفاسه.. زفر بقوة..أدار وجهه صوب السيدة زينب :
- أنت طالق.

ابراهيم السكوري
22/07/2008