إنها ليست مجرد دائرة مستديرة

لم تعد الكرة كما كانت قبل ربع قرن مجرد لعبة لمضيعة الوقت، كما كان أباؤنا يتهموننا حينها، كلما حنَّ بعضنا إلى ممارستها خلسة، وفي أماكن نائية حتى لانُتّهم بالفشل ومضيعة الوقت .
تحولت الكرة من مجرد لعبة للترفيه وممارسة الرياضة إلى حالة – وأقول حالة – تتصارع عليها كبريات الدول، بل أكبر الدول التي عرفها التاريخ على الإطلاق .. تحولت الكرة إلى سياسة وقوة ونفوذ وبسط هيمنة وفرض إرادة .. تحولت من مجرد ترفيه وتسلية إلى علم له أكاديميات ومدارس ونظريات في كل ربوع الأرض ..
ولأول مرة منذ دخول مصر تصفيات كأس العالم عام 1990م، أجدني بلا شعور تذرف عيناي الدموع فرحا وغبطة حين أعلنت الفيفا تنظيم دولة قطر لكأس العالم 2022 ..
استطاعت قطر بأميرها وشعبها وسياستها أن تنتزع هذا الفخر من بين أنياب أسد شرس .. هاجم وتطاول ووعد وتوعد وضغط وهدد، ولكنه في النهاية فشل أمام إرادة وتصميم وعزيمة القطريين، ليس هذا فحسب، بل أمام الإعداد الجيد والدراسة المتأنية المتزنة؛ التي استطاع القائمون على الأمر في قطر أن يعدوها ويروجوا لها بمهارة .
لم يكن الأمر مجرد تنظيم إحدى دورات كأس العالم لكرة القدم في دولة عربية – وهذا أمر كان بعيدا وصعب المنال درجة الاستحالة – وإنما هو إشادة بما وصلت إليه قطر، وبالسياسة التي استطاع أميرها أن يحولها من مجرد دويلة صغيرة المساحة وقليلة العدد، إلى دولة لها كيان وإرادة ودور بارز في الداخل والخارج في مناحي الحياة كافة .. في السياسة، في التعليم، في التوفيق بين وجهات النظر المتناحرة، والأهم من ذلك إشعار المواطن نفسه بأهميته، وبأن له دورا وكيانا، وآدمية، في زمن الشعور بالغربة وضياع القيمة وقصف القامة داخل الأوطان .
فتحية إلى صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة أمير قطر الإنسان والسياسي والرمز، وهنيئا للقطريين بأميرهم وسياسته، ونرجو الله تعالى أن يأتي الدور على بقية الدول العربية، فما عادت المساحة والعدد فواصل للحكم بقوة أو ضعف الدول، فقد كانت إنجلترا يوما ما تسوس العالم وتسوده وهي دولة صغيرة في المساحة، وعددها يقل وقتها عشرات المرات عن واحدة فحسب من مستعمراتها .. الفيصل العلم والحكمة والدراية والسياسة الحكيمة ذات الهدف، حتى وإن كان استعماريا بالنسبة لبريطانيا، مع الفارق في التشبيه لصالح قطر، التي تسعى للنهوض والرقي والنمو دون افتئات على حقوق الآخرين ..
مرة أخرى، أثبتت قطر أنها دولة مؤثرة على كل الصعد في الداخل والخارج، وأثبتت أيضا أن لها سياسة حكيمة تقوم على العلم والخبرة والدراسة واحترام شأن المواطن، بقيادة زعيم محب لشعبه ووطنه ..
فكل الحب لقطر قيادة وحكومة وشعبا، وهنيئا لهم بهذا الظفر العظيم، مع تمنيات قلبية، ودعوات حارة لهم جميعا بمزيد من التوفيق، ونرجو الله أن نشهد اليوم الذي تدور فيه دورة الزمان ويأتي فيه الدور على مصر لتسترد فيه عافيتها وتعود إلى ماكانت عليه من ريادة وعزة وثقافة وعلم ومناحي كثيرة فقدناها مع مافقدناه، في ظل تغليب المصالح الشخصية وسطوة رؤوس الأموال ومحو قيمة المواطن وضياع هيبة الدولة، حتى بات السواد الأعظم في بلادنا خدما غير مرغوب فيهم .
ودمتم بكل سعادة .. ودمتم بكل خير .