المـــرأة*


توقفت سيارة الأجرة ذات اللون الأصفر بالقرب من الرصيف وترجل السائق العجوز لمح كرتونا وحقيبة كبيره أمام السيدة الواقفة على الرصيف وابنها الذي لم يتجاوز العاشرة، فتح شنطة السيارة ودس فيها الكرتون والحقيبة بينما ركبت المرأة في المقعد الخلفي والطفل في المقعد المجاورللسائق0
انطلق بهدوء مغادرا السوق المركزي وأخذ يحاور الطفل حتى يعرف اتجاهه، كانت المرأة ترد على كل سؤال يتلعثم الطفل في الإجابة عليه0
في مثل هذه الساعة من الليل تكتظ الطرق والشوارع بالراجلة والعربات، حيث تغلق المحلات لتأدية صلاة العشاء، ويعود معظم مرتادي الأسواق وأصحاب العمل إلى دورهم0
تلفت السائق العجوز باحثا عن منفذ للهروب من اختناق الطريق فلمح وجه الراكبة في المرآة الأمامية، بهره جمالها ولمح مسحة حزن وشرود في نظرتها وحاول أن يوجد شبها بينها وبين الطفل الجالس بقربه0
فتح راديو العربة، كان المذيع يروي بعض أحاديث الرسول التي قطعها فجأة مع ارتفاع صوت المؤذن بالإقامة، دخل في عدد من الشوارع الخلفية حتى يصل إلى حي الروضة، كما استخلص من إجابة المرأة0
أخذ امام المسجد الحرام صاحب الصوت الشجي في قراءة الفاتحة وما أن انتهى منها حتى أخذت المرأة في البكاء، التفت نحوها وأمام نظرتها انكسر وعاد إلى مراقبة الطريق0
أخذ الطفل يردد مع الإمام الآيات، والسيارة تدخل أول شارع في حي الروضة، ولمح المسجد الكبير القابع في وسط الحي كان المصلون يغادرونه 0 تجاوز المسجد صرخ فيه الطفل( هنا)، كانت أصابع الطفل تتجه نحو لوحة بقالة مضاءة مازالت مغلقه بسبب الصلاة أوقف العربة
قال الطفل: إلى الأمام قليلا00هناك وأشار إلى باب لونه داكن، أوقف العربة وترجل اتجة الى الشنطة حيث فتحها وأخرج الكرتون والحقيبة
وزرعها فوق الرصيف لصق الباب، ترجل الطفل وأخرج من جيب ثوبه عشرة ريال أجرة المشوار0
عاد السائق إلى مقعده لم يدر محرك السيارة منتظرا المرأة لتترجل0
اقبل رجل عجوز من نهاية الطريق ركض الطفل نحوه، حمل الرجل الحقيبة وسحب الطفل الكرتون دخلا الدار وأغلقا الباب0
التفت السائق إلى الخلف، كان المقعد خاليا دعك عينيه، داخله شيء من الخوف مرر كفه على جلد المقعد، أدار محرك العربة وغادرالمكان0
لمح في المرآة الجانبية عباءة سوداء مكومة على الرصيف وعاد من طريق آخر للتأكد من ذلك، فوجد المحلات التجارية فتحت والبقالة المغلقة تعج بالمتسوقين0
ـــــــــــــــ
*من قصص مجموعة ( الحملة ) منشورات نادي جازان الأدبي 1423هـ/2002م