الشاعر الراحل عبد الله البردوني
حين يشقى الناس

أنت ترثي كلّ محزون و لم تلق من يرثيك في الخطب الألدّ
و أنا يا قلب أبكي إن بكت مقلة كانت بقربي أو ببعدي
و أنا أكدى الورى عيشا على أنّني أبكي لبلوى كلّ مكد
حين يشقى الناس أشقى معهم و أنا أشقى كما يشقون وحدي !
و أنا أخلو بنفسي و الورى كلّهم عندي و مالي أيّ عندي
لا و لا لي في الدّنا مثوى و لا مسعد إلاّ دجا اللّيل و سهدي
لم أسر من غربة إلاّ إلى غربة أنّكى و تعذيب أشدّ
متعب وركبي قدمي و الأسى زادي و حمّى البرد بردي
و الدجا الشاتي فراشي وردا جسمي المحموم أعصابي و جلدي .

(فلسفة الفن)
لا تقل ما دمع فنّي لا تسل ما شجو لحني
منك أبكي و أغنّيك فما يؤذيك منّي
سمّني إن شئت نوّحا و إن شئت مغنّي
فأنا حينا أعزّيك و أحيانا أهنّي
لك من حزني الأغاريد و من قلبي التمنّي
أنا أرضي الفنّ لكن كيف ترضي أنت عنّي
كلّ ما يشجيك يبكيني و يضني و يعنّي
فاستمع ما شئت و اتركني كما شئت أغنّي


لا تلمني إن بكى قلبي و غنّاك بكايا
لا تسلني ما طواني عنك في أقصى الزوايا
ها أنا وحدي و ألقا ك هنا بين الحنايا
ها هنا حيث ألاقيك طباعا و سجايا
حيث تهوي قطع الظلما كأشلاء الضحايا
و تطلّ الوحشة الخر سا كأجفان المنايا
و الدجى ينساب في الصمت كأطياف الخطايا
و السكون الأسود الغا في كأعراض البغايا
و أنا أدعوك في سرّي و أحلامي العرايا


يا رفيقي في طريق العمر في ركب الحياة
أنت في روحيّتي رو ح و ذات ملء ذاتي
جمعتنا وحدة العيش و توحيد الممات
عمرنا يمضي و عمر من وراء الموت آتي
نحن فكران تلاقينا على رغم الشتات
نحن في فلسفة الفنّ كنجوى في صلاة
أنا كأس من غنى الشو ق و دمع الذكريات
فاشرب اللّحن ودع في ال كأس دمع الموجعات
هكذا تصبو كما شا ءت و تبكي أغنياتي


يا رفيقي هات أذنيك و خذ أشهى رنيني
من شفاه الفجر أسقيـ ك و خمر الياسمين
من معين الفنّ أرويـ ك و لم ينضب معيني
لك من أنّاتي اللّحن و لي وحدي أنيني
و لك التغريد من فنّي و لي جوع حنيني
هل أنا في عزلة الشعر كأشواق السجين
حيث ألقاك هنا في خا طر الصمت الحزين
في أغاني الشوق في الذكرى و في الحبذ الدفين
في الخيالات و في شكوى الحنين المستكين


أنا و الشعر
هاتي التآويه يا قيثارتي هاتي وردّدي من وراء اللّيل آهاتي
و ترجمي صوت حبّي للجمال ففي نجواك – يا حلوة النجوى – صبابتي
قيثارتي صوت أعماقي عصرت بها روحي و أفرغت في أوتارها ذاتي


قيثارتي أنت أمّ اشعر لم تلدي إلاّ غنا الخلد أو لحن البطولات
أودعت نجواك آيات النبوغ فيا قثارتي لقّني التاريخ آياتي
و غرّدي بخيالاتي العذاب فما حقيقة السحر إلاّ من خيالاتي
و شاعر الطبع موسيقى الغيوب إذا غنّى أرى الأرض أسرار السموات
قيثارتي إنّي ابن الشعر أنجبني للخلد ، للعبقريّات الفتيّات
و للحياة و للدنيا و نضرتها للحبّ للنور للزهر الصبيّات


وحدي مع الشعر هزّتني عواطفه فرقّصت عطفه النشوان رنّاتي
و شفّ لي خافي الدنيا و ألهمني سحر الجمال و أسرار الجلالات
وهبّت للشعر إحساسي و عاطفتي و ذكرياتي و ترنيمي و أنّتي
فهو ابتسامي ودمعي و هو تسليتي و فرحتي و هو آلامي و لذّاتي
يفنى الفنا ! و أنا و الشعر أغنية على فم الخلد يا رغم الفنا العاتي
أحيا مع الشعر يشدو بي و أنشده و الخلد غاياته القصوى و غاياتي