تقاعد
بعد أن سرقت منه تعب السنين جلس يستذكر أيام الشقاء، حينما كان يذهب إلى العمل مبكرا، بعد أن يتناول ما تجود به يدا زوجته النحيلتان من جهد النهار الطويل، لكي يوفر أكبر قدر ممكن من احتياجات النور البعيد، ذلك البصيص من الأمل والذي رزقه الله بعد أربعة وعشرين عاما من الانتظار. اسماه مثنى عسى أن يٌثّنى، لقبه بالتقاعد منتظرا ذلك اليوم الذي يجلس في مقهى المتقاعدين وهو من يتكفل بشيخوخته. ترعرع بين عينيه وضرب المعاول، ينظر إلى طوله كل يوم وإلى شواربه ويفتخر بتميزه الدراسي في كل مكان. خرج إلى العمل بهمّته المعهودة رغم ما يجده فيه من مشقة وخطورة، إلا أنه كان سعيدا جدا بقبول ولده بالجامعة، شعور غير طبيعي حتى أكياس الاسمنت، التي يحملها على ظهره إلى الطابق الثالث، بدت خفيفة هذا اليوم، وقد علت وجهه إشراقة ملونة بلون ما يتخيله لحياته المقبلة. - أراك فرحا هذا اليوم؟ - نعم يا صديقي، إنه أول يوم للتقاعد في الجامعة وأنا فرح جدا. - مبارك لك يا صديقي، وفي أي قسم هو في الجامعة؟ - الهندسة المعمارية. - ما شاء الله فرخ البطّ عوام، يعني سيدير أعمالنا في البناء. انطلقت منهما ضحكة عالية، توقف الزمن قليلا وكأنها إغماءة أو شيء من هذا القبيل، لم يكن ليستطيع الوقوف أكثر، جلس على دكة قرب الباب مسندا ظهره إلى الجدار، تنهد طويلا، أعقبتها دموع وحسرة، بعد أن انطلقت السيارة وهي تحمل أثاثهم وحاجاتهم، مع ضحكة ماكرة من زوجة التقاعد وتلويحة طفلة صغيره بالوداع.. وعجوز تكفكف دموعها بتجلد مصطنع، وبدا بصيص الأمل بعيدا من جديد يغيب عن أنظاره.
***
بقلم الصديق علاء حسين الخفاجي
الذي انتظر موافقة الدخول للمنتدى ولم يفلح
فقمت بالواجب