(مَآ أَغۡنَىٰ عَنِّي مَالِيَهۡۜ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلۡطَٰنِيَهۡ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ ٱلۡجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ (32) إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ ٱلۡعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ (34) فَلَيۡسَ لَهُ ٱلۡيَوۡمَ هَٰهُنَا حَمِيمٞ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنۡ غِسۡلِينٖ).
لاحظ الآيات التي قبل(خذوه فغلوه).
ترتيب المعاني في القرآن والآيات والكلام والكلمات والجمل وكل شيء دقيق جدا مثل الدقة التي في الكون(لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).
دقة عالية جدا وكل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى يتصف بالإتقان والإحكام وكلامه مثل خلقه متقن ومحكم وعلى هذا الأساس نتأمل فيه .
بعد أن يصدر الأمر الى الملائكة بأن يأخذوا هذا المجرم ويصفدوه في الأغلال ثم يلقوا به في جهنم ويربطوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا بعد هذا يبين لماذا ؟
لأنه كان لايؤمن بالله العظيم وهذا طبيعي جدا أن هذا الشخص كان كافرا فاستخق جهنم والعياذ بالله .
ثم تليها آية معطوفة عليها بالواو(ولايحض على طعام المسكين)معطوفة على عدم الإيمان بالله في سياق ذكر السبب الخاص للأوامر التي صدرت بحق هذا الشخص وهي أربعة أوامر في شكل أربعة أفعال أمر معناها أمر موجه الى الملائكة .
كل هذا العذاب العظيم لأنه لم يكن يحض على طعام المسكين .
هذا بالإضافة الى الكفر ولو كان كافرا لكنه يحض على طعام المسكين فليس هذا عذابه وبهذا يكون العامل المؤثر هو عدم الحض على طعام المسكين .
لاحظ ترتيب الآيات وكيف توالت معانيها فبعد ان يذكر السبب الخاص يذكر ماترتب عليه لأنه عطف بالفاء(فليس له اليوم هاهنا حميم)(ولاطعام الا من غسلين).
ليس له من ينقذه من العذاب لأنه لم يكن يحض على إنقاذ المسكين من الفقر والجوع وليس له شفيع يشفع له .
ركز في الكلام . من هذا الشفيع؟من هذا الحميم الذي كان سينقذه من العذاب؟
إنه المسكين
لاحظ تتابع المعاني ثم قال(ولاطعام الا من غسلين).
طعام المسكين الذي لم يكن يحض عليه كان ياكل ويشبع من أجود أنواع الطعام وفي نفس الوقت لايحض على طعام المسكين فصار المسكين في الجنة يأكل من طعام لم تر مثله عين ولاسمعت بمثله أذن ولاخطر على قلب بشر وهو في النار يأكل من طعام الغسلين طعام لا أعرف كيف أصفه لكن يكفي اسمه للدلالة عليه .
وهكذا صار الطريق الى الجنة يمر عبر المسكين والطريق الى النار أيضا يمر عبره .
حميم فقد كان المسكين يعرف بأن لديه ركن شديد من البشر يلجأ إليه كأن يكون صديقا حميما مقربا ليساعده وينقذه فكان المسكين يشعر بالأمن والأمان وصدره ينشرح ولاتعصف به الهموم لأن هناك صديق حميم يهتم به ويساعده .
أي أن الغني صار صديقا حميما للمسكين أو ينبغي أن يكون كذلك حتى يستحق الشفاعة في ذلك اليوم لأن الله قال(من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له)وفي ذلك اليوم يسدد الله سبحانه وتعالى القرض تعالى الله عن ذلك لكن المعنى كهذا ويبدو أن المسكين يشفع والله أعلم لأنه كان يشعر بأن الغني الذي يساعده ليس بعيدا عنه بل هو صديق حميم مقرب جدا منه .
يجب أن نحسب في المعنى دلالة كلمة حميم أي مقرب جدا ... أقصد أن العذاب لهذا المجرم يكون حسي ومعنوي كما كان المسكين يتعذب في الدنيا حسيا من الجوع ومعنويا أنه لايشعر بالأمان من الجوع ويفكر في المستقبل بلا أمل فيعيش هذا المجرم نفس الشعور ويتعذب به بينما الغني الذي كان كالصديق الحميم للمسكين يعيش الامان يوم القيامة وانشراح الصدر كما كان المسكين ينشرح صدره ويشعر بالأمان لأن فلان الغني يقف بجانبه ويهتم به .
والجانب الحسي هو طعام الغسلين يعصر بطنه من الألم مثل ألم الجوع الذي كان يشعر به المسكين وكان هو لايحض على إطعام هذا المسكين الجائع .
وصف دقيق جدا عرفه من عرفه وجهله من جهله وأقصد اذا كنت قد جهلته فهذا لايعني أنه غير موجود أي قل إني أجهله ولاتقل هو غير موجود إذا كنتو تعتقد بهذا(ألا يعلم من خلق)بلى يعلم.
والله أعلم