-1-
هي رسالـةٌ أخرى كتبَهـا صوتُـكِ وهو يطرقُ مسامعَ قلبي كلّ حيـنٍ، كتبتْـها ارتعاشـةُ أنامل فقدَتْ هدْأَتَها بغيابِـكِ !
البيـتُ تتعاورُه عطورُكِ، بسماتُـكِ، ذكرياتٌ تستلقي في كل زاويةٍ مرةً، قبلَ أنْ تعودَ لقلبي الذي كتبَتْـه باسمكِ!
البيتُ .. تتعاورُهُ رياحُ الحنين وهي تجتثُّ هدوئي عن دابرِه، تحرمني إغفاءةَ دمعةٍ عشقَتْني مذْ غادرْتِ، إغفاءَةَ جفنٍ صارَ مزهريةً مُريحة لبوحِها. وكلّما ابتسمـتُ لأحرسَ بسمتَكِ التي ودّعتِني بها: أراكِ !! فتراني كلُّ الدموعِ المغتربة بمراياهَا!!
ذكرياتُنـا معاً- يازهرةَ عمري الأولـى - تنهشُ ذاكرتي، قلبي وروحي اللاهثـة بينَ الغيمـةِ والوردة، بينَ الملـحِ وإشراقةِ شمسٍ لم تستيقظْ بعدُ مِنْ حنينِها.
أجلسُ بشرفتي أرقبُ زيارةَ القمـرِ ككلّ ليلـة، أحلـمُ بهدّيتـه الفريدة : سلّـةٌ جمَعَ لي فيهـا أزهارَ الوحدة، ومبخرَةً تتصاعدُ منها عطورُ أنفاسكِ، لتملأَ المكان والزمانَ أُنْسـاً وشوقاً وذكرى، أشتـاقُ لكِ فتشتاقُ إليكِ أشواقي نفسُها، فأُشنَـقُ كلَّ بُرهـةٍ على مرأىً منها ومنكِ!
بماذا أخبركِ ؟؟! بأنّني كلّ صباحٍ، أقومُ مِنْ شوقي أتثاءَبُ وأعطسُ حنيناً حارقاً ؟؟ أغسلُ نوافذَ قلبي مِنْ رمادِ الوحدة، وأنا أعِـدُهُا وأعِدُهُ بهديةٍ لمْ يصنعْها أحدٌ قبلي: خالية من جرعاتِ الملـح، خالية من "مستحضراتِ" الحزن التي تحفل بها محلاّتُ النفس الكبرى و..الصغرى أيضاً.
بماذا أخبركِ ؟؟! بأنني كلّ صباحٍ أهرولُ إلى البئرِ القريبةِ مِنْ غيابكِ، أغرِفُ منها قدْرَ ما يسمحُ لي أميرُ الشّوق كيْ تهاجرَ عنّي الدمعاتُ ولوْ بعض الوقت، أرتاحُ فيه من مشاكسةِ قطْرِها، مِنْ فيضِ قصيدِها ونثرِها، مِنْ مواسمِها التي أبتْ إلاّ التوقّـفَ عندَ فصلِ الشتاء، لتُنَصّبَه ملكاً على مواسمي ؟؟!
بماذا أخبركِ ؟؟! بأنّني أحرسُ بسمتَكِ - حبيبتي - مِنّي ؟؟! كيْ لاتنالَها سهامُ حزني وشوقي، كيْ تحيا على أملٍ وارفٍ يستظلُّ بشجرِ لقــاء ؟؟ بأنّني أحرسُ زهرةَ عمري الثانية - والدي - مِنيّ أيضاً ؟؟ آهٍ كمْ يحرقني الملـحُ السّاعـة !! يصعَدُ تقاسيمَ صمتٍ مغمضِ العينين، ليُبعثرَني ليلاً أفقَدَهُ الحنينُ عقلَـه !
بماذا أخبركِ ؟؟ ! بأننّي أحرسُ زهرَ الياسمينِ - هو الآخر- منّي ؟؟ مِنْ كلومٍ استعمرتْ كلّ بيوتِ الذاكرةِ والرّوح، بلْ كّل أراضيهما ولم تتركْ لـي و لـهُ إلاَّ موسِماً مُراقَ الملامح ؟؟!
بماذا أخبركِ ؟؟! بأنّني عجزتُ عنْ رعايةِ حقول الفرح، وقدْ زرعناها معاً بالأمـلِ والصّبر، وسقيْناهَا بالطلّ، بالعطرِ، بالشمسِ وبعينَيْـكِ الحانيتيْـن؟؟ بأنّني عجزتُ عنْ قطْفِ عناقيد الفرح لكِ، لزهرة عمري الثانية، لـهُ ولمَنْ أُحبّهمْ، فقطفتُ لهمْ بدَلاً من ذلكَ شوكـاً أدْمـى أصابعَهمْ فأفناني ؟؟!
أعلمُ الآنَ - يا كلَّ معاني الحبِّ والعطـاء- بأنّ رسالتي هذهِ ستُغضبُكِ منّي، وهي تصلُ إليكِ مضرّجـةً بي، وما أحببـتُ أنْ أُخفِقَ في ردِّ الأمانِ لروحكِ ! أعلمُ بأنّني قصّرتُ في كلّ شيء حتّى في ترويضِ نفسي على الشّمس، وبأنّني سقطتُ اللحظـةَ بينَ براثنِ بوحٍ مُوجِع، فهلْ أظفَرُ منكِ ببسمـةٍ تعيدُ إليّ توازُني؟؟ تعيدُ إليّ اصطباري وقنديلاً أُكمِـلُ بـهِ غربـةَ السّفــر؟؟
حنانيـْكِ أمّاه حنانيْـكِ ! حنانيْـكِ وَ ..عفوكِ !!