على عجل تتناول الغذاء . من الداخل تسألها الأم ومتى سيعود ؟ تجيبها وفتات الطعام يتطاير من فمها : لا أدرى . فاليوم سيتضح كل شىء . باحثة عن حقيبة يدها ... لقد تركت فلوس الدروس الخاصة بأحمد ولبنى ونرمين وبخصوص زينب وتامر .. لقد دفعت لهم بنفسى .. ولقد مررت على الطبيب وقال لى : لابد من تكرار العلاج مرة أخرى كى تستقر حالتك .. تدعو لها ، تقبلها ، تنزل مسرعة .. دقائق ووصلت الشركة ، تقرأ اللافتة " مغلق للصلاة " تيقنت أنها لم تتأخر فقد أوصاها بذلك .. دائماً هى مطيعة .. دقيقة فى عملها ، فهمت كل شيء فى العمل منذ أن أنهت دراستها بالجامعة منذ عامين وهى تعمل بشركته المسماة " شهاب ترافل " الكائنة بشارع شهاب بالمهندسين .. فى بادئ الأمر أحبت العمل بتلك الشركة لتصادف اسمها باسم خطيبها والذى تركها بعد أيام قلائل من وفاة والدها بعد أن تيقن بأن راتبها لم يعد يصلح لدفع أقساط الجهاز. وكأنما حبهما ثوب نسجت خيوطه من خيوط العنكبوت وتمزق بلفحة هواء عابرة .. لذلك تفانت فى عملها وأحبت تلك الشركة لكونها المدد فى الحياة والسند الذى يساعدها فى صد شبح الجوع عن أسرتها .. كرهت الفقر برغم وجودها معه طوال الوقت وخاصة حينما تتجه الى مزلقان " ناهيا " تاركة وراءها المهندسين بما فيها .. ينتظرها الفقر ويتأبط زراعها ويرافقها إلى البيت ، هكذا كل يوم يتركها أول المزلقان وينتظرها فى العودة .. كانت تكرهه ليس لكونه الفقر فقط ولكن لجبنه وضعفه أيضاً فهو لا يستطيع أن يتعدى ذلك المزلقان ... تمر ساعات العمل عليها كثوان عابرة وتمر ثوانى الراحات كدهر كبلت قدماه وحملته على صدرها .. لذلك لم تتأخر ولم تناقش صاحب العمل فى طلبه .. برعاية أمور الشركة وقت سفره والذى سيتضح مدته بعد عودته من أداء صلاة العصر بالزاوية المجاورة ، اعتادت كل يوم على ذلك .. يأتى لها فى الواحدة ظهراً قبل موعد راحتها بساعة ويتركها فى الخامسة بعد عودتها بساعة .. يتسم بالنظام ولذلك عشقت النظام ضماناً لبقائها أمام المزلقان ولو لتلك الثوانى فى حياتها كى تختلط أنفاسها وأنفاس قاطنى المهندسين .. ألقى السلام .. دخلا سويا الشركة .. أدارت اللافتة " مفتوح " مضت ساعات فى مناقشة أمور العمل وفى تنظيم الأفواج التى ستستقبلها الشركة وقت سفره .. طمأنها بأنه قد أوصى ولده بأن يتفرغ ساعة يومياً على الأقل أو إذا لزم الأمر لأكثر بعد أن ينهى أعماله بمكتب المحاسبة الخاص به .. تعرف عنه الكثير فكثيراً ما كان يأتى لوالده بالشركة وقليلاً ماكان يعيرها اهتماماً .. نفس المؤهل .. تميزت عنه فى التقدير وتميز عنها فى فى كل شىء .. كثيراً ماتراه بعد العمل وهى فى طريقها إلى مسكنها بحى "بولاق الدكرور" مارة بشارع جامعة الدول العربية .. بالمهندسين .. يقف بسيارته أمام احدى عربات الوجبات السريعة وبجانبه فتاة تتغير بتغير المكان والأحداث ..لم تر معه مرة فتاة تفوقها فى الجمال .. ربما تفوقها فى المستوى .. فمظهرها يدل على ذلك .. برغم جمالها الا أنها لم تشعر فى وجوده بأنها أنثى .. يحدثها وكأنما يحدث صديقاً له ... دائماً يتحدث والده عنه وعن نجاحه وطموحه ونسى أنه وماله وراء هذا النجاح .. منهمكة فى عملها.. تسمع صوت سيارة .. يدفع الباب المكيف ، تسبقه رائحة بارفان كحراس تؤمن له المكان وتستقل فى زوايا الشركة .. بصوت هادىء يلقى التحية ولم يهتم بالرد ..سألها عن بعض الأمور الخاصة بالعمل.. أخرج هاتفه "المحمول " اتصل بأحد المطاعم .. دون أن ينظر لها .. أظن هاتتغدى ؟ .. لم ينتظر إجابتها ، وكأنما صدقة وليس من حقها أن ترفضها .. دقائق ووصل مندوب المطعم نظرت إلى الفاتورة ، وجبتين تعادل قيمتهما طعام أسبوع كامل لأفراد أسرتها .. يجلس كل منهما على مكتبه يفصل بينهما حاجز زجاجى ، رأته كالمزلقان الذى يفصل حى بولاق الدكرور عن المهندسين ... نادى عليها .. استأذنها فى فتح سيارته لتحضر سجائره .. أحست بكبريائها يتدهور .. نظرت إلى الكرسى الذى دائماً يستضيف كل يوم فتاة .. عادت إليه تبلغه بعدم وجود سجائر بالسيارة .. أيقن أنه ربما نسيها بالمكتب أعطاها خمسين جنيهاً كى تشترى أخرى ، أحست فى كل خطوة تسلكها بأنها تدوس على شهادتها الجامعية بقدميها .. محدثة نفسها .. نفس سنى .. نفس مؤهلى .. يصرف نصف راتبى فى اليوم فى السجائر والوجبات السريعة .. قررت فى نفسها .. أن لا استسلام للفوراق لابد من إزالة هذا المزلقان .. تجلس على مكتبها تكمل عملها .. يجلس مدخناً سيجارته مع فنجان القهوة مقلباً صفحات النت على حاسوبه الشخصى .. استأذنته فى توقيع بعض الأوراق إن سمح وقته .. أذن لها .. تجلس على كرسى بجانبه يراجع الأوراق دون اهتمام بها .. استفسر منها عن بعض الأمور .. إقتربت منه .. اتسعت مقدمة الفستان ليظهر بياض صدرها .. لم تهتم بتعديل ماظهر منها وأخذت تقرأ عليه منصوص الفاكس .. أحست أنه أخذ يمتطى جواده متتبعاً طريقها .. قالت له والذى يؤكد قولى .. ذلك الملف بداخل تلك الأدراج التى أمامه .. اقتربت وانحنت لتفتح الدرج الأخير .. اهتز الحرف المعلق بعنقها يميناً ويساراً وكأنما مؤشر يبلغه بالنظر والتمعن .. تطيل البحث وتراقب عينيه وهما يتابعان ما يشير له الحرف المتدللى .. بذكاء حواء أعطت له الملف وقالت عليك التأكد والمراجعة بنفسك ولأكمل أنا العمل الذى بيدى .. ثوانٍ ونادى عليها ولما هذا التخفيض .. أبلغته من مكانها دون اهتمام .. ليست تلك هى المرة الأولى لهذا الفوج .. بهذا التخفيض نضمن عدم تعامله مع شركة أخرى ... سألها وهل لدينا ملف سابق بتعاملاتهم ... تبسمت بداخلها .. أحست برغبته فى أن تبحث له فى نفس الدرج .. أجابته . نعم . ! وبصوت لا يسمعه ... ولكن بدرج آخر . دخلت مكتبه ومشت أمامه فى رقة تصطنعها حواء وقتما تشاء ولمن تشاء ... ووضعت يديها أعلى خصرها وشعرها الطويل ينساب خلفها يتدللى بانسياب ، تلتفت داخل أركان المكتب تأتى بالسلم .. ترفع قدم .. وتتباطىء بالأخرى .. تنذر عن وجود ساقين بضتين ..ارتكزت بإحداها عالية تاركة الأخرى بالدرجات السفلية .. أخرجت الملف .. نهض ليلتقطه منها تقابلت عيناهما .. ازدادت نبضات عروقه .. أمسك بيدها .. برفق تسحب يدها دون اهتمام به طلب منها الجلوس لتكملة ماسبق ..أخذت تقرأ عليه ما بالملف .. وهو يقرأ كل شيء فيها .. أحست بالفوارق وهى فى طريقها للإزالة .. حرك يديه على يديها تتبع حدود أناملها .. سحبت يدها بعد فترة .. وضع يسراه على شعرها يتحسس نعومته ، ويمناه على وجهها يتحسس تفاصيله .. لفحت أنفاسه جسدها .. برفق تدفعه بيدها .. ، تتمنع بالكلمات ، تهمس بألفاظ تزيدها أنوثة .. فتزداد رجولته .. اختلطت جميع الألوان على وجهها فرآها كبستان به جميع الزهور تبحث عن قاطف لها تبادلا النظرات .. والقبلات .. لم تشعر بالفوراق . ولم يشعر هو بنفسه .. أفاقا على صوت التليفون .. عدلت من ثيابها .. رد على عجل .. نظر لها .. فنظرت له .. فهما أن الطريق لم ينته بعد .. سحب الستار على الحاجز الزجاجى .. اتجهت ناحية الباب .. وأدارت اللافتة " مغلق " ...
.....،