أحدث المشاركات
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 26

الموضوع: قفزات فلسطينية ... رواية أنتم تصنعونها(دعوة للمشاركة)

  1. #11
    الصورة الرمزية أحمد عيسى قاص وشاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : هـنــــاكــــ ....
    المشاركات : 1,961
    المواضيع : 177
    الردود : 1961
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    --------------------------------------------------------------------------------
    (3)

    في مصنع "نشر " للاسمنت كان ذلك اليهودي الأصلع يستعد للقاء من نوع خاص ..
    جلس على مكتبه وقد بدأت أحلام الثراء تراوده وبين يديه الحزام الذي نزعه عمال المصنع من حول وسط "فارس " قبل أن يسلموه للعرب الذين جاءوا لتخلصيه من أيديهم ..
    - سيد(شالوم ) وصل يا سيدي ..
    قالها أحد العمال فرد عليه اليهودي بلفة :
    - أدخله بسرعة
    وما هي الا ثوان وكان شالوم يقف أمام (عزرا ) وجهاً لوجه ..
    طويل القامة كان ، نحيف ، أبيض البشرة ، حاد النظرات ..
    تأمله عزرا ثم أشار له علامة الجلوس ، فقال شالوم :
    - عساه أمر يستحق مشقة سفري يا عزرا ..
    - هو كذلك سيد شالوم ..
    وأخرج من درجه مسدساً حديثاً يبدو وكأنه لا ينتمي الى هذا العصر ، ووضعه على المكتب أمام ضيفه ...
    - بحق السماء ، أي سلاح هذا ..
    وأمسك السلاح بين يديه يتأمل فيه بانبهار كامل ، كان خبيراً بالأسلحة بأنواعها ، لكن هذا المسدس بخامته وخزنة طلقاته يختلف كلية عما ألفه أو اعتاده ...مسدس "بريتا" آلي بخزنة من تسع طلقات وانسيابية تامة ..
    - من أين لك هذا ؟ ..
    قالها شالوم وسط انبهاره ، فقال عزرا :
    - لا يعنيك من أين ، هو لك إن أرضيتني ..
    - وما الذي يرضيك يا هذا ؟
    لمعت نظرات عزرا في جشع وهو يقول :
    - بضعة آلاف يا صديقي .. فلنقل ... عشرة ..
    وهنا ، وقف شالوم محتداً ، واقترب من عزرا وهو يقول في صرامة :
    - يبدو أنك لا تفهم الأمر يا عزيزي ، لا يهمنا المبلغ فسندفع ما تريد ، لكنك الآن وبسرعة ستخبرنا من أين أحضرت السلاح وإلا فلسوف أجعل الدنيا تنقلب أمامك في ثوان ، هذا السلاح خطر يهدد الوطن المنشود ، ولا مجال للعب أو التهاون ..
    قال عزرا وقد بدأ موقفه يتراجع أمام صرامة محدثه :
    - سأخبرك ، سأخبرك بالقصة كاملة ..
    وبدأ يروي حكاية فارس الذي وجدوه ملقى في غرفة المدير المغلقة من الخارج ، والتي لا يستطيع أحد الدخول إليها ، وكل هذا دون كسر الباب أو القفل أو اختراق الشباك ، ملقى فاقد الوعي كان ، فضربوه وكانوا يهمون بقتله لولا تخليص بعض العرب له ..
    - فهل عرفت أحداً من هؤلاء العرب ؟
    - عرفت فيهم الشيخ إبراهيم ، والبقية كانوا يعرفونه جيداً ..
    - إذن ، سنحدد مكان هذا الشاب ، وأعتقد أنه سيبيت الليلة عندنا ..
    قالها ، ودار على عقبيه وعزرا يتحسس الحزام الفضي ويتأكد من ألا يراه أحد ..
    وكان يعلم أنها ستكون ليلة ليلاء ..
    ******
    مضت الساعات وفارس بين طرقات المدينة وبحرها وهوائها وهو لا يكاد يحس بمرور الوقت ، حتى تذكر وعده لأبي الهيثم بأن يكون عنده في حقله ، فعاد إلى البيت منادياً " علي " ومستنداً إليه كانت طريقه عبر المزارع والحقول الخضراء وصولاً إلى الأرض التي يزرعها أبو الهيثم ..
    وهناك رآه وقد شمر عن ساعديه وحمل فأسه وانهمك في عمله وقد غطى العرق بشرته السمراء ..
    أشار له أن تعال عندما لمحه من بعيد ، فما كان منه إلا أن شمر هو الآخر وهرول ليحمل الفأس الأخرى ويضرب بها كما يفعل أبو الهيثم ..
    قال أبو الهيثم :
    - أين ستصلي الظهر ..
    فارس :
    - حيثما تصلي سأصلي ..
    أبو الهيثم :
    - سنصلي اليوم في مسجد الاستقلال ، فالخطبة بعد الصلاة للشيخ حفظه الله ، وهناك سنعرفك عليه ، علك تنضم لنا وتفيدنا حيثما أنت ..
    قال فارس :
    - لا أظن أنني سأفيدكم حيثما أنا ، ولكن مع ذلك سأستمع لخطبة شيخكم ، سيسرني ذلك بكل تأكيد ..
    وعند صلاة الظهر كانوا قد غسلوا وجوههم وبدلوا ملابسهم وذهبوا إلى الصلاة في المسجد ، كان أبو الهيثم كمن سيلقى شخصاً مهماً جداً ، ولطالما تساءل فارس عن سر هذه الهيبة والاحترام الكبيرين اللذين يحتفظ بهما رجال هذا الشيخ في قلوبهم ..
    وأقيمت الصلاة ، كان الإمام ذا صوت رخيم قوي ، رتل القرآن بجودة واقتدار ، حتى لقد نسي فارس نفسه تماماً حتى ظن أنه تاه بين الآيات ..
    وانتهت الصلاة ليستدير الشيخ الإمام مواجهاً المصلين ، مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم مبتدئا خطبته بالصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم ، ورآه فارس ..
    أين رأى هذه الملامح القوية الوقورة ، هذا الشارب الرفيع واللحية التي ابيض طرفها ، هذه الجلابية البيضاء والعمة التي تتوج رأسه ... أين رأى هذا الرجل ..
    الخطبة تشتد حماسة والرجل ينسجم فيها ويشتد صوته ويزداد حدة ،وهو يتحدث عما يحاك ويدبر للعرب في فلسطين ، وعما ينوي الانتداب البريطاني فعله ، وعما يخطط اليهود له منذ اللحظة ، رجل عارف بتفاصيل الأمور هذا ، رجل يعرف ما يقول ، وتزداد الخطبة حماسة .. ويزداد الخطيب اشتعالاً .. حتى يراه المصلين بين ذهولهم وانبهارهم ، وقد أخرج سلاحاً كان مخبأً تحت ثيابه ، بندقية قديمة رفعها عالياً وقال في حماس :
    - من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتني مثل هذا ..
    الله أكبر ، قالها فارس ولم يتمالك نفسه ، هذا هو الرجل الذي تسمى تنظيمه العسكري على اسمه ، هذا الذي أذاق الانجليز الويلات وأشعل الثورة العربية الأكبر في فلسطين قبل النكبة ، هو عز الدين القسام ذاته ،بشحمه ولحمه ...
    لم يستطع فارس الاستمرار في الجلوس ، وقف محدقاً متأملا في ملامح الرجل ، ومثله وقف الكثيرين ، وقد بدأ الهرج والمرج يشتعل في الخارج ..
    وظل فارس على دهشته وانبهاره ، حتى وصل البيت وملامح مشعل الثورة لا تكاد تغيب عن ناظريه ، ولم تمض ساعة واحدة حتى جاء أبو الهيثم لفارس بالخبر الكريه :
    - اعتقلوا الشيخ القسام ..
    قالها وانهار جالساً بجوار فارس وهو لا يقوى على النهوض ..
    *********
    أموتُ أقاومْ

  2. #12

  3. #13
    الصورة الرمزية أحمد عيسى قاص وشاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : هـنــــاكــــ ....
    المشاركات : 1,961
    المواضيع : 177
    الردود : 1961
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. مصطفى عراقي مشاهدة المشاركة
    أديبنا القدير
    للتثبيت إعجابا ، وتشجيعا على المشاركة في هذه التجربة الجميلة
    أستاذي القدير : د. مصطفى
    لكم أسعدني مرورك أستاذنا وقد كنت حزين لقلة التجاوب ، لن مرورك وتثبيتك الموضوع وحده يكفيني ..

    ربما بدت الفكرة غريبة لكني لا زلت أنتظر تجاوباً من الأخوة ..

    تحيتي وسأكمل وحدي

  4. #14
    الصورة الرمزية أحمد عيسى قاص وشاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : هـنــــاكــــ ....
    المشاركات : 1,961
    المواضيع : 177
    الردود : 1961
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    (4)



    ساعات مرت وأبو الهيثم وفارس كخلية نحل لا يتوقف نشاطها ..
    كان خبر اعتقال الشيخ القسام قد مر كصاعقة على رؤوس أهل المدينة البسطاء ، لكنهم بعفوية كانوا ينتظرون شرارة لكي ينفجروا ، وكان فارس ورفيقه هم الشرارة التي أذاعت نبأ اعتقال الشيخ ، ودعت إلى تنظيم مظاهرات حاشدة بدأت رقعتها تتسع تدريجياً حتى عمت مدينة أريحا وضواحيها ، وقد خرج الناس من بيوتهم دفاعاً عن الشيخ ، المأذون ، الإمام ، الخطيب ، والثائر ..
    كان القسام يعني الكثير لأهالي حيفا خاصة ولفلسطين عامة ، فالقسام ، المولود في اللاذقية بسوريا سنة 1871 ، كان منذ صغره انساناً ليس عادياً ..
    كان يميل للعزلة ، دائم التفكير ، شديد النشاط ، متقد الذكاء .
    درس في الأزهر في مصر ، وكان من تلاميذ الشيخ محمد عبده ، وعند عودته لسوريا شارك في الثورة ضد الفرنسيين ، وبعد حكم بالإعدام عليه من الديوان السوري العرفي لجأ القسام الى فلسطين في سنة 1922 ، واستقر في قرية الياجور قرب حيفا، وعرفه سكان حيفا كواعظ ديني وإمام مسجد ورئيس جمعية الشبان المسلمين بالمدينة ، وكان يصل بفكره الى كل بيت من خلال عمله كمأذون شرعي ، لهذا أحبه الناس هناك وعرفوه رجلاً شريفاً حسن السمعة ..
    لكن النشاط السري للقسام كان يختلف قطعاً عن التنظير للثورة وحسب ..
    كان ينظم عصبة القسام ، ويختار في كل حلقة خمسة أفراد ، ويولي عليهم نقيب يتولى القيادة والتوجيه ، منظماً جداً كان الشيخ ، وكان يعد البلاد كلها للحظة الصفر التي تنطلق فيها الثورة ..
    وقد أتت مظاهرات الناس أكلها وخرج القسام من السجن بعدما عم الإضراب العام جميع أنحاء المدينة ..
    وبين المهنئين بخروجه سالماً كان فارس والشيخ إبراهيم ، وأبو الهيثم ، بالإضافة إلى طوابير الناس التي تصطف لتصافح الشيخ بعدما خرج من السجن منتصراً بإرادته وإرادتهم ..
    وها هو فارس يصافح الشيخ ، ها هو أماه وجهاً لوجه ، فمن كان يتصور هذا ، حلم مستحيل التحقيق كان ، لكنه أضحى حقيقة واقعة أمام عينيه ..
    - شيخي العزيز ، والله لم أتمنى أن أقابل أحداً في حياتي مثلما تمنيت أن أراك ..
    قالها للشيخ من بين دموعه فابتسم وربت على كتفه في حنان ، بينما مال ابو الهيثم على الشيخ يهمس ببضع كلمات في أذنه .. وكانت إيماءة الشيخ علامة الموافقة على عرض ابو الهيثم ، ورغم أنه كان بعيد ليسمع لكنه فهم أنه طلب من ابو الهيثم بقبول انضمام فارس إلى عصبة القسام ..
    ولما حدثه بذلك أبو الهيثم وهم في طريق العودة ، لم يتمالك فارس نفسه من القفز فرحاً وهو يقول بصوت متهدج :
    - لقد فعلتها .. وأصبحت عضواً في القسام مرتين ..

    *******
    في المساء ، كان فارس قد جمع أغراضه وتجهز للانتقال إلى بيت أبو علي ..
    كان فارس هو أول من طلب المغادرة وقد أحس أنه أثقل على ابو الهيثم ، ولم يوافق الرجل ولم يترك فارس الا عندما طلب المغادرة الى بيت أبو علي ..
    وأبو علي كان أرملاًَ وولديه معتقلين لدى الانجليز ، وكان بيته مفتوحاً للمناضلين ومكاناً لعقد الاجتماعات والندوات والتخطيط والتدبير ..
    وكم كانت صعبة ساعة الفراق ..
    الحاجة أم الهيثم لم تستطع منع دموعها وهي تقول :
    - والله لكأنك أصبحت واحداً منا يا فارس يا ولدي ، فلم تستعجل الرحيل ..
    فارس وقد بدا التأثر على ملامح وجهه :
    - وأنتِ يا أماه حملت كل طيبة وحنان أمي التي تركتها هناك ، ولكنه ليس فراق الآن .. فقد انتقلت من مكان الى مكان قريب ، والمسافة بينهما ليست بالبعيدة ..
    أما مريم ، فقد قاومت دمعة تجاهد للخروج من شِباك عينها ، وهي تقول :
    - لا تبخل علينا بزيارتك يا فارس ..
    ومحمود الفتى بجواره يمسك بيد فارس ويصمم على مرافقته حتى يصل إلى هناك
    - سنلتقي مرة أخرى يا مريم ، حتماً سنلتقي ..
    قالها والتقت عيناهما لثانية واحدة حملت الكثير من الكلام :
    عينيها : ترحل الآن بعدما التقينا أخيراً ..
    عينيه : هو الرحيل الذي كتب علينا قبل أن نلتقي ..
    - لكنني بدأت أشعر بالحياة مذ رأيتك ، أنت فارس أحلامي ، أنت الحبيب الذي تمنيته ، أنت الزوج الذي أستطيع ائتمانه على حياتي وروحي وقلبي ..
    - طريقنا ليست واحدة يا مريم ، دروبنا ليست واحدة ، أنت في زمن يختلف كلية عن زمني ، لذلك لا أستطيع شق أي طريق اليكِ ، كل الطرق مغلقة ولن تؤدي الى تلاقٍ ما .. ألا نقترب أكثر ، هو الحل الأمثل ..
    - وداعاً يا فارس
    - الى اللقاء يا مريم ..
    وأشاح بوجهه يرافقه محمود إلى بيت أبو علي .. مستقره الجديد ...
    كانت في الظلام عينين ترقبانه وقد التمعت نظرة شيطانية فيهما ..
    وكان صاحبهما يهودي ..

    *****
    وبدأ فارس يمارس عمله في صفوف عصبة القسام ، أصبح أميراً للمجموعة وكان معه شبان يشتعلون حماسة ..
    ها هم يجلسون في دار أبو علي ويلتفون في حلقة يتدارسون القرآن قبل أن تبدأ نقاشاتهم ..
    فارس :
    - يسعدني وقد انضم إليكم عضو جديد اليوم أن أعرفكم عليه ، هذا " عبد الله " من الشمال ، وهؤلاء أخوتك .. عماد ، سالم ، نافذ ، وأنا .. فارس ..
    تبادلوا عبارات الترحيب بسرعة ، وعاد فارس يقول في صرامة :
    - منذ اليوم ، ستتخذ الترتيبات شكلاً جديداً ، سأعلمكم تكتيكات لم تعرفوها من قبل ، سنتعرف على طرق القتال اليدوي ، واستخدام الأسلحة ، وفن التنكر والتخفي ..
    ستعرفون تقنيات تسبق عصركم ، ولكن بالمقابل أريد عقولكم وقلوبكم معي ، ستتحملون التدريب مهما كان قاسياً ، ولن تخبروا أمهاتكم بأسرار العمل .. هذه من بديهيات العمل الأمني ولسوف تقسمون عليها قبل أن نبدأ ..
    وهكذا ، بدأت جولة جديدة من التدريبات النظرية ، التي تنتهي باجتماع في جبال المدينة ..
    هناك ، كان المكان يتحول إلى ساحة تدريب يمارس فيها فارس كل خبرته في القتال والمواجهة ، عله يغير شيئاً في الحدث المر الذي حدث في زمنه وأصبح واقعاً ..
    كانت الايام تمضي بوتيرة واحدة
    لكن فارس كان يعلم أن شيئاً استثنائياً سيحدث بعد أيام قليلة ..
    ولسوف يكون شرارة الثورة ..
    وبداية المواجهة ..
    ونقطة التحول ..
    ******

  5. #15
    الصورة الرمزية أحمد عيسى قاص وشاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : هـنــــاكــــ ....
    المشاركات : 1,961
    المواضيع : 177
    الردود : 1961
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    (5)



    هكذا بدأ الناس يجتمعون لخطبة شديدة الاستثنائية للشيخ القسام ، إلى مسجد الاستقلال جاءوا سراعاً وقد علموا أن الشرارة ستنطلق من هنا ، وكان فارس في المكان يحاول تأمينه والتأكد ألا عيون للعدو بالداخل ...
    في الخطبة كان الشيخ متألقاً كعادته ، شعلة تتوهج بالإيمان ، وقد ظل على ثباته وقوة صوته، وهو يفسر لهم الآية الكريمة من سورة التوبة " ألا تقاتلون قوما نكثوا إيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة . أتخشونهم ؟ فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين "
    وهكذا يتهدج صوته ويختلط بأسه وقوته بحزن شديد وألم يرافق كلماته التي تزأر بها حنجرته ..
    وهنا قال :
    - أيها الناس : لقد علمتكم أمور دينكم، حتى صار كل واحد منكم عالما بها، وعلمتكم أمور وطنكم حتى وجب عليكم الجهاد، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد: فإلى الجهاد أيها المسلمون، إلى الجهاد أيها المسلمون..
    وما أن انتهت كلماته ، حتى علا تكبير فارس ، وأجهش الناس بالبكاء ، وأقبلوا على يديه يقبلونها ، وقد أخذوا يعاهدونه على القتال في سبيل الله ، المئات من الناس كانوا يصبحون مقاتلين في سبيل الله هكذا ، بعهد واحد يقطعوه على أنفسهم أمام الله وبحضور الشيخ وصحبه ...
    وهنا انصرف الشيخ مسرعاً إلى بيته ، وخلفه فارس ورفاق مجموعته يحرسونه ، وهناك ودع أهله و وجيرانه وذهب وفي يده بندقيته ، وخلفه عشرات المقاتلين منطلقين إلى الجبال ، وما أن استقر بهم المقام هناك ، حتى جاء الخبر من المدينة بأن الانجليز داهموا بيت الشيخ ومعهم الأوامر بإلقاء القبض عليه ومحاكمته ...
    ومن يومها بدأت مرحلة جديدة ..
    اشتهرت عصبة القسام وأصبح الشيخ عز الدين القسام علماً من أعلام الجهاد وأصبح اسمه مرادفاً للثورة معروفاً في فلسطين من أقصاها إلى أقصاها ..
    أما فارس فقد صارت مجموعته هي الأشد تأثيراً ، وغدا يدرب قادة المجموعات الأخرى ليستفيدوا بخبرته ومعرفته بفنون القتال ، وقد علم فارس أن الحاج أمين الحسيني وبعد اتصال من الشيخ ليعد للثورة في منطقته قد رفض العرض وفضل أن تحل القضية بالطرق السلمية ..
    وهكذا تمضي الأيام والتدريبات على أشدها ، وعمليات القسام وجهاده ضد الانجليز أصبحت حدثاً يومياً تنتشر أخباره في كل مكان من فلسطين ويتحدث عنه المواطنون بكل فخر وشرف ..
    لكن خبراً كالفاجعة يحل على قلب فارس حين جاءه أحد رجاله صارخاً :
    - اليهود اختطفوا محمود ، وأبو الهيثم يكاد يجن ..
    وهنا أيقن فارس أن المواجهة قريبة جداً مع عدوه التقليدي ..بني صهيون .
    *********

    في أحد المخازن القريبة من مقر الشركة اليهودية كان الفتى محمود مقيداً على كرسي خشبي ملقى بإهمال في وسط المخزن ...
    وأمامه كان يقف عزرا ، ورجاله يحيطون بالمكان وهم يحملون بنادقهم ..
    أما شالوم فكان يجلس في مقعد مقابل للفتى ويحاول استنطاقه للمرة الرابعة على التوالي ..
    - إذن فأنت لا تعرف هذا الشاب فارس ولا تعلم من أين أتى ..
    - أخبرتك أنني لا أعرف عنه الا أنه صديق والدي ، وقد جاء بيتنا أول مرة وكان مصاباً ملوثاً بالدماء ..
    -نعم نعم اعرف ذلك .. على كل حال سننتظر حتى نسمع منه بنفسه ..
    كان بغيضاً ككل اليهود ، نظراته تشع كراهية ، وملامحه تنطق بالخسة والوضاعة ، هكذا رآه محمود ، هكذا أحس بكراهية لا حدود لها لهذا الشخص ولكل من يقف في هذا المكان الكئيب .. لم يكره الانجليز يوماً مثلما كره هؤلاء ، وكان يشعر في قرارة نفسه أن الحرب القادمة ستكون معهم ، وأنه يوماً ما سيحمل السلاح ليقتلهم ويقاتلهم ... سيكون هذا هدفه ، ولسوف يعرف كيف يقتص منهم ..
    هكذا ورغم سنوات عمره إلا أن عهداً كان يتم بينه وبين نفسه ، عهده ألا ينسى وألا يغفر أو يسامح .. فقد اقتحموا بيته وضربوا أخته مريم ،وسرقوا البيت ، واختطفوه وعذبوه .. لن ينسى لهم اقتحامهم لبيته وسرقتهم لما فيه وتعديهم على شرفه ... عهد يقطعه أمام نفسه .. ولسوف يبقى على العهد .
    عزرا :
    - أرسلت لهذا الشاب "فارس " أن يلقاك بجوار الميناء ، وكل رجالنا هناك وقد أحاطوا بالمكان ، موعدكم بعد ساعة واحدة ..
    شالوم :
    - ما يهمني ألا يغيب عن نظر رجالك فور ظهوره ، أريد أن أعرف كل همسة وكل حركة وكل خطوة يخطو بها ، أريد أن أعرف من يقابل ومن يعرف ومع من يتعاون .. هكذا سنعرف مصدر أسلحته السرية ونعرف كيف نحصل عليها أو ندمرها قبل استخدامها ضدنا ..
    وهكذا بدأ رجاله في الحركة ، وبعد ساعة واحدة كان شالوم يضع مسدس فارس المحشو بالطلقات داخل جيبه وينطلق الى مكان اللقاء ..
    إلى مصيدة يكاد أن يقع فيها فارس في زمن سابق لزمنه بعشرات السنوات ..

    *******


  6. #16
    الصورة الرمزية أحمد عيسى قاص وشاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : هـنــــاكــــ ....
    المشاركات : 1,961
    المواضيع : 177
    الردود : 1961
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    (6)

    في الميناء كان فارس يقف عاقداً ذراعيه أمام صدره ينتظر قدوم اليهودي شالوم حسبما اتفق هو ورسول عزرا ..
    كانت المساء قد تلونت بلونها الذهبي الأخاذ وهي تتوارى في خجل خلف البحر الذي يطل شامخاً متلألئا ، وقوارب الصيد الفلسطينية تنتشر حول الميناء ، وأصحابها يربطون قواربهم ويغادرون الميناء والحركة تخفت تدريجياً مع انحسار أشعة الشمس ..
    - هو أنت إذن فارس ..
    قالها شالوم وقد وقف أمام فارس وجهاً لوجه وخلفه اثنين من حراسه الشخصيين وقد بدت ملامح الفتوة على أجسامهم الضخمة ..
    - ما الذي تريده يا سيد ...؟
    - شالوم ... نادني شالوم ..
    - ما الذي تريده يا شالوم ..؟
    شالوم وهو يميل على فارس :
    - ومن قال أنني أريد شيئاً ، فقط أحببت أن أتعرف على وافد جديد على مدينتي ..
    - سيد شالوم ، دعنا نتحدث بأوراق مكشوفة ، لديك شخص يهمني وأنت تعرف ذلك ، الآن ما هي مطالبك ؟
    شالوم وهو يخرج مسدسه ويلصقه بصدغ فارس :
    - هذا المسدس ..
    ثم أبعده وهو يلوح به في حركة مسرحية ..
    -من أين حصلت عليه ، المعلومات الكاملة ، والى من تنتمي ، جماعة الشيخ القسام لا تمتلك مثل هذه الأسلحة المتطورة ، لحساب من تعمل ؟
    بضع أجوبة وتحرر الفتى الذي أصبحت حياته رهن تصرفك ..
    فارس :
    - أجوبة فقط ..
    شالوم :
    - وكل الكمية التي تمتلكها من هذا السلاح .. وإلا فلن تبيت ليلة أخرى على قيد الحياة ..
    أنت تعلم أين تجد صديقي عزرا لتبلغه الجواب ..
    ودار على عقبيه منصرفاً ، فنادى عليه فارس :
    - انتظر ..
    التفت إليه مبتسماً ، فقال فارس في صرامة :
    - كل صفعة يتلقاها محمود ستعني لي رصاصة جديدة في عنقك ، احرص أن تعامله جيداً ..
    ولسوف نلتقي قريباً ..
    شالوم :
    - نعم يا عزيزي ، سنلتقي قريباً ..
    وانصرف في حنق ، وفارس يتلفت حوله وقد لمح رجاله المنتشرين في كل مكان ، ودار على عقبيه متجهاً صوب الجبال التي يختبأ فيها القسام ورجاله ...
    وكانت العيون الخائنة تراقب كل خطوة يخطوها فارس ولحظة المواجهة تقترب أكثر وأكثر ..

    *******
    في منزل أبو هيثم كانت الدموع هي سيدة الموقف ...
    والنواح والعويل كانا مسيطرين على المنزل الصغير والجيران من النسوة يلتففن حول مريم وأم الهيثم ويبكين لبكائهما ..
    أبو الهيثم يصيح في النساء :
    - كفاكن صياحاً وعويلاً فلقد اكتفيت ..
    وأشار الى أم الهيثم قائلاً في صرامة :
    - اصرفي جاراتك وأحضري لي بندقيتي وجلابيتي وعقالي ، فالمعركة مع اليهود تقترب ..
    ولا تحزني كثيراً فلسوف يعود محمود ..
    أم الهيثم وهي تحاول مسح دموعها بأكمامها :
    - طفلي الصغير ذهب ضحية حرب ليس له يد فيها ، فلا تورطوه يا أبا الهيثم .. اعطوهم ما يريدون وأعيدوا لي ولدي ..
    أبو الهيثم وهو يتناول جلابيته من مريم التي أحضرتها مسرعة ، ويلبسها وهو يراقب النسوة وقد فررن من المنزل فور دخوله :
    - سيعود .. ثقي أنه سيعود فان الله معنا .
    وسلم على زوجته مودعاً إياها :
    - اعتني بنفسك جيداً فربما تطول الغيبة هذه المرة .
    كانت مريم تراقبه ، وقد لبست ثوبها ومنديلها وحملت على ظهرها بندقية أخيها هيثم الأسير ..
    كان " هيثم " شاباً يافعاً طائش التصرفات ، حتى جاء الشيخ القسام إلى المدينة وسمع له هيثم خطبة الجمعة فتأثر وبكى ، وجاءه يطلب التوبة فأخبره أن باب التوبة مفتوح وان الله يغفر الذنوب ولو كانت كزبد البحر ..
    ثم أنه أهدى له بندقية وأخبره أن يحتفظ بها وأن يتدرب عليها لكي يجاهد في سبيل الله ..
    وهكذا فان هيثم آخر قد ولد ، وكان لتغيره عظيم الأثر في جعل والده يسلك ذات الطريق التي سلكها ولده وينضم إلى عصبة القسام .
    وهي لن تترك والدها وأخيها الصغير في قلب الخطر دون أن تحرك ساكناً ..
    وهكذا خرج أبو الهيثم من الدار ، ومريم تتبعه خطوة بخطوة ، متجهين جميعاً إلى مصير مجهول ..

    *******

  7. #17

  8. #18
  9. #19
    الصورة الرمزية أحمد عيسى قاص وشاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : هـنــــاكــــ ....
    المشاركات : 1,961
    المواضيع : 177
    الردود : 1961
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    (7)

    هكذا يقترب "فارس" من الجبال التي يختبأ فيها القسام وصحبه ..
    طريق طويلة كانت ، بين الأشجار التي شمخت في قلب المدينة ، الشمس اختفت وبدأ القمر خجولاً في الصعود إلى السماء الداكنة ..
    ذلك القمر الذي شكل مساحة واسعة من قاموس العشاق على مر الزمن ، كان لا يعني لفارس إلا الوحدة والألم اللذين يحس بهما وقد طال اشتياقه لحضن أمه ..
    هذه التضاريس التي تظهر واضحة وكأن القمر كان أصفى وأهدأ بالاً حين كانت فلسطين هي فلسطين ولم تكن نكبتها قد بدأت بعد ..
    وبطرف عينه كان فارس بخبرته الأمنية يعرف جيداً أن الرجلين اللذين يتبعانه لا زالا يقتفيان أثره محاولين ألا يفقدانه مهما كان الثمن ..
    وما أن دنا من المقر حتى أسرع الخطى فجأة حتى تباعدت المسافة بينه وبين الرجلين شيئاً فشيئاً ثم التفت إلى اليسار فجأة مغيراً اتجاهه ، وفوراً كان قد نزعت قميصه وسترته وتبادلها مع عماد الذي كان ينتظره ، ولبس فارس قميص سترة عماد وانطلق في طريق أخرى وهو يقول مشيراً إلى الرجلين اللذين بدأا في الظهور :
    - هما لك ..
    وانطلق مسرعاً ، أما عماد فقد تعمد التريث قليلاً حتى لمحه رجلي شالوم وانطلقا خلفه ، وبدأ هو في شق طريقه بين الجبال الى أن انحرف فجأة خلف نتوء صغير ، وما أن تبعه الرجلان حتى وجدا مجموعة كاملة في الانتظار ، والشيخ إبراهيم يقول في سخرية :
    - أهلاً بالصيد الثمين ..
    الدهشة تبدو على وجوه اليهود ، يحاولان التملص من أيدي المقاومين لكن لكمتين تحسمان المعركة بسرعة وسلاسة ..
    أما الشيخ إبراهيم فقد نظر إلى حيث اختفى فارس ، وهو يتمتم :
    - وفقك الله يا صديقي ، لك الله ..


    ******


    تقترب المعركة من نهايتها ، كان فارس يعلم هذا من سياق الأحداث ، لكن أي نهاية ستنتهي ، وأي روح بريئة ستزهق دون أي ذنب ، وأي حيلة له في هذا الأمر كله ..
    هذا ما يؤرقه ..
    الآن يعود هو بطريق عكسية تماماً إلى حيث كان في الميناء ، الليل يقترب من الانتصاف ، والسماء تلبدت بالغيوم ، والقمر لم يعد يظهر منه إلا أشعة باهتة تستطيع بالكاد تجاوز السحب المعتمة التي سبحت إليه بخطى وئيدة ..
    ولما وصل الى مكان اللقاء قبل ساعات مع شالوم ، كان بانتظاره هناك عضو مجموعته " سالم " وفور أن رآه هرول مسرعاً وهو يقول في لهفة :
    - حمداً لله على سلامتك ، الخطة تسير على ما يرام ، تتبعنا شالوم وعرفنا مكان احتجاز محمود ، في مخزن قديم خلف مصنع صديقه عزرا .. والرجال الآن يراقبون المكان ..
    فارس :
    - حسناً فعلتم يا رجال ..
    سالم :
    - هيا بنا إذن ..
    فارس :
    - ليس بعد يا صديقي ، ليس بعد ..
    نظر إليه سالم متسائلاً ، فقال :
    - هل أحضرت ما طلبته من مشتريات ..
    سالم :
    - كل ما طلبته هناك في منزل أبو علي ..
    فارس :
    - فلننطلق على بركة الله ..
    لساعة كاملة وقف سالم في بيت أبو علي يراقب فارس مشدوهاً ..
    كان قد غاص بين الكبريت ومسحوق البارود وبدأ في إعداد قنابله الخاصة ، بدأ بزجاجات المولوتوف ، مستخدماً الزجاجات الفارغة التي استطاع رفاقه الحصول عليها ، بلل قطعة قماش بالكيروسين ، قام برش مسحوق البارود عليها ، ثم وضعها في زجاجة تحتوي بعض البنزين ..
    وهكذا كان فارس يعمل في سرعة وسالم يعاونه ، كان قد صنع خليطاً من عدة قنابل من المولوتوف ، بعضها باستخدام الكروسين ، وبعضها باستخدام البنزين والبارود ، حيث قام بلف البارود في مناديل ورقية صغيرة قطرها 1 بوصة واضعاً الفتيل في هذه الكرة ، ثم انه ملأ ثلث الزجاجة بخليط من الكحول والبنزين ، لم ينس أن يثبت الزجاجة بغطاء محكم مستخدماً الشمع لتثبيت الفتيل بينما كانت كرة البارود تتدلى في الخليط ..
    ثم أنه بدأ في صنع القنابل ، وقد كان فارس يتحدث وهو يعمل في سرعة ، يحاول أن يشرح لرفيقه كل شيء أثناء عمله ..
    استخدام فارس أنبوباً من الصلب مغطى أحد طرفيه وطوله قدم ، أفرغ بداخله صندوق من الصودا المستخدمة للخبز لتكون في نهاية الأنبوب ، وضع فوقها الكثير من الحصى ، ثم فوق الحصى برطماناً صغيراً من الزجاج الخفيف الممتلئ بالخل ، ولما ظل فراغ في الأنبوب قام بملأ الأنبوب بالمناديل ثم أقفل الأنبوب بغطاء محكم ....
    طبعاً كان سالم يعمل رغم نظرات التساؤل التي تعلو وجهه ، فقال فارس شارحاً ما سيحدث :
    - فور إلقاء هذه القنبلة فوق شيء صلب تنكسر الزجاجة بما تحتويه من خل فيبدأ التفاعل بين الصودا والخل فتتسرب الغازات إلى أن ينفجر الأنبوب ...
    ولم تستغرق العملية أكثر من ساعة واحدة كان فارس ينهض في نهايتها وأمامه العشرات من قنابل المولوتوف وقنابل الأنابيب المصنوعة يدوياً ..
    تأكد من أن بندقيته محشوة ، ووضع الذخيرة الكافية في حقيبة حملت ما استطاع من قنابله ..
    ثم أن سالم حذا حذوه وانطلق الرجلان إلى هناك ..
    حيث يقبع محمود ..
    وحيث المواجهة الأعنف ..

    *******

  10. #20
    الصورة الرمزية أحمد عيسى قاص وشاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : هـنــــاكــــ ....
    المشاركات : 1,961
    المواضيع : 177
    الردود : 1961
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    (8)

    حول المخزن ، انتشر رجال المقاومة وأحاطوا به محافظين على مسافة بينهم وبينه خوفاً من تواجد رجال للمراقبة فوق سطح المبنى ..
    كان نافذ يحرص على متابعة تحركات رجال عزرا وشالوم أولاً بأول ..
    لاحظ بداية أن العدد يتراوح من ثلاثة عشر إلى خمسة عشر رجلاً يحيطون بالمبنى من الأمام ، والخلف ، وفوق السطح ، بالإضافة إلى المتواجدين بالداخل ..
    بنادقهم محشوة ومجهزة وأصابعهم على الزناد متحفزة ، ونظرات الترقب تنعكس واضحة جلية من نظراتهم وطريقة كلامهم ..
    وما هي إلا دقائق وكان فارس وسالم قد وصلا ، فالتقى الرجال ، وتم توزيع القنابل والذخائر على الرجال ، وبدأ فارس في شرح خطته لهم وتوزيع الأدوار والمهام ..
    كان الرجال يتمتعون ببصيرة متفتحة ، وينفذون الأوامر دون جدال وهو ما يميز الجندي الناجح ..
    - الآن ..
    قالها فارس وهو يشير لهم علامة الانطلاق ..
    وانقلب المكان إلى ساحة معركة في دقائق قليلة ..
    سالم ومجموعة يقودها انطلقوا محاصرين الجهة الخلفية للمبنى واشتبكوا فوراً مع الرجال المرابطين حلف المبنى ..
    أما نافذ ورجاله فقد قذفوا الزجاجات الحارقة على سطح المبنى ، فاشتعلت ، وانتشرت النيران على مسافة واسعة وبدأ صراخ الحراس في التعالي ..
    أما عبد الله ورجاله فقد ألقوا قنبلة على الجدار الجانبي للمبنى ، بينما اندفع فارس وعماد عبر الباب وقد سبقتهم طلقاتهم إلى صدور الحراس المرابطين أمام الباب الأمامي ..
    وفي الداخل كان الهرج والمرج قد سيطر على المكان ، وبدا الهلع والرعب يرتسمان على ملامح عزرا وهو يعدو دون وعي منه حتى استطاع إلقاء نفسه من النافذة ناجياً بحياته ..
    شالوم أمر رجاله بفك وثاق محمود وما أن اندفع فارس وقد سيطر ورجاله على أغلب أجزاء المكان حتى كان شالوم يحيط بعنق محمود ومديته أمام عنق الفتى الصغير ..
    شالوم صارخاً :
    - توقفوا وإلا نحرت الفتى .. أوقف رجالك يا هذا ..
    فارس وهو يشير للرجال ألا يطلقوا النار عليه :
    - أنت تعرف أنك لن تخرج من هنا حياً .. استسلم وسوف أضمن لك حياتك .. في الأسر طبعاً .. أما إن مسست الفتى فلسوف تموت .. هذا وعد مني ..
    شالوم :
    لقد أرسلت رجالي لمراقبتك وقتلك لو استدعى الأمر ، فكيف أفلت منهم ، وكيف استطعت الوصول إلى مكاني ..
    فارس مبتسماً :
    - رجالك الآن في خبر كان أيها اليهودي ، وكما حاولت تتبعي فقد تبعك رجالي واستطاعوا الوصول إلى هنا .. خطواتكم مكشوفة وأساليبكم بالية ..
    شالوم :
    - دعني أخرج وإلا سيموت الفتى ..
    فارس :
    - لو تركتك الآن ستكون أنت ممن يشاركون في المجازر ضد شعبي ، للأسف أيها اليهودي .. لت أتركك تعيش لتهجرني وتحتل أرضي ..ستموت قبل أن تفعل ..
    قالها ورفع بندقيته مصوباً الى شالوم الذي لا زال يردد صارخاً :
    - سيموت الفتى قبل أن تضغط أصابعك الزناد ..
    فارس :
    - يبدو أنك نسيت أنني جندي في كتائب القسام ..
    وانطلقت الرصاصة إلى صدغ شالوم ، يسقط كالحجر وعلامات الذهول ترتسم على ملامح وجهه وتختلط بالرمال التي غطتها دماءه وهي تنتشر وتنتشر..
    فارس وبندقيته تتراخى إلى جواره ومحمود الصغير يرتمى في حضنه وقد بدأت الدماء تعود لوجهه الشاحب :
    - سيكون القسام عنواناً لعذاباتكم منذ الآن وحتى ترحلون عن أرضي وتعودون من حيث أتيتم ..
    خذ كل ذخيرتهم يا سالم ، وفجر المكان وارحلوا في سرعة قبل أن تأتي دوريات الانجليز ..
    أما أنا .. فأمامي مهمة لا يمكنها الانتظار ..
    *****

    خلف صخرة قاسية تمدد أبو الهيثم والأمل والألم يتنازعان على ملامحه ..
    أي حال ستصبحين فيه يا فلسطين .. وأي مصير مجهول ينتظرك بالأفق ..
    دلائل كثيرة تشير إلى عاصفة قادمة ، نكبة ستطيح بالأرض والمكان والهوية ، آه لو كنا نمتلك ألف رجل مثل فارس ..
    أي فارس هذا الذي ظهر فجأة برجولة وجلد وفكر متقد ... أي شجاعة تجعله يجند خيرة الرجال ويعد العدة ليهاجم اليهود في عقر دارهم ،فقط ليحرر طفله الصغير من أياديهم الخبيثة ..
    من أي البلاد أنت ؟ .. وأي هزيمة تتحدث عنها يا أبا الهيثم وفي فلسطين رجال مثل هؤلاء ..
    هكذا كان الرجل يحدث نفسه ، وصورة ولده ترتسم أمامه مشرقة مضيئة فلا تغيب ، ولسانه يلهج بالدعاء أن يوفق فارس وصحبه ..
    من بعيد .. بدا شبح يقترب من مكانه .. فاعتدل أبو الهيثم ممسكاً بندقيته صارخاً في ذلك القادم من بعيد ..
    لكن الشبح يقترب أكثر وأكثر ، وملامحه تتضح وتتشكل ..والذهول في قلب أبو الهيثم يكبر ..
    - ما الذي جاء بك إلى هنا يا مريم ..؟
    مريم :
    - جئت أزف إليك الخبر السعيد أي والدي .. فقد ورد من الرجال الآن أن محمود بخير وقد حرره رجالنا..
    - حمدا لك يا الله ...
    قالها والدموع تترقرق في عينيه ، والفرحة الطاغية تبث الروح في جسده الشاحب ..
    دقائق جلس وهو يتمالك نفسه ، وجلست بجواره مريم ..
    يلمح البندقية التي تتعلق بكتف مريم فيقول :
    - ولماذا تحضرين بندقية "هيثم " ؟؟ ..
    - لأني لن أفارقك يا والدي فقد اخترت الشهادة في سبيل الله ..
    - وهل تظنين هذا اختيارك ؟ .. عودي يا بنيتي إلى حيث والدتك وأخوتك ..
    - عذراً يا والدي لكني اخترت طريقاً لن أحيد عنها .. ولسوف أبيت معكم هنا ..
    أبو الهيثم :
    - ومن قال لك أننا سنبيت الليلة هنا ..
    لقد صدر الأمر للرجال بالتحرك ..سننتقل إلى( جنين ) ... إلى ( يعبد ) محطتنا التالية .. وندعو الله ألا تكون الأخيرة ..

    *******

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. قفزات التعليم والتنمية في عصر التغيير والمنافسة ...
    بواسطة فؤاد البابلي في المنتدى أَكَادِيمِيةُ الوَاحَةِ للتَنْمِيَةِ البَشَرِيَّةِ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-07-2010, 07:54 PM
  2. سبحان الله .. دعوة للمشاركة
    بواسطة د.جمال مرسي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-12-2005, 08:44 AM
  3. مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 21-03-2005, 12:06 PM
  4. دعوة عامة للمفكرين في الواحة للمشاركة في : فتح ملفات
    بواسطة ابو نعيم في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24-01-2005, 11:22 PM
  5. دعوة مفتوحة للمشاركة باقتراحات وحلول لواقع الامة اليوم .
    بواسطة ابو نعيم في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 08-12-2004, 12:45 AM