من آثار الهزيمة النفسية النكراء التي ما زالت تعصف ببعض مثقفينا أو من يدعون الثقافة ، ومن يحملون لواء الإسلام للدفاع عن أمة الإسلام أنهم يرفضون الاستماع إلى منطق الآخرين ممن هم أعداء لنا ، وأشد ما يثير العجب بل الجنون هو أن ترى أحد هؤلاء المثقفين يحاور عدواً لك يحتج بالقرآن وبآياته ، وفي نقاط يظن أنها تخدم قضيته ، وبدلاً من أن نرحب بهذا الفكر ونستثمر هذه الفرصة ؛ فرصة أن عدوي يستشهد بقرآني للتدليل على صحة رأيه ، نجد المثقف المغوار يهاجمه ويمنعه من استخدام القرآن وألفاظه بدعوى أنه ليس له علاقة بالقرآن ، وبدلاً من أن يناقشه الحجة بالحجة تجده يقاطعه باستمرار وبشكل غير مبرر ولدرجة أن تشعر أمام هذه المقاطعة بالتعاطف مع هذا العدو والذي بدا دبلوماسيًا ولطيفًا وأيضًا خبيثًا في طرحه لمجمل الأمور التي دار حولها النقاش .
ومما يدعو للأسف أن يظهر رجل يمثل الحكومة البريطانية وهو المتحدث الرسمي باسمها في برنامج عربي " الاتجاه المعاكس" وفي ذكرى أليمة وهي ذكرى اغتصاب فلسطين فنضيّع فرصة الحوار معه ونرى الطرف الآخر والذي يمثل الطرف العربي مع الأسف - مع الأسف - لا يجيد فن الحوار والدبلوماسية واللباقة ، فتراه كالمجنون تارة يصيح وتارة يشير بيديه وتارة أخرى يصيح ويقف ويشير بيديه ، أمّا خصمه ومحاوره فهو هادئ جدًا بل إنه يستشهد بآية قرآنية ويرد عليه " إن أنكر الأصوات لصوت الحمير " تخيلوا !!!
ثمّ يستمر النقاش والضيف البريطاني يحاور وبهدوء أمّا العربي "البطل "فإنه يصرخ ويصرخ ويتهدد ويتوعد لدرجة أن ذلك البريطاني يقول له : وكما تقول الآية الكريمة : لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا ، وذلك في محاولة منه لجعل هذا المثقف يكون عادلاً تجاه بلده ، فيرد عليه المثقف العربي : لا تذكر القرآن على لسانك رجاء ، وكأن القرآن الكريم " أنزل عليه لوحده " وممنوع على غيره أن يتكلم به ، وبدلاً من أن يناقشه في القرآن وفي آيات أخرى تفيد بالدليل القاطع على حقنا في الدفاع عن أنفسنا وفي قتال عدونا ومن أخرجنا من ديارنا تجده يمنعه من الكلام بالقرآن أليس هذا بالفضيحة وفضيحة كبرى ومأساة أيضًا ؟!!!
لماذا هي فضيحة ؟ لأنها ببساطة تفيد أننا لا نعرف أساليب الحوار ولا نعرف كيف ندافع عن حقوقنا أمام عدونا ،فهذا الرجل البريطاني والمتحدث باسم الحكومة البريطانية استشهد بآيات من القرآن الكريم ومنها هذه الآية لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا " المائدة آية 8 ومعنى هذه الآية كما جاء في التفاسير" وأما قوله : ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا ، فإنه يقول: ولا يحملنكم عداوة قوم على أن لا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم ، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة" ، وبالتأكيد أنه كان يعرف المعنى وإلا لما ذكر هذه الآية الكريمة ، وهنا تكمن الفضيحة والعجز عند بعض المثقفين الذين يتصدون للحوار والنقاش أمام الغير وهم غير مؤهلين لمثل هذا الأمر ، ولو كانوا كذلك لرد عليه هذا" المثقف العربي" وهو دكتور وجاء بآيات أخرى وكثيرة تدل بل وتفرض علينا قتال قومه ومن هم على شاكلتهم لأنهم كانوا السبب الرئيسي في ضياع وطن وتشريد أهله بل والاعتداء على معظم أوطاننا ، والحوار سيكون هنا مفيدًا ومثمرًا كيف لا ؟ وقد استشهد عدوك بقرآنك وأنت تستشهد بقرآنك لتثبت لعدوك صحة معتقدك ومبدأك .
ولماذا هي مأساة ؟ لأن عدونا يعرف القرآن ويستشهد به ليدلل على رأي أو مفهوم يراه مناسبًا وما يرمي إليه من قصد أو معنى ، بينما نحن وبدلاً من أن نرد عليه وبنفس المنطق نمنعه من التكلم بالقرآن لماذا ؟ أليس هذا تخلفًا ؟
لماذا يعتقد البعض انه يمنع على من هم من غير أبناء هذا الدين التكلم بالقرآن الكريم وآياته ؟ لذلك تجده يجن جنونه إذا حدث ذلك ؟ هل هذا من الدين ؟ أليس هذا قصورًا في الفهم وجهل بل وتخلف لمن هم يعتقدون أنهم يحملون الشهادات العليا وفي المقابل تجدهم لا يجيدون الكلام والحوار .
لماذا نصرخ كثيرًا ونصرخ لدرجة أننا لا نستطيع بعدها أن نسمع حتى أنفسنا ؟
قد يقول قائل : يا أخي ما فائدة أن تحاور عدوك في برنامج عربي عابر وحتى لو لم تصرخ بوجهه وحتى لو أعطيته كل الوقت الكافي وحاورته فما الفائدة من كل ذلك ؟
هنا علينا أن نقف قليلاً ونرد بهدوء ، نعم هناك فائدة في محاورة عدوك وأمام الرأي العام ، وحتى لو لم يكن لدى شعوبك رأي عام ، فعلى الأقل لدى عدوك رأي عام وهم ينقلون إليهم مثل هذه الحوارات ليدللون على صحة أرائهم والتي تقول العربي ما هو إلا همجي ولا يعرف كيف يحاور وكيف يتكلم إنه باختصار إرهابي ؟
كما إن النضال والجهاد ليس كله متعلق بالسلاح الحربي ، وليس كله رصاص ؛ فالقلم رصاص إن لم يخرق عقل عدوك وقلبه ، فإنه سيفتح عقل وقلب هذه الأمة النائمة والتي بات يتصدى لإيقاظها أناس ساهموا في زيادة نكباتها ، وسباتها أيضًا .
إن هذا الحوار الذي أشرت إليه كان بعنوان " الدور البريطاني في المآسي العربية" ولعل الأمر لا يتوقف عند هذا الحوار ، فلقد شاهدنا وفي أكثر من مكان حوارات عقيمة ظهر فيها الممثل العربي الإسلامي ضعيفًا وغير مقنع ولا يجيد سوى الصراخ والجعجعة الفارغة وعلى عكس الطرف الآخر تمامًا.