أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 28

الموضوع: ويأتي الربيع ..

  1. #1
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي ويأتي الربيع ..

    ويأتي الربيع ..

    كان الدرج يصرّ تحت قدميه .. جفاه الكرى ، فانزلقت به ذكريات الماضي القريب ..
    بتثاقل تطأ قدماه على الدرج .. فاستقر أخيراً على الأخير .. قلب النظر في أرجاء الصالة التي بدأت تستقبل أولى أشعة الشمس الدافئة .. كل شيء في الصالة .. الطاولة الفارغة .. الأكواب الفارغة .. الرفوف الفارغة .. كان يكس نفسيته الفارغة من كل إحساس بما يحصل وقتذاك ..
    لقد ترك فؤاده هناك .. بعيداً .. خلف آلاف الأميال .. ولو كان اللقاء ممكناً لباع حياته بلحظة دفء كفيها ..
    بتثاقل أيضاً أحضر كوباً من الشاي علّه يصحو من نوم الأشهر الفائتة ، بل قل من ضياعه ..
    ثم توجه نحو النافذة المطلة على حديقة المنزل .. فتحها .. استقبل بوجهه أولى النسمات الصباحية التي تودع الشتاء .. مع أن الثلج كان لا يزال يغطي الأرجاء ، والبرد لا يزال يبسط سلطانه في الأجواء ..
    هل سيكون القادم أفضل ؟ هل استطيع أن ارسم على تقاسيم وجهي الكئيبة الحزينة ابتسامة ولو متكلفة أو مصطنعة يوماً ما ؟ هل بقيَ لي هناك شربة ماء قبل أن يختفي هذا الجسد في تراب الغربة ؟
    غرق في تساؤلاته محاولاً فتح كوة ولو صغيرة للتفاؤل المستحيل ..
    لسعة بردٍ ضربت جسده النحيل ..
    كان نهاراً استثنائياً بحق .. مساحات من البياض تعكس أشعة الشمس بانسيابية خلابة .. أغصان الأشجار تنفض عن نفسها كتل الثلج المتراكم ، فيتساقط الثلج محدثاً صوتاً يشبه الخشخشة .. كاسراً الصمت الذي يكتنف المدى ..
    هل ستسقط يوماً ما قطعة ثلج على هذا الفؤاد المكتوي ، فيطفئ فيه جمرة الحرقة والألم ؟
    لسعة برد أخرى تضرب وجهه الشاحب .. يسقط الكوب من يده .. ينتبه .. يستيقظ .. يداه ترتعشان .. لون الشاي المسكوب على الأرض أعاد لذاكرته المتهرئة لون الدم الذي كان يحاول جاهداً نسيانه منذ ذلك اليوم الذي قلب حياته رأساً على عقب ..
    ـ أخي .. أخي .. لا .. لا ..
    ـ أختاه .. أيها الأوغاد الأنذال ..
    يسقط شبه مغمى عليه إثر ضربة من بندقية ..
    تتداخل الأصوات .. صياح النساء .. بكاء الأطفال .. توسلات .. لعنات .. لا فرق ..
    ـ أليس عندكم نساء تخشون عليهنّ !
    تشتعل دواخله .. بركاناً يفور .. لكن الجسد ضعيف ..
    لحظات صمت .. هل ستنقشع تلك الغيمة السوداء ؟ وهل ..
    سيمفونية حزينة تخترق الصمت الكاذب .. ألحان الرصاص تخترق الأجساد المتوسلة ..
    ـ لم يبقَ سواه ..
    ـ إذن ..
    نعم .. وقتئذٍ كان يريده بقوة .. يفتح له صدره ..
    ـ افعلوها فحسب أيها الأوغاد .. ولتلعنكم كل مخلوقات الله بكل اللغات ..
    السماء باتت حمراء قانية .. اختفت الأصوات .. غارت في عمق الذاكرة ..
    يفتح عينيه على أنابيب تخترق جسمه .. أشباح تغدو وتروح .. همسات مشوشة ..
    ـ لقد فتح عينيه .. استعاد وعيه ..
    يتأمل المكان ..
    ـ لا .. لا .. لا .. ليس مرة أخرى .. لا .. لا ...
    انتبه على صوت سيارة ( مزيل الثلج ) ، وهو يصيح : لا .. لا .. والعرق يتساقط من جبينه ليختلط مع لون الشاي المسكوب ..
    استعاد القليل من نفسه .. أصغى إلى لغات لم يألفها ، وربما لن يألفها أبداً ..
    جال بنظره في الحديقة ..
    هناك .. في طرفها .. لاحظ نبتة خضراء صغيرة تجاهد لتثبت نفسها وسط كثافة الثلج ، لتقف سامقة ، ولتعلن أخيراً عن الفصل القادم من فصول الحياة .. الربيع ..


    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
    التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى حمزة ; 11-07-2012 الساعة 05:59 PM

  2. #2
    الصورة الرمزية مصطفى حمزة شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : سوريا - الإمارات
    المشاركات : 4,424
    المواضيع : 168
    الردود : 4424
    المعدل اليومي : 1.00

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بهجت الرشيد مشاهدة المشاركة
    ويأتي الربيع ..

    كان الدرج يصرّ تحت قدميه .. جفاه الكرى ، فانزلقت به ذكريات الماضي القريب ..
    بتثاقل تطأ قدماه على الدرج .. فاستقر أخيراً على الأخير .. قلب النظر في أرجاء الصالة التي بدأت تستقبل أولى أشعة الشمس الدافئة .. كل شيء في الصالة .. الطاولة الفارغة .. الأكواب الفارغة .. الرفوف الفارغة .. كان يكس نفسيته الفارغة من كل إحساس بما يحصل وقتذاك ..
    لقد ترك فؤاده هناك .. بعيداً .. خلف آلاف الأميال .. ولو كان اللقاء ممكناً لباع حياته بلحظة دفء كفيها ..
    بتثاقل أيضاً أحضر كوباً من الشاي علّه يصحو من نوم الأشهر الفائتة ، بل قل من ضياعه ..
    ثم توجه نحو النافذة المطلة على حديقة المنزل .. فتحها .. استقبل بوجهه أولى النسمات الصباحية التي تودع الشتاء .. مع أن الثلج كان لا يزال يغطي الأرجاء ، والبرد لا يزال يبسط سلطانه في الأجواء ..
    هل سيكون القادم أفضل ؟ هل استطيع أن ارسم على تقاسيم وجهي الكئيبة الحزينة ابتسامة ولو متكلفة أو مصطنعة يوماً ما ؟ هل بقيَ لي هناك شربة ماء قبل أن يختفي هذا الجسد في تراب الغربة ؟
    غرق في تساؤلاته محاولاً فتح كوة ولو صغيرة للتفاؤل المستحيل ..
    لسعة بردٍ ضربت جسده النحيل ..
    كان نهاراً استثنائياً بحق .. مساحات من البياض تعكس أشعة الشمس بانسيابية خلابة .. أغصان الأشجار تنفض عن نفسها كتل الثلج المتراكم ، فيتساقط الثلج محدثاً صوتاً يشبه الخشخشة .. كاسراً الصمت الذي يكتنف المدى ..
    هل ستسقط يوماً ما قطعة ثلج على هذا الفؤاد المكتوي ، فيطفئ فيه جمرة الحرقة والألم ؟
    لسعة برد أخرى تضرب وجهه الشاحب .. يسقط الكوب من يده .. ينتبه .. يستيقظ .. يداه ترتعشان .. لون الشاي المسكوب على الأرض أعاد لذاكرته المتهرئة لون الدم الذي كان يحاول جاهداً نسيانه منذ ذلك اليوم الذي قلب حياته رأساً على عقب ..
    ـ أخي .. أخي .. لا .. لا ..
    ـ أختاه .. أيها الأوغاد الأنذال ..
    يسقط شبه مغمى عليه إثر ضربة من بندقية ..
    تتداخل الأصوات .. صياح النساء .. بكاء الأطفال .. توسلات .. لعنات .. لا فرق ..
    ـ أليس عندكم نساء تخشون عليهنّ !
    تشتعل دواخله .. بركاناً يفور .. لكن الجسد ضعيف ..
    لحظات صمت .. هل ستنقشع تلك الغيمة السوداء ؟ وهل ..
    سيمفونية حزينة تخترق الصمت الكاذب .. ألحان الرصاص تخترق الأجساد المتوسلة ..
    ـ لم يبقَ سواه ..
    ـ إذن ..
    نعم .. وقتئذٍ كان يريده بقوة .. يفتح له صدره ..
    ـ افعلوها فحسب أيها الأوغاد .. ولتلعنكم كل مخلوقات الله بكل اللغات ..
    السماء باتت حمراء قانية .. اختفت الأصوات .. غارت في عمق الذاكرة ..
    يفتح عينيه على أنابيب تخترق جسمه .. أشباح تغدو وتروح .. همسات مشوشة ..
    ـ لقد فتح عينيه .. استعاد وعيه ..
    يتأمل المكان ..
    ـ لا .. لا .. لا .. ليس مرة أخرى .. لا .. لا ...
    انتبه على صوت سيارة ( مزيل الثلج ) ، وهو يصيح : لا .. لا .. والعرق يتساقط من جبينه ليختلط مع لون الشاي المسكوب ..
    استعاد القليل من نفسه .. أصغى إلى لغات لم يألفها ، وربما لن يألفها أبداً ..
    جال بنظره في الحديقة ..
    هناك .. في طرفها .. لاحظ نبتة خضراء صغيرة تجاهد لتثبت نفسها وسط كثافة الثلج ، لتقف سامقة ، ولتعلن أخيراً عن الفصل القادم من فصول الحياة .. الربيع ..


    ------------------------
    أخي الأكرم ، الأديب بهجت
    أسعد الله أوقاتك
    قصّة رائعة ، مؤثرة ، تنكأ جراحاً أحدثها في نفوسنا ما رأينا وما سمعنا ..
    استخدمتَ تقنية الاسترجاع ( الفلاش باك ) بمهارة فائقة ، ورسمتَ بها ملامح البطل النفسيّة بوضوح مؤثّر
    ومن خلالها أيضاً سردتَ الحدث الأليم وآثاره على البطل
    أمّا القفلة الومضة ، فحملت التفاؤل - سيتحقق بإذن الله القدير - بعبارة موحية رائعة :
    ( جال بنظره في الحديقة ..هناك .. في طرفها .. لاحظ نبتة خضراء صغيرة تجاهد لتثبت نفسها وسط كثافة الثلج ) وأرى أن تنتهي هنا .
    شعرتُ بأنك أكثرتَ من وصف الطبيعة مما أثر على التوازن في القصّة .
    دمتَ بألف خير
    تحياتي وتقديري
    اللهمّ لا تُحكّمْ بنا مَنْ لا يخافُكَ ولا يرحمُنا

  3. #3
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.84

    افتراضي

    هناك .. في طرفها .. لاحظ نبتة خضراء صغيرة تجاهد لتثبت نفسها وسط كثافة الثلج ، لتقف سامقة ، ولتعلن أخيراً عن الفصل القادم من فصول الحياة .. الربيع ..
    ليت الثّلج بقي ببياضه النّاصع؟!
    لا شكّ أنّه سيكون ربيعا مختلفا لأنّ الشّتاء الذي سبقه طالت أيّامه وصعبت أحواله
    قصّة رائعة لغة ومبنى وأسلوبا
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

  4. #4
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 6,061
    المواضيع : 182
    الردود : 6061
    المعدل اليومي : 0.91

    افتراضي

    في طرفها .. لاحظ نبتة خضراء صغيرة تجاهد لتثبت نفسها وسط كثافة الثلج ، لتقف سامقة ،

    الكثير ممن سحبتهم الغربة قد واصلوا النضال,, ولكن للأسف بطرق إما سلبية أو همجية
    والقليل من عرف طريق النضال الصحيح الحق
    عندما تعرف هذة النبتة الصغيرة كيف تستقبل الشمس,, ومن أين تمتص الماء النقي ستصبح شجرة وارفة ,وثم غابة
    قصة جميلة مؤثرة
    شكرا لك أخي بهجت
    ماسة

  5. #5
    الصورة الرمزية محمد النعمة بيروك شاعر وقاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2011
    الدولة : عيون الساقية الحمراء
    المشاركات : 1,510
    المواضيع : 102
    الردود : 1510
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    انتبه على صوت سيارة ( مزيل الثلج ) ، وهو يصيح : لا .. لا .. والعرق يتساقط من جبينه ليختلط مع لون الشاي المسكوب ..
    استعاد القليل من نفسه .. أصغى إلى لغات لم يألفها ، وربما لن يألفها أبداً..


    على غير عادتي أجدني أقتبس شيئا من هذه القصة..
    إنه تعبير آسر، يكاد سحره يمتص القارئ، فيشعر أنه جزء منه..
    قدرة لا تخطئها العين على تصوير اللحظات، واسترجاع موفق إلى حد كبير، حتى التكرار له دوره في التعبير عن "الفراغ"..

    أما القفلة فإيذان بعودة الروح والأمل الذي لا ينضب الدفء منه.. مهما تكاثرت الثلوج..

    أحيي بوحك الرائع أخي القاص بهجت.
    http://bairoukmohamednaama.wordpress.com/

  6. #6

  7. #7
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.70

    افتراضي

    دخول حذر هاديء وسردية مشوقة نجحت بذكاء القاص وعمق فكرة النص في استقطاب القارىء حتى الوصول للقفلة الرائعة نبتة خضار تعلن الأمل وميلاد فصل جديد

    أحسنت القص أديبنا اللرائع

    أهلا بك في واحتك

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  8. #8
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    الاستاذ العزيز مصطفى حمزة
    شكراً لحضورك
    وقراءتك الدقيقة المتفحصة
    ولا أخرج من نقدك الا مستفيداً

    جزاك ربي خيرا

    تقبل خالص تحياتي ..





  9. #9
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    الاستاذة العزيزة كاملة بدارنه

    يشرفني حضورك هنا
    وثناءك على القصة

    تقبلي خالص دعائي وتقديري





  10. #10
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    الاستاذة الكريمة فاطمه عبد القادر
    وقراءة مبدعة للنص
    وأشكر لك مرورك على نصي المتواضع ..


    مع دعائي وتحياتي ..




صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. غنَّى الربيع
    بواسطة د. سمير العمري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 57
    آخر مشاركة: 28-03-2016, 01:09 PM
  2. ويأتي صوتها بلسماً للجراح
    بواسطة احسان مصطفى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-05-2006, 03:02 AM
  3. اوجاع يسكبها الربيع
    بواسطة رائد ابو مغصيب في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 21-01-2004, 02:15 PM
  4. الزلزال-قصيدة بمناسبة عملية تل الربيع البطولية
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06-05-2003, 01:45 AM
  5. عزة الركوع-قصيدة بمناسبة عملية تل الربيع
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 25-01-2003, 03:13 PM