* لشوق يحتضر *
في بحر من الجفاف يدوس الغياب على أمانيك وتنفجر في وجهك رياح السموم القادمة من بعيد لتأخذك إلى معتقلات اليأس ؛ حيث لا مطر يروي ضلوع التراب فيك يا أنت لا تذعن لحرارة الشوق وانعكاس الصوت في انكسارات الرؤى وانتفاضة الوجع عليك ، دعْ عنك حمّى الارتقاء إلى قمر يحترف القتل والرحيل إلى حين ، وخذ نفسًا طويلًا قبل أن يطويك التراب في باطن نفسك ، تحصّن في جدار محارتك واحتضن خيط الأمل بقوة كي تستطيع الرجوع إلى نفسك بعد مرور العاصفة .
كم كنت غريبًا حين حاولت الصعود إلى أعلى قمة في السحاب لتدرك بعد السقوط أنّ طراودة تعيد نفسها كما التاريخ لا يرحم من لا يعتبر ؛ حين تنسى أنّك قد تخطئ في حساب المسافة بين النجوم و الأرض فتصدّق برجك وعرافتك لمَ لا تستفيق ؟ ، لمَ تغمض عينيك عن حقيقة أنّ القلب لا يحبّ العقل حين يهوى ؟ لمَ لا تقرّ أنّ الجهل صديق النفاق ووحدك من يدفع ثمن الدم المهدور تحت سقف النوايا الحسنة ورصاص التمني ؟.
لي ما أريد من دنياي ، لي أنت من حروف اعتنقت صدق الهوى من أبجدية زرعت الموت في مخطوطات جنون العشق القديمة ، ولي الضياع عند خلو الفضاء من شظايا اسمك وأغنيات النورس لحظة سقوط الضوء في قبضة الضباب . هل صدقتْ عرافتي حين قالت ذات آذار عرى النشيد من علامات الترقيم لا ترحل ؟ ستسحق تحت عجلات قطار يسير على بخار دمك ، عندما تأتي سكين الفراق باسمة فوق ثغر مرآة تكسرت من صدى الفراغ ، و ستبحث كثيرًا عن نفسك تحت مسامات التشقق في نسيج الجلد وأنت تلعق نزيف الدم في مخيخ الرغبة لحظة الاشتهاء ؛ لتطير مثل السندباد في عمق الخلايا حاملًا نعشك بين يديك ، لا تستعجل الذبح و حثّ الخطى على امتلاك الوقت كي لا تموت رعبًا من اصفرار الحلم في جمرة دمك ، و يأكلك النرجس من بين أزهار نيسان و كذبته الكبيرة حين يصدق كل النّاس أنّك وحدك من كان يعتقد بصدق الحواس .
ما أنتَ إلا عابر سبيل أخطأ الطريق في متاهة الأمنيات وتجرع رحيق الهذيان من تمرد الصبر ، ما أنتَ يا أنا إلا مشرّد عبث بعقارب الوقت في فضاء الصمت محاولًا استنطاق الرغبة في مومياء جميلة تتقن فنّ الغموض في كتب الكيمياء ، لا تنظر إلى الشرق كأبي الهول حيث دمرت عواصف الحبّ أنفه رغم كبرياء قامته ، فأنت لا تمتلك حكمته وذكاءه ، و ستتوه قافلتك في عرض الصحراء و ستموت قبل الأوان في بحر من الرمال المتحركة ، لا تختزل الزمن في حسابات القلق من المجهول ، فعمّا قليل ستصل إلى عمق اليقين و ستعلم كيف يكون القلب وحيدًا حين يستخفّ بالعقل ؛ وكم هو مؤلم انتظار الموت على يد فراشة لا تعرف سوى لغة النّار و المستحيل.
كم أحتاج إلى جرعة إضافية من الألم كي أنساك ! وكي أستطيع الرجوع مرغمًا إلى دفتر يومياتي لأرصد تقلبات المناخ في ذاكرة الوقت وفيك ، و كي أعرف ما تبقى لي في حضرة الغياب ، ولي فيك و في الغياب عشق مكنون فيما تبقى من غموض الأمل و انكسار المرايا ، ولديّ ما يكفي لأغزل قصيدة وداع تليق بحضرة الجنون ، و لك عندي ما ليس لأحد ، فخذي ما يرضيك وأعطني ما يسدّ رمق الرجاء لأطفئ ذاكرة تشتعل شوقًا لنسيان كل شيء إلا اسمك.