إهداء
إلى نصفي الآخر هناك ، حيث النور المقدس ، والحجارة العتيقة ، حيث التاريخ يتلفع برداء من نور وآخر من حبر نبعه من دمي .. أهدي ما خطت يميني .
لم يدر لم شعر قلبه بالانقباض وهو يتسلم هذه الرسالة الزرقاء ولا إلى هذا القلق الخفي المتسرب إلى أعماقه ولكنه استعاذ بالله وفض الغلاف وأخذت عيناه تلتهمان الرسالة في سرعة وما أن انتهى حتى زاغت عيناه ودار رأسه وكاد يسقط لولا أن تشبّت بمقبض الباب في قوة
نعم لقد صدقت أحلك مخاوفه
كانت الرسالة من ما يسمى ببلدية أورشليم القدس وفيها إخطار بهدم البيت غدا صباحا بحجة عدم الترخيص
الترخيص !!
ابتسم في مرارة كاد ينفطر لها كبده فالله وحده يعلم كم بذل من جهد في سبيل الحصول على هذا الترخيص ولكنه اكتشف أن الوصول إلى القمر والعودة منه أيسر بكثير من الحصول على هذا الترخيص ..حيث كان يواجه بالإهمال المتعمد والسخرية والتسويف المتكرر ..
والموظفون ..
آآه من الموظفين ...
كانوا يواجهونه بالسخرية والاستهزاء وبشتائم يخجل من قولها أحط البشر وأدناهم .. ويقولون له بصراحة أنه لن يحصل على هذا الترخيص طوال حياته ..
والآن يطالبونه بالترخيص !!
شعور مرير بالعجز والبأس يتسلل إلى أعماقه ..
أغمض عينيه في ألم مكبوت..
تناهى إلى سمعه صوت امرأته وهي تسأله :
- " من الذي جاء يا حسن ؟ "
- " شياطين المدينة !! "
- " شياطين المدينة ؟؟!! "
رددتها الزوجة مندهشة قبل أن تقبل عليه مكملة في جزع :
- " حسن أي شياطين تقصد . إنك تخيفني "
نظر إليها ملياّ نظرات غريبة . فوجئت به .. لكأنه شخص آخر غير حسن زوجها التي تعرفه بل وتحفظه عن ظهر قلب ..
- " ألا تعرفين شياطين المدينة ؟؟ "
بسخرية مريرة أكمل وقد علا صوته :
- " إنهم البلدية الموقرة يا عزيزتي .. وماذا يريدون ؟؟ .. يريدون تنظيف الشارع الجميل من بيتنا القذر والذي يسيء إلى سمعته وهذا لن يتأتى إلا بهدمه وجلوسنا على الرصيف نلتحف السماء ونفترش الأرض "
ارتج عليها .. لم تستوعب جيدا هذه الطلقات المتتابعة من فم زوجها .. إنها كارثة .. بل ومصيبة . فأين سيذهبون ؟ .. بل كيف يعيشون بعد اليوم ؟؟ ...
في رجاء يطل من العيون الدامعة :
- " ألا يمكننا أن نعترض في المحكمة ؟ "
- " أنت تحلمين .. حتى تصدر المحكمة قرارها – المؤيد للهدم – سنكون ننتظر الحكم على أنقاض المنزل المهدم .. "
- " والآن ماذا سنفعل "
- " ننتظر شياطين المدينة "