أحدث المشاركات
صفحة 1 من 5 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 48

الموضوع: الهذيــــــــان....

  1. #1
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي الهذيــــــــان....

    الهذيــــــــان....

    واقفة عند أول الدرج... تحاول رفع قدمها ...تنوء القدم تحمل ذنوب كل البشر... تئن...تحاول وتحاول... تتلاحق أنفاسها ...تحدق في الفراغ ...ترتفع القدم وتسقط كالحجر , دهور ودهور تمر, وما زالت تصعد ... تزحف, أصبحت في أعلى الدرج, باب الشقة يراوغها... يبتعد... تمد يدا مرتعشة تستجديه, تحاول التشبث والتشبث عين الجنون ...تطرق في ضعف , يفتح الباب, تصطدم بوجه أمها, تصرخ الأم ملتاعة :
    - ابنتي ماذا بك !
    تنتحب... تجتر صوتها... يخرج محتضرا:
    - أمــ---ااه! رأســ ..
    تسقط بين يديها, تهرع أختاها على اثر الصرخة ...يشهقان في فزع... تنظر إليهم في خواء, الأيدي تمتد ... جسدها يرتفع... يسبح في الفراغ ... يغرقه الفراش, تصرخ الأم :
    - الطبيب! اتصلوا بالطبيب!
    ينضح وجهها بالعرق...قطرات غزيرة تتجمع على وجهها ...تلتقي ... تسيل...تحرق عينيها ...تعانق دموعا تسقط...تهطل عيناها... تجاهد جفونها, تعارك السقوط...تنتحر فوق عينيها... تتسابق أنفاسها, يتشقق حلقها...
    يأتي من بعيد صوت الأم :
    - يا إلهي ساعدها!
    قطارات تعوي في مخها... مطارق تهوى على عقلها ... مخها يذوب ... خلاياها تحترق ... عضلات جسدها تتشنج ... تنقبض ملامحها في ألم ... تقبض يديها, تسحقهما ... تنطلق صرخة من رحم ألمها ... فتنتحر في حلقها ... تبتلعها ... تهدر في أعماقها ... يبدأ الغليان ... جمرات تسرى في دمائها ... القلب يقفز من صدرها .... فيصطدم بسماعة الطبيب ... وأصوات بعيدة :
    - إنها النوبة .
    - ألا يوجد علاج لهذا الصداع النصفي ؟
    - للأسف لا , فصداعها النصفي عصبي مزمن .
    تحاول النظر ... الوجوه تتراقص ... وجه يقترب منها ... كان يوما يشبه وجه أمها, ملامحه منبعجة مضحكة ... تهمس في خفوت متعجبة :
    أماه ماذا بكِ ؟ هل أنتِ مريضة !؟
    ثم تنطلق تضحك في هستريا ... تموت الضحكة فجأة ... يولد صوت الطبيب:
    - لقد بدأت تهذي أحضروا بعض الماء .
    صدى الصوت يتردد من بعيد ...يخفت... يخرج الصدى... يدخل الماء ... يملأ أذنيها ... تبتعد الظلال ... تخور الأجفان مرهقة ... مازال الماء يقرقع ... ينساب... ينساب إلى رأسها ... جسدها يطفو ... تصارع في بحور ألمها ... دوامات تسحبها لأسفل ... تحاول رفع جسدها ... تصارع يغمرها الماء... تكتم أنفاسها ... ينفجر صدرها ...تشهق تفتح عينيها... ظل يجثم فوقها :
    - اشربي بعض الماء.
    تتجرعه, يعاود الظل الهروب, وصوت يغرق فى بحر بعيد:
    أطفئوا نور المصباح فالضوء يضاعف الألم.
    تحتضر الشمس... يخرج الليل من فجوة في النهار.. تعدو على أشواك في دروب مظلمة... أشجار الطريق تتجسد أشباحا تحمل وجوها دميمة تطاردها ... وهى تطارد الريح ... تتعثر... تسقط... تدميها الأشواك... تنزف... تكبلها الظلال, وصوت يأتي آمرا مقيتا:
    - مزقوا وجهها ... ضحكات شامتة تتردد ... تمتد أيدي خنجرية تسلخ جلدها ... تصرخ فى رعب, تصرخ تصرخ :
    - لا لا .
    تنتفض وهى تصرخ :
    - لا لاااا
    تمد يدها .. تبعد فى خوف يدا عن وجهها فيأتي الصوت:
    -حبيبتي إنها يدي , تمسح العرق عن وجهكِ.
    تعود الغرفة ... ويعود الفراش ... وتعود الوجوه ... تحدق عاجزة .. منهكة ... تجتر أنفاسها .. يأتي نفس الصوت في أسى:
    الحمد لله .. أفقتِ ابنتي ثماني ساعات كاملة يا لكِ من مسكينة حبيبتي!
    تنظر إليهم ... يترقرق دمعها ... تتنهد:
    - اتركوني وحدي.
    يتبادلون النظرات ... ينصرفون باستسلام ... صوت الباب يصفعها ... تتنهد ... تطلق زفرة ... تتحرر دمعة حبيسة ... تبتسم في مرارة ... تنتظر النوبة القادمة ... تنتظر الهذيان.



    بقلم/ د. نجلاء طمان.

    مايو 2007 م
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  2. #2
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 46
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    :NJ: :NJ:

    د/ نجلاء طمان

    لقد نجحت مرآتك أن تعكس لنا هذا الصراع على هذه الصفحة بكل جدارة ، صورة متكاملة ، ومكتملة ، ومتماسكة ، تتخللها جزراً أخرى منالصورالبلاغية غاية الروعة ، بل غاية الجنون ، استطاعت الجمل القصيرة في حمل الصراع ، وكانها قوارباً صغيرة تحمل جمرات من نار ، تتقابل وتتلاحم للوصول للنهاية .
    جاءتالبداية بحدث مباشر ، وذلك لمناسبة الصراع الدائر ، والمشاجرة القهرية بين زوج قلبه لا يعرف الرحمة، ولايملك من الخلفيات الدينية كيف تعامل النساء ، تابعت المشهد ، ونجحتالكاتبة في إيصاله بكل براعة ، حتى أن وجهي اصطدم بوجه الام المفزوعة ...

    ثم تاتي مرحلة اخرى من الصراع ، وهو توابع الفعل القاسي ، حالة من التداخلات ، والإنفعال ، التي استدعت وجود الطبيب ، فدخلت في غيبوبة ، بل هي دوامة ، وقد اتقنتالكاتبة كل العوارض الفسيولوجية ، من عرق ، وانفعال ، تواترات في ضغط الدماء ، ولكن هذا كله كان نوعاً من الحيل الدفاعية للمقهورة الزوجة للهروب من الواقع الأليم ، وبطش زوج لا يرحم ، وحياة سوداوية لا تريدها ، ولا تريد أن تتخيل لحظة انها تمارس العيش فيها ... ولكن لابد لهذه الحياة ان تستمر طالما أن هذا الرجل هو زوجها ، ولابد وأن تاتي الحياة لتفرض طبيعتها ، فتستيقظ من غيوبتها ، وهي تيقن تماما بأنها ستتكرر ، ولكنها رافضة ، رافضة بكل قوة هذه المآساة ، لذلك قررت الآتي : إلى أن تتكرر النوبة مرة أخرى ، فهي ستعيش حالة من الهذيان الإرادي ....

    زادت النقاط الفاصلة بين الجمل بشكل جعلني اتمنى لو كانت خففت في بعض مواضع منها ، فالنقاط تضاف عوضاً عن الحذف ، أو ل‘ستدراك الوقت ، والفصل الزماني بين الأحداث ، لكني ارى الاحداث هنا متوالية ومتلاحمة ، وكان من الممكن ان تستخدم الفواصل العادية ، ولن يفقدالنص معناه أبداً ...
    في النهاية ، أقول بان الدكتورة نجلاء طمان استطاعت بقلمها رسم حالة نفسية كاملة ، لقطاع مكتمل من أزمة تعاني منها بيوت كثيرة ، وقلوب كثر ، و أناس أكثر ...
    تحيتي لهذا الالق .
    محمد

  3. #3
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    - اتركوني وحدي.

    ولو أن سكان الارض جميعا ً تركونا لوحدنا

    فسنبقى نحن مع الله


    الا بذكر الله تطمئن القلوب

    \

    هذا النص مدهش حد الاعجاب
    ولكن
    عندي حوله ملاحظات كثيرة

    سألتقط أنفاسي ثم أعود معترضا ً

    \

    بالغ تقديري
    الإنسان : موقف

  4. #4
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jul 2007
    الدولة : الشآم
    المشاركات : 190
    المواضيع : 24
    الردود : 190
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    صباحك ياسمين
    الأخت الكريمة نجلاء
    لن أطيل كثيرا في ردي فقد استنفذت كل الكلمات و التعبيرات
    اخذت كل شيء جميل و استضفته في القصة التي استوقفتني
    اتعرفين؟ دخلت و خرجت ثم دخلت و خرجت و بعدها قررت ان اسطر لك ردا اشكرك فيه
    سلمت اناملك و الفكر الذي يرفد هذه الانامل
    تحياتي
    المفرد:الكتابة ، المثنى :العشق ، الجمع : الحياة

  5. #5

  6. #6
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الأخت الفاضلة الأديبة الدكتورة نجلاء طمان

    " الهذيــــــــان.... "
    قصة من الطراز الرفيع , أدهشتني بهذه الصور والمشاهد القصية , والبناء الدرامي الموفق جدا في بناء الحدث , براعة كبيرة في الامساك بالخيوط , ولااريد الاستفاضة في تحليل القصة , فقد غلب علي الاعجاب بها .
    أسجّل إعجابي , وأضم صوتي الى الأخوة والأخوات من الأدباء الذين أبدوا الاعجاب بالمهارة القصية والقصة .

    د. محمد حسن السمان

  7. #7
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    الهذيــــــــان....
    واقفة عند أول الدرج... تحاول رفع قدمها ...تنوء القدم تحمل ذنوب كل البشر... تئن...تحاول وتحاول... تتلاحق أنفاسها ...تحدق في الفراغ ...ترتفع القدم وتسقط كالحجر , دهور ودهور تمر, وما زالت تصعد ... تزحف, أصبحت في أعلى الدرج, باب الشقة يراوغها... يبتعد... تمد يدا مرتعشة تستجديه, تحاول التشبث والتشبث عين الجنون ...تطرق في ضعف , يفتح الباب, تصطدم بوجه أمها:

    القصة بدأت بفعل مباشر وحقيقي وهذا ما ادخلنا في لجة الصراع منذ ولوجونا في عالم القصة، وعالمها هي، حيث بدا لي منذ الوهلة ان الهذيان لن تكون الا ضمن سلسلة متممة لقصة نجلا..الكحل الاسود والشبح،ولم يخيب الهذيان ظني، بل أكد على ان الانسان عندما يسطر اوجاع حياته، عليه ان يقدمها ضمن سياق انسيابي متزن،وهذه الانسيابية هنا اضافت للحدث الاساس صفة الديمومة، او ما يسمى بالمصطلح الطبي (المزمن)، لقد اخذتنا المقدمة الى عالم الشخصية الاساس، وفي الوقوف عند الدرج والصعود،اشارة واضحة للزمانية،وترسيخ لقيمة المكانية في نفس الوقت،فالدرج يمكن فهمه على انه الميحط الذي يأويها، وعملية الصعود تعني بلاشك قيمة الزمن الذي يذوب ويمضي،ومن خلال المزج المكاني الزمني ظهر جلياً الحالة النفسية لها، وقيمة الصراع الدائر، بحيث أي تفكير في الاستمرارية ضرب من الجنون الملح، لذا جاء القرار، واتخذ، ونفذ باصرار على البقاء، وربما لحب للحياة،من اجل روابط اكبر منها.

    تصرخ الأم ملتاعة :
    - ابنتي ماذا بك !
    تنتحب... تجتر صوتها... يخرج محتضرا:
    - أمــ---ااه! رأســ ..
    تسقط بين يديها, تهرع أختاها على اثر الصرخة ...يشهقان في فزع... تنظر إليهم في خواء, الأيدي تمتد ... جسدها يرتفع... يسبح في الفراغ ... يغرقه الفراش, تصرخ الأم :
    - الطبيب! اتصلوا بالطبيب!
    ينضح وجهها بالعرق...قطرات غزيرة تتجمع على وجهها ...تلتقي ... تسيل...تحرق عينيها ...تعانق دموعا تسقط...تهطل عيناها... تجاهد جفونها, تعارك السقوط...تنتحر فوق عينيها... تتسابق أنفاسها, يتشقق حلقها...
    يأتي من بعيد صوت الأم :
    - يا إلهي ساعدها!

    موقف درامي نجده هنا، حيث تعمدت القاصة ان تخرجنا من دائرة الصراع الذاتي، الى مرحلة ابعد، وهي مرحلة الاندماج الوجعي بالاخرين، وليس من شك بان الفتاة كطبيعة تميل الى الام،وهنا جاءت اللحظة التي تظهر فيها القاصة انتمائها الذاتي،وتبرهن من خلال النص مشكلة ذاتية ربما اثرت كثيرا على مسار حياتها، حيث صرخة، تجابهها هنا مباشرة في البوح بما يحدث للبطلة جسديا، مع التماهي لكشف حقائق اخرى ربما هي المسببة للالم المباشر،فالصداع انما نتيجة حتمية لامور اخرى تسبقه، بل تؤثث وتمهد لمجيئه،وفي لمحة جميلة تظهر لنا القاصة الحالة النفسية للام وهي ترى ابنتها تسقط بين يديها،ومن ثم تظهر نجواها ودعواتها من اجل ان تمر المحنة هذه على ابنتها بسلام، اما هي فتعيش حالة اشبه بالغيبوبة،لان الهذيان وحده هنا لايكفي لاظهار الصراع الداخلي لها.

    قطارات تعوي في مخها... مطارق تهوى على عقلها ... مخها يذوب ... خلاياها تحترق ... عضلات جسدها تتشنج ... تنقبض ملامحها في ألم ... تقبض يديها, تسحقهما ... تنطلق صرخة من رحم ألمها ... فتنتحر في حلقها ... تبتلعها ... تهدر في أعماقها ... يبدأ الغليان ... جمرات تسرى في دمائها ... القلب يقفز من صدرها .... فيصطدم بسماعة الطبيب ... وأصوات بعيدة :
    - إنها النوبة .
    - ألا يوجد علاج لهذا الصداع النصفي ؟
    - للأسف لا , فصداعها النصفي عصبي مزمن .

    هذه الحوار في رأي كان يحتاج الى تعمق اكثر، ورؤية انضج، لكنه يدخلنا عالم الهذيان الذي استمد عنوان القصة منه، فهذا الهذيان هو المحور للولوج في المرحلة الاكثر صخباً، حيث اظها العلة وعدم وجود علاج لها امر يحتاج الى تركيز اكثر وليس المرور عليه،لان مسبب الهذيان الذي منه نلج في غيابات القصة.
    تحاول النظر ... الوجوه تتراقص ... وجه يقترب منها ... كان يوما يشبه وجه أمها, ملامحه منبعجة مضحكة ... تهمس في خفوت متعجبة :
    أماه ماذا بكِ ؟ هل أنتِ مريضة !؟
    ثم تنطلق تضحك في هستريا ... تموت الضحكة فجأة ... يولد صوت الطبيب:
    - لقد بدأت تهذي أحضروا بعض الماء .

    كما اسلفنا هنا تكمن العقدة الاساسية والتي هي مخاض طبيعي للحالة الذاتية، فالهذيان امر محتم، والصداع النصفي مسبب، والصراع النفسي الداخلي ومن ثم الخارجي كان التمهيد،وجملة هذه الامور تخلق الواقع المُرّ،وهذه الوجعية التي تظهر لنا من خلال المعاني، لها مغزى ميتافيزيقي على البعدين الزمني والمكاني، لانه يستمد وجوده من روافد عديدة، ربما تاريخية، واخرى فكرية، واخرى واقعية،واخرى غيبية،حيث اجتمعت الروافد هذه على دفع حالتها جملة وتفصيلا الى الخوض في سبب المعاناة هذه..وعلى ايجاد اسباب ودواعي الاستمرار على البقاء ضمن دائرته، وهنا تاتي لحظة الحسم النهائية، أم البقاء اراديا تحت وطأة مسبب الوجع، او اتخاذ القرار الحاسم لفض الشراكة بينهما، لكن يجابها ضعف في الااردة،لذا الضحكة تموت.

    صدى الصوت يتردد من بعيد ...يخفت... يخرج الصدى... يدخل الماء ... يملأ أذنيها ... تبتعد الظلال ... تخور الأجفان مرهقة ... مازال الماء يقرقع ... ينساب... ينساب إلى رأسها ... جسدها يطفو ... تصارع في بحور ألمها ... دوامات تسحبها لأسفل ... تحاول رفع جسدها ... تصارع يغمرها الماء... تكتم أنفاسها ... ينفجر صدرها ...تشهق تفتح عينيها... ظل يجثم فوقها :
    - اشربي بعض الماء.
    تتجرعه, يعاود الظل الهروب, وصوت يغرق فى بحر بعيد:
    أطفئوا نور المصباح فالضوء يضاعف الألم.
    تحتضر الشمس... يخرج الليل من فجوة في النهار.. تعدو على أشواك في دروب مظلمة... أشجار الطريق تتجسد أشباحا تحمل وجوها دميمة تطاردها ... وهى تطارد الريح ... تتعثر... تسقط... تدميها الأشواك... تنزف... تكبلها الظلال, وصوت يأتي آمرا مقيتا:
    - مزقوا وجهها ... ضحكات شامتة تتردد ... تمتد أيدي خنجرية تسلخ جلدها ... تصرخ فى رعب, تصرخ تصرخ :
    - لا لا .
    تنتفض وهى تصرخ :
    - لا لاااا

    هنا تبرز سمة الانا،في المعاناة والصراع الدائر بين البقاء واللابقاء، البقاء ضمن دائرة القنص والوجع ،ام الفرار منه، وليس الامر بسهل اذا لامسنا من خلال هذا التعلق وجود عوامل لاتسهل عملية اتخاذ القرار، كالبيئة والمحيط الاجتماعي، وربما امور اخرى تخص العلة والمعلول معاً،ولقد بدا لي وكأن القاصة هنا تحاول ان ترفع من وتيرة الانفعال الداخلي للبطلة، ربما لانها شعرت بأن القصة تحتاج الى دفعة اقوى للتوجه نحو نهاية مرضة، لذا نجد صفة التمزيق، هنا تباشر الى الوجود وكانها صفعة على وجه القارئ، تطالبه بعدم التغافل لحظة، عن النظر الى الاشكال الاساسي في المحنة القائمة.

    تمد يدها .. تبعد فى خوف يدا عن وجهها فيأتي الصوت:
    -حبيبتي إنها يدي , تمسح العرق عن وجهكِ.
    تعود الغرفة ... ويعود الفراش ... وتعود الوجوه ... تحدق عاجزة .. منهكة ... تجتر أنفاسها .. يأتي نفس الصوت في أسى:
    الحمد لله .. أفقتِ ابنتي ثماني ساعات كاملة يا لكِ من مسكينة حبيبتي!
    تنظر إليهم ... يترقرق دمعها ... تتنهد:
    - اتركوني وحدي.
    يتبادلون النظرات ... ينصرفون باستسلام ... صوت الباب يصفعها ... تتنهد ... تطلق زفرة ... تتحرر دمعة حبيسة ... تبتسم في مرارة ... تنتظر النوبة القادمة ... تنتظر الهذيان.

    وصل الصراع الى اوجه داخل الذات، وبدت الامور اوضح للام ولها، والصادع ربما كان مجرد مدخل لشكف هذه الحقائق التي لابد وانها تظهر ذات يوم وبصورة ادق واكثر تفصل،لذا انتهت رحلة المخاض الاساسية للصداع برؤية للحالة وللاشكال، والاحساس بالموجودات اصبح فاعلا، أي عبور مرحلة الهستريا، والغوص الان في المرحلة الحسية، وهذه المرحلة تتطلب رؤية اعمق، ودراية اكثر بالوضع الراهن، والتفكير بالاتي، لان الحدث الاساس يقودنا في الاصل الى الاتي واعتبار الماضي رهن الاقامة الجبرية،وهنا تتداخل المعاني الاستدلالية المعبرة عن حالة سايكولوجية بحتة،مفادها ان ما اصاب القلب من وهن بسبب تتوالي الصدمات قد يجعل القلب رهين الهواجس،رهين الوجس ايضا،فكل تخيل لهزة ربما يكون اكثر تاثيرا من الهزة نفسها.
    لقد ابدعت نجلا..في وصف حالة نفسية ذاتية، واستطاعت ان تنقلنا الى عمق الحدث،بلغة سهلة، وبسرد دقيق متقن، وبالفاظ منتقية،ذا معزى دلالي احتمالي.

    تقديري ومحبتي
    جوتيار

  8. #8
    الصورة الرمزية سارة محمد الهاملي قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jan 2005
    المشاركات : 535
    المواضيع : 14
    الردود : 535
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    رائعـــة د. نجــلاء.
    لا تتخيلين التشنج الذي أنا فيه الآن!
    سأحرم على نفسي الدخول إلى صفحتك فقلبي هذه الأيام لم يعد يحتمل!
    تقبلي كل التقدير والاحترام.

  9. #9
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد سامي البوهي مشاهدة المشاركة
    :NJ: :NJ:

    د/ نجلاء طمان
    لقد نجحت مرآتك أن تعكس لنا هذا الصراع على هذه الصفحة بكل جدارة ، صورة متكاملة ، ومكتملة ، ومتماسكة ، تتخللها جزراً أخرى منالصورالبلاغية غاية الروعة ، بل غاية الجنون ، استطاعت الجمل القصيرة في حمل الصراع ، وكانها قوارباً صغيرة تحمل جمرات من نار ، تتقابل وتتلاحم للوصول للنهاية .
    جاءتالبداية بحدث مباشر ، وذلك لمناسبة الصراع الدائر ، والمشاجرة القهرية بين زوج قلبه لا يعرف الرحمة، ولايملك من الخلفيات الدينية كيف تعامل النساء ، تابعت المشهد ، ونجحتالكاتبة في إيصاله بكل براعة ، حتى أن وجهي اصطدم بوجه الام المفزوعة ...
    ثم تاتي مرحلة اخرى من الصراع ، وهو توابع الفعل القاسي ، حالة من التداخلات ، والإنفعال ، التي استدعت وجود الطبيب ، فدخلت في غيبوبة ، بل هي دوامة ، وقد اتقنتالكاتبة كل العوارض الفسيولوجية ، من عرق ، وانفعال ، تواترات في ضغط الدماء ، ولكن هذا كله كان نوعاً من الحيل الدفاعية للمقهورة الزوجة للهروب من الواقع الأليم ، وبطش زوج لا يرحم ، وحياة سوداوية لا تريدها ، ولا تريد أن تتخيل لحظة انها تمارس العيش فيها ... ولكن لابد لهذه الحياة ان تستمر طالما أن هذا الرجل هو زوجها ، ولابد وأن تاتي الحياة لتفرض طبيعتها ، فتستيقظ من غيوبتها ، وهي تيقن تماما بأنها ستتكرر ، ولكنها رافضة ، رافضة بكل قوة هذه المآساة ، لذلك قررت الآتي : إلى أن تتكرر النوبة مرة أخرى ، فهي ستعيش حالة من الهذيان الإرادي ....
    زادت النقاط الفاصلة بين الجمل بشكل جعلني اتمنى لو كانت خففت في بعض مواضع منها ، فالنقاط تضاف عوضاً عن الحذف ، أو ل‘ستدراك الوقت ، والفصل الزماني بين الأحداث ، لكني ارى الاحداث هنا متوالية ومتلاحمة ، وكان من الممكن ان تستخدم الفواصل العادية ، ولن يفقدالنص معناه أبداً ...
    في النهاية ، أقول بان الدكتورة نجلاء طمان استطاعت بقلمها رسم حالة نفسية كاملة ، لقطاع مكتمل من أزمة تعاني منها بيوت كثيرة ، وقلوب كثر ، و أناس أكثر ...
    تحيتي لهذا الالق .
    محمد

    القاص الرائع: سامى البوهى

    رؤية مختصين ولا عجب, كم أسعدتنى تلك القراءة وكم راقنى تأويلك لقصتى المتواضعة. ربما كان تأويلك بعيدا عن قصد القاصة , لكن ذلك دليل على نجاح القصة, فزيادة المساحة التأويلية لدى المتلقى هو دليل نجاح متواضع لى. أما عن النقاط الفاصلة فقد قصدت منها فعلا فاصلا زمنيا, فبالرغم من كون الأحداث تبدو متلاحمة إلا أنها استغرقت فاصلا زمنيا كبيرا, تراوح ثمانى ساعات كما ذكر فى نهاية الهذيان. لكن رأيك فى الحسبان. شرفنى مرورك أستاذى على قصتى .

    شذى الوردة لك قاص التفاصيل

    د. نجلاء طمان

  10. #10
    الصورة الرمزية يسرى علي آل فنه شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    الدولة : سلطنة عمان
    المشاركات : 2,428
    المواضيع : 109
    الردود : 2428
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. نجلاء طمان مشاهدة المشاركة
    الهذيــــــــان....
    نفس الصوت في أسى:
    الحمد لله .. أفقتِ ابنتي ثماني ساعات كاملة يا لكِ من مسكينة حبيبتي!
    تنظر إليهم ... يترقرق دمعها ... تتنهد:
    - اتركوني وحدي.
    يالها من مسكينة

    ثمان ساعات تصارع أشباح قلقهم المهم المؤلم و معه يغدو طلب الرحمة مطلباً جارحاً لقلوبهم.

    أختي الكريمة د.نجلاء

    قصة مؤثرة أوصلت أنفاسي لدرجة تمنيت أن أفعل شيئاً لأجل بطلتها

    غير أن أكون شبحاً متعباً لمحب قلق.

    تقبلي اعجابي العميق
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

صفحة 1 من 5 12345 الأخيرةالأخيرة