بقيتُ قرابة الشهرين وانا مكبلة بسلاسل لتبقيني مسجونة في تلك الظلمات لستُ اذكر الا القليل .. وعندما احاول التذكر هناك شيءٌ يمنعني ويحاول إخفاء ذلك ال " ..... " لن ادع له مكانا في سطري.
عندما استيقظت لأول مرة ايقظت كابوساً كان غافٍ معي .. ما علمتُ ما يحدث كنت وحدي اخذت الافكار تتشابك لم اكن ادري اين انا .. أو من انا .. ما إسمي .. في تلك اللحظات سمعت صوت الباب يفتح ببطيء، نادتهم.. و جاؤا لاح في سمعي صوت بكاء لم ادر من او لماذا.
بقيت ثلاثة اسابيع اُخرى وانا في ذلك المشفى اُعالج من آثار تلك الحادثة ، وكانوا يحاولون قدر المستطاع عدم إيقاظي حتى اتعافى كليا.
كنتُ واعية واُحسُ بما يجري حولي .. أسمع حديثهم .. استطعت ان اتكلم قليلاً .
ومضى اسبوع ٌ آخر استيقظتُ في ليلٍ هادئ ورائحة ُالدواء تسكن الغرفة اردتُ بعض الماء .. رفعت رأسي قليلاً.. فتحت عيناي , لقد كانت الغرفة مظلمة عدت إلى نومي.. استسلمتُ للظلام ..
وفي اخرِ يومٍ لي في هذه الغرفة ايقظوني ,, يا ليتهم ما فعلوا يا ليتني بقيتُ نائمة في اللامكان واللازمان .. مضتْ خمسُ سنوات وما زلتُ بنفسِ الغرفة نفسُ الرائحة تفوحُ في رأسي.
وابقى ..اُصبِرُ نفسي لعّلَ سمائي وزهوري وسهولي وانهاري تعود وابقى منتظرة علَّني اُمسكُ فُرشتي واُرجع ما غاب منها .. اليها .. كانت تحيا بروحٍ من اناملي .. وعندما اُمسكها تقولُ لي: وماذا سترسمين اليوم ؟ اقول لها فلنبدأ كلانا ولنرى ما ستخطهُ الالوان , واليومْ .. اصبحت فرشاتي بكماء .. ولوحتي عمياء .. والواني.. بلا الوان .
:اعطني اياهم
:لا ارجوكِ سأحاولُ مرةً اُخرى , اُنظري هذه زهرة اليست كذلك ؟؟ نعم هيا قولي انها زهرتي قولي انها جميلة .. لمَ تتجاهلينني وكأنكِ لا تسمعينْ..
: لن ادعكِ تموتين افهميني يا عزيزتي اِسمعي دموعي لا احتملُ ان اراكِ بهذه الحالة اعطني اياهم.
: سأموت يا اُمي سأموت إعلمي انكِ قتلتهم وانا كذلك .
وحملتْهُم وذهبتْ .. لم اعرف إلى اين لكن كنتُ اعلم انها لن ترجعهم ابداً.
وقفت امام ذلك القدر بصمت كامرأة ثلجية امام الشتاء . بقيتُ على هذا الحال شهور ..وشهور .. إلى ان جاء اليوم وتذكرت عندما كنتُ اصغرَ سناً حين توفيت إمراة كبيرة السن من اقاربي حينها احسستْ بقيمة الحياة الحقيقية " لا قيمة لها" امام ذلك الوحش , كنت افكر كيف ستبقى وحدها في ذلك المكان , فكنت دائمة الدعاء لمن ماتوا لأني كنت اخاف من تلك الحفرة التي سيكتب ُ عليها إسمي .. يوماً ما.
لهذا قررت ان ازور القبور إن حدث اي مكروه في حياتي.
ذهبت ُ بعد فترة من الحادثة. وما زلت اسير ورياحٌ قاحلة تخبر عن نفسها كانت فعلاً (رياح الموت ) جلستُ وانا اشعر بتلك الرعشة التي لطالما خِفتُ منها .. اصغيت لنفسي .. للأصوات حولي .. لا صوت علا غير صوت بُكائي .
لقد جعلتني تلك الزيارة اُدرك ما سأكونُ عليه يوماً ما , لذا فقد حققتُ ما اردته لنفسي .. فهدأتُ قليلاً .
جلستُ في ذلك اليوم اُفكر لم استطع النوم .. سأُحاول ان اكمل طريقي .. لن اقف .. لن انتظرَ الموتَ ليأخُذني.. عليَّ ان اُخلد ولو بشيء اُذكر فيه ويبقى عَبقي بعد موتي تفوح اصداؤه "كانت تلك اُمنية لوحاتي " .
اليست الفرشة هي قلم بألوان واللوحة هي ورقة بأسطر ؟!
سأُحاول ان ارسم كلمة .. نعم سأرسمُ الكلمات .
:اُمِّي .. اُمِّي اُنظري إقرائي "رحيق .. رحيق " اليس كذلك ؟ إنَّه إسمي
:نعم رحيق إنَّه رحيق.
وبقيتُ أكتب واكتب , اسمي اسماء اُخرى , إلى ان تعلمتُ الكتابة بشكل جيد . تعلمتُ ان ارسمَ الشمس – تلك التي كانت اميرة لوحةٍ اسميتها " شمس الغد " - تعلمتُ ان ارسمَ الانهار بأحرفي على الورق . لكنَّ تلك الغصة لاتزال تريدُ الصراخ لن انسى انَّ ما احببته وكان هواءً لرُوحي لن يعود لماذا .. لماذا ؟؟
وتمضي الايام فيومانِ اكتب ويومان ابكي.
وفي يومٍ خرجنا إلى مزرعةِ جدي التي كنتُ قد رَسمتُها.. لقد مللتُ البكاءَ على نفسي لن ابكي هذه المَّرة.. تذكرتُ كلَّ تفاصيلها خطوتُ بِبُطيء وانا اشعرُ بالأشجار واُحسُ انها مشتاقة كي ارسمها .
فمسكتُ القَلم والورق وإذ بي ارسم .. كلمات ناديتُ ابي انْ يقرأها علَّي .
كنتُ فعلاً ارسمها لم يبقَ شيء في تلك الزهرة لم اكتبه.
فتعلمتْ : انَّ الورقة التي سقطت لابديل لها في غصنٍ آخر.