قال الشيخ
بكر أبو زيد - رحمه الله -:
في كتب المحاضرات..
أن رجلاً كان يفتي كل سائل دون توقف ، فلحظ أقرانه ذلك منه ،
فأجمعوا أمرهم لامتحانه ، بنحت كلمة ليس لها أصل هي «الخنفشار»
فسألوه عنها ،
فأجاب على البديهة : بأنه نبت طيب الرائحة ينبت بأطراف اليمن إذا أكلته الإبل عقد لبنها ،
قال شاعرهم اليماني :
لقد عَقَدَت محبتُكم فؤادي .... كما عقد الحليبَ الخنفشار
وقال داود الأنطاكي في (تذكرته) كذا وكذا ، وقال فلان وفلان ..
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستوقفوه ، وقالوا : كذبت على هؤلاء ، فلا تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
وتحقق لديهم أن ذلك المسكينَ : جِرَاب كذبٍ ، وعيبة افتراءٍ في سبيل تعالمه ،
نسأل الله الصون والسلامة.
ومن الخنفشاريين:
خبير النعنع، ففي ملح التاريخ كما ذكر السخاوي:
أن جهنيا كان في ندماء المهبلي، وكان يأتي بالطامات فجرى مرة حديث في النعنع
فقال: في البلد الفلاني نعنع يطول حتى يصير شجرا ويعمل من خشبه سلالم،
فثار منه أبو الفرج الأصبهاني صاحب (الأغاني) فقال:
نعم عجائب الدنيا كثيرة ولا ينكر هذا، والقدرة صالحة،
وأنا عندي ماهو أغرب من هذا!
أن زوج الحمام يبيض بيضتين فآخذهما وأضع تحتهما سنجة مائة، وسنجة خمسين -السنجة كفة الميزان- فإذا فرغ زمن الحضانة انفقست السنجتان عن طست وإبريق، فضحك أهل المجلس، وفطن الجهني لما قصد به أبو الفرج من الطنز -السخرية والتهكم -، وانقبض عن كثير من حكاياته.
ومن الخنفشاريين:
الهروي: شمس ابن عطاء الرازي المتوفي سنة 887 هـ، كان من أعوان تيمورلنك، وكان عريض الدعوى في الحفظ ، فاستعظم الناس ذلك،
فجعل له مجلس لإمتحانه وكان من جملة ما سئل عنه حينئد:
هل ورد النص على أن المغرب تقصر في السفر؟ فقال نعم، جاء ذلك في كتاب (الفردوس). لأبي الليث السمرقندي، فلما انفصلوا ورجعوا على كتاب أبي الليث لم يجدوا فيه ذلك، فقيل له في ذلك ؟
فقال:
لكتاب السمرقندي هذا ثلاث نسخ ،كبرى ، ووسطى ، وصغرى وهذ الحديث في الكبرى، ولم تدخل الكبرى هذه البلاد، فاستُشعر كذبه من يومئذ، وقد ساقها الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في ترجمته له،
هكذا فليكن كذب المتعالمين.
(التعالم وأثره على الفكر والكتاب، ص 13 ) طبعة دار بن حزم القاهرة
واختيار المرء قطعة من عقله تدلّ على تخلّفه أو فضله
.................................................. .......................
قال الزبيدي :
خنشفر : ( الخَنْشَفِير ، كقَنْدَفِير ) ، أَهْمَلَه الجَوْهَرِيّ ، وقال الصّغانِيّ : أُمُّ خَنْشَفِيرٍ : ( الدَّاهِيَةُ ) ، والوَزْن به غَرِيب ، ولو قال كزَنْجَبِيل كان أَوْلَى وأَقْرَبَ للتَّفْهِيم ، كما هو ظَاهِرٌ . وهاذه اللَّفْظَة قَرِيبَةَ من لفْظَةِ الخِنْفِشَار ، بالكسر ، وهي مُوَلَّدة اتّفاقاً ، استُعُمِل الآن في التَّعَاظُم ، ولها قِصَّة عَجِبَة ذكرَهَا المَقَّرِيّ في نَفْح الطِّيب ، وأَنْشَد الشِّعْر الذي صَنَعه المُوَلّدُ بَدِيهَةً على قَوْلِه حِين سُئِل عنها فَقَال إِنَّهَا نَبْتُ يُعْقَد به اللَّبَن وقال :
لقد عُقِدَتْ مَحَبَّتُكُم بقَلْبِي
كَمَا عَقَدَ الحَلِيبَ الخِنْفِشَارُ
فتعَجَّبوا من بَدِيهَته ، وقد نُسِب ذلك إلى أَبي العَلاءِ صَاعد اللُّغَويّ صاحِبِ الفُصُوص ، وقيل الزَّمَخْشَرِيّ ، والأَوَّلُ أَقْرب .
واستَدْرَك شَيْخُنا :
خشنشار الواقع في قَوْل أَبِي نُواس :
كأَنَّهَا مُطْعَمَةٌ فَاتَهَا
بين البَسَاتِينِ خشنشار
قال شارِحُ دِيوَانِه : هو من طُيُور الماءِ ، وهو قَنصُ العُقَابِ ، ونَقَله الخَفَاجِيّ في شِفَاءِ الغَليل .
تاج العروس من جواهر القاموس(3/191)