في حضرة الرّحيل
إلى أخي الأستاذ عبد الرَّزَّاق درويش رحمه الله الذي اغتالته أيدي الظلمة
زنبقةٌ للحبِّ , ميعادٌ للصّلاةْ
قبّةٌ للنسر تبكي , وجروحٌ في المساءْ
هدَّها العويلُ تلكَ المِقْصَلَةْ
فانْتَشَتْ من روعها تستجدي الحُداءْ
طاف طائفٌ في الموجِ يستبقُ الحياةْ
مُعْلِنَاً صَرخةَ الثَّكلى في أُفقِ الرَّجاءْ
دمعةٌ تسيلُ من خدِّ أنثى
فرحةٌ ... وابتسامةٌ ...
موتٌ ... حياةْ ...
لم يكن موتاً جميلاً , كانَ عُرساً للبهاءْ
أفيضي ورودَ الموتِ عليهِ دفقةً من حياةْ
أفيضي عليهِ بسمةً لم تكن تسترعي الانتباهْ
مُدْمِنَاً في الحُبِّ هذا العروسْ
مُدْمِنَاً في الصَّمتِ ... في الموتِ ... وفي عنعنةِ السَّاقيةْ
مُدْمِنَاً في كلِّ شيءٍ خطَّهُ الأفقُ المروَّعُ بالنَّحيبْ
* * *
عبدَالرَّزَّاقِ ...
وميلادُ نبضي ينطفئ من الوريدِ إلى الوريدْ
لم تكن فيكَ ريحُ القافلةْ
كنتَ جيلاً من أحزانِ دجلةَ والفراتْ
كنتَ إنساناً وأيَّ إنسانْ ؟!
كنتَ زنبقةً على أسوار قيصرْ
تورقُ كلَّما جدَّ البكاءْ
* * *
عبدَالرَّزَّاقِ ...
طموحُ الشَّمسِ فيكَ أن ترتقي مِدْراجَ حُبِّكْ
علِّمها كيفَ تختفي هذي النُّجومُ في مِحرابِ صمتكْ
علِّمها كيفَ تبتدئُ النَّزيفَ عندما تفكِّرُ في شفتيِّ عشقكْ
* * *
ساحةٌ تراءتْ خلفَ ضبابِ الأزمنةْ
تنعي صهيلَ الموت في أفق المطرْ
متْنَا وما ماتَ الضِّياءْ
عِشْنا كأنَّنا هباءْ
نسترقُ النَّبضَ , ونحني القبَّعةْ
نُجادلُ عِشقاً ... تُولَدُ مِئذنةْ
* * *
كيفَ فيكَ تنطفئُ الحياةْ
وكنتَ قد علَّمتها أسرارَ النَّجاةْ
كيفَ لم توصِها أن تُعلنَ الحِدادْ
وهي – كما عرفتَها – خائنة للودادْ
سُرعانَ ما استرقتْ منكَ النَّحيبْ
ذلكَ المُلْهِمُ الفذُّ في دُنيا الخيالْ
أعطيتَها أُنشودةً من حبِّكْ
واللَّيلُ والنُّجومُ لم ترعَ بعدُ وِدَّكْ
* * *
عبثٌ هذا التَّضادْ
عندما يترجَّلُ فارسٌ تتطاولُ الفزَّاعاتُ مُعلنةً
ميلادها
* * *
صَخَبٌ يُرفرفُ فوقَ وجهِ اليراعْ
أعلنَ موتهُ , وقد جفَّتْ فيهِ الحياةْ
ليست الخيلُ وحدها من تموتُ بعدَ فرسانها
فاليراعُ بموجهِ العُبابُ ينطفئُ في الذَّاكرةْ
لينهي قصَّةَ الآهِ الحزينةْ
فوقَ قُصاصاتٍ غدتْ تاريخاً من دِماءْ
* * *
عبدَالرَّزَّاقِ ...
يا نبضَ الحياةِ في عالمِ الشَّقاءْ
لَمْلَمْتَ جراحكَ وودَّعتنا
فلم يزلْ فينا بعضٌ من وفاءْ